تحديات الخط النفطي العراقي السوري

وتحدّثت معلومات عن وجود مقترح روسي لإعادة إحياء هذا الخط، لكن صراع الإرادات في العراق، وخصوصاً سيطرة الولايات المتحدة في الشمال يحول دون ذلك.

  • تحديات الخط النفطي العراقي السوري
    تحديات الخط النفطي العراقي السوري

يسعى العراق وسوريا إلى إعادة إحياء خط النفط العراقي السوري "كركوك-بانياس"، لما له من فوائد جمة على البلدين، في الوقت الّذي يواجه هذا المسعى تحديات كثيرة. وثمة بدائل حاضرة تفرضها القوى الكبرى الحاكمة في العراق تحديداً، والتي تعرقل إعادة العمل بهذا الخط.

في العراق

بما يمتلكه العراق من طاقة نفطية ضخمة، يتسابق المستفيدون للحصول على حصتهم منه، من دون الاهتمام بمصلحة العراق أولاً، إذ تتسابق الدول الأجنبية والعربية ودول الجوار للاستفادة من النفط العراقي، وتسعى الحكومة الكردستانية المدعومة أميركاً لمواصلة سحب النفط العراقي عبر خط كركوك جيهان إلى تركيا، ومنه إلى الدول الأوروبية.

من جهة أخرى، عمل بعض الأفراد، بإرادة خارجية، على توقيع اتفاقية خط النفط العراقي الأردني "البصرة العقبة" بكلفة مادية هائلة، ليخدم الاحتلال بشكل أو بآخر، إذ أكدت معلومات حصول "إسرائيل" على نسبة 5% من قيمة كل برميل نفط، كضريبة لمروره عبر مضيق تيران وصنافير المحتلين، وهما ممران ملاحيان من خليج العقبة وإليه، يسيطر عليهما الاحتلال الإسرائيلي.

وبينما يصدّر البعض نفط العراق إلى أوروبا، يريد البعض الآخر تصديره إلى الأردن، متجاهلين مصلحة الشعب، ومتناسين الخط القديم الجديد والمختصر في الوقت نفسه، والَّذي يوفر أموالاً هائلة للحكومة العراقية، وهو خط "كركوك بانياس"، إذ يقف البعض في العراق، ومن خلفهم الولايات المتحدة، في وجه هذا المشروع. 

وبحسب المستفيد، نجد:

1- خط أنابيب "كركوك جيهان" الذي ينقل النفط الخام من كركوك في العراق إلى ميناء جيهان التركي، بمعدل 75 ألف برميل يومياً. وقد ضخ في كانون الأول/ديسمبر 2021 نحو 500 ألف برميل يومياً من حكومة كردستان وشركة تسويق النفط العراقية، إذ تستفيد تركيا من هذا الخط، وتجني أموالاً ضخمة منه، إضافة إلى احتلالها مناطق من العراق وقصف مناطق أخرى.

2- خط نفط "البصرة العقبة" الذي جاء كإحدى مخرجات القمة الثلاثية الرابعة، الأردنية المصرية العراقية، في حزيران/يونيو 2021 في بغداد، والذي يكلّف الحكومة العراقية أكثر من 8 مليار دولار.

وهناك تخوف حقيقي لدى بعض العراقيين من وصول النفط عبره إلى "إسرائيل"، وهو أمر واقع ذكرناه أعلاه، إذ حذّر زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي في 14 نيسان/أبريل من إبرام الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي عقداً لتوريد النفط العراقي إلى "إسرائيل" عبر الأردن، في الوقت الذي عبّر ائتلافه عن تأييده تصدير النفط العراقي عبر ميناء طرطوس السوري، بسبب استتباب الأمن في سوريا.

3- يأتي في الأخير الخط الأساسي والقديم، وهو خط "كركوك-بانياس"، الذي تقف قوى سياسية وإقليمية وراء توقفه، في الوقت الذي يتساءل البعض عن أسباب توقف العمل به، وهو طريق مختصر إلى البحر المتوسط وأقصر خط إليه، إذ يبلغ طوله من العراق إلى البحر 800 كم، ويوفر على العراق مبالغ ضخمة، ويحتاج ترميمه إلى أقل من نصف القيمة والتكلفة المخصصة لإنشاء خط البصرة العقبة، إضافة إلى أنّه يمنع تركيا من التحكّم في النفط العراقي المنقول عبر ميناء جيهان التركي.

يستغرب البعض السعي لتفعيل خطّ نقل النفط من محافظة البصرة. ويوجد في محافظة كركوك احتياطي نفط يُقدّر بـ13 مليار برميل تقريباً، أي ما يشكل 12% من إجمالي الاحتياطي العراقي من النفط.

وبمقارنة التكلفة بين خط الأردن والسعودية وسوريا، فإنّ كلفة النقل في هذه الأنابيب الأخرى أقل، إذ تبلغ تكلفة النقل عبر العقبة 6-9 دولارات للبرميل الواحد، لكن النقل إلى الخليج يكلف 60 سنتاً فقط، والنقل إلى سوريا أقل من أيضاً.

٢- كلفة مد الأنبوب تبلغ 8 مليارات دولار، لكن كلفة أنبوب الزبير - ينبع/ السعودية تبلغ 2.5 مليار دولار، وعبر سوريا أقلّ من 4 مليارات دولار.

٣- الأنبوب داخل الأردن سيبقى ملكاً للأردن لاحقاً، ولكن التكلفة عراقية، ولا تأخذه العراق إلا بعد 15 سنة والنفط بعد نصف قرن.

وبسبب هذه التكلفة العالية التي ستوثر في خزينة الدولة العراقية، طالب بعض العراقيين بإيقاف العمل بخط البصرة العقبة والتوجه نحو خط كركوك بانياس، ولكنَّ الأخير يواجه الكثير من التحديات، إذ أكّد مصدر عراقي للميادين وجود منع متعدد المصادر؛ أحدها مصدر محلي من إقليم كردستان، وآخر حكومي بسبب سيطرة قرارات الإقليم على قرارات الإدارة النفطية، إضافةً إلى وجود منع دولي متمثل بالولايات المتحدة التي تقف حاجزاً أمام إعادة ترميم الخط أو إعادة العلاقات الاقتصادية مع سوريا، والتي تعتبر أقصر طريق للخطّ إلى الأبيض المتوسط، ومنها إلى المياه الدولية، وأقصر منفذ عراقي بحري على البحار.

ويؤكد المصدر أن منعه ليس وليد اليوم، بل يعود إلى سنوات طويلة، بحجة منع العراق من الانضمام إلى محور المقاومة الذي يشمل إيران وسوريا ولبنان، إذ يخاف العرب قبل الغرب انضمام العراق إلى هذا المحور.

ولتحييد العراق عن هذا الخط، وجد العرب المتعاونون مع الولايات المتحدة طريقين بديلين هما:

- خط النفط من كركوك إلى السعودية، ومنه إلى البحر الأحمر. هذا الخط صادرته السعودية في وقت سابق، وتوقف عن العمل.

- الخط الثاني هو خط البصرة العقبة، والذي يكلّف مبالغ هائلة، ويثقل خزينة الدولة العراقية، إضافة إلى أنه يحقق فائدة لـ"إسرائيل"، وهو ما يرفضه الشعب العراقي.

وتحدّثت معلومات عن وجود مقترح روسي لإعادة إحياء هذا الخط، لكن صراع الإرادات في العراق، وخصوصاً سيطرة الولايات المتحدة في الشمال، يحول دون عودة الخط، ولا سيما بعد عودة قوات إقليم كردستان إلى محافظة كركوك في العام 2021، والتي طردت سابقاً من المحافظة في استفتاء العام 2017.

وبهذا، لا يمكن تشغيل الخطّ لسببين؛ الأول هو الوقوف في وجه أي اتفاق سوري عراقي يعمل على عودة الخط بضغط أميركي، والآخر هو عدم القدرة على السيطرة التامة على هذا الخطّ، ومنع التسرب أو التهريب، أو وقف العمليات الإرهابية المدعومة من الفصائل المدعومة أميركياً والموجودة شرق سوريا.

في سوريا 

يرى مصدر سوري أنّ من المبكر الحديث عن عودة هذا الخط، وأن الحديث عنه يأتي من الجانب العراقي فقط، ولا تفعيل لهذا الخط إلا بعد تحرير الأراضي السورية، ولكن المصدر بيّن في الوقت نفسه أن هناك محاولات سابقة لإعادة تشغيل الخط وإصلاحه تزامنت مع منع الولايات المتحدة إعادة تشغيله، إضافةً إلى وجود عوائق أخرى، مثل عدم تجانس العراق، وعدم توافق الحكومات التي تعاقبت عليه مع الشعب، كما أنّ بعض الشخصيات الموجودة في الحكومة الأخيرة تابعون بقرارهم للولايات المتحدة، وليسوا قادرين على البتّ في قرار التشغيل.

وعن أهمية إعادة تشغيل خط كركوك بانياس، يؤكد المصدر للميادين وجود فوائد كثيرة له، بما فيها العائدات النفطية والمرورية الكبيرة على سوريا. وفي حال تم تشغيل الخط، تستطيع سوريا الاستغناء عن النفط القادم من إيران، والذي يحتاج إلى وقت طويل للوصول إليها، إضافةً إلى أنّ العائدات المرورية كفيلة بتحسين قيمة الليرة السورية، عدا عن انتعاش مكاتب البحرية التي كانت تزود البواخر بالخضار والفواكه والمواد التموينية، إضافةً إلى تقليص المسافة وتوفير الكثير من المحروقات على السفن الناقلة. ويؤكد المصدر أنّ "إسرائيل" هي العقبة الأساسية في هذا المشروع، وخلفها الولايات المتحدة، متمثلة بمناطق سيطرتها شرق الفرات.

وقد تأسَّس أنبوب تصدير النفط العراقي السوري كركوك بانياس في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 1952، وعمل بشكل متواصل حتى العام 1980، وتوقف لفترة طويلة منذ أوائل الثمانينيات، مع اندلاع الحرب الإيرانية - العراقية، وعاد إلى العمل في العام 1997، ثم توقف في العام 2003، وعاد إلى العمل في العام 2010، وتوقف نهائياً مع بداية الحرب على سوريا.