نظام عالمي جديد بدأ يتكوَّن.. محوره الصين

إن هيمنة الدولار الأميركي هي نتاج حجم الاقتصاد الأميركي والأسواق المالية المفتوحة. ومع ذلك، إنَّ التضخم المرتفع يمثل تهديداً أكبر لاستقرار الدولار.

  • كانت بكين في طور تدويل اليوان قبل الأزمة في أوكرانيا
    كانت بكين في طور تدويل اليوان قبل الأزمة في أوكرانيا

حذر صندوق النقد الدولي من أن هيمنة الدولار الأميركي كعملة تجارية عالمية قد تكون مهددة بسبب العقوبات الشعواء المفروضة على روسيا، نظراً إلى العمليات العسكرية القائمة في أوكرانيا منذ أواخر شباط/فبراير، وعبّر عن قلقه من أن استخدام العملات كسلاح سيؤدي إلى تفتيت الاقتصاد العالمي وجعله أقل فاعلية.

هناك دول تهرع الآن لإيجاد طرق للمعاملات وتخزين الأموال، متحايلةً على العملات والأسواق المالية الأميركية، وتلك الخاصة بحلفائها، إذ تعيد بعض الدول التفاوض بشأن العملة التي ستستخدمها مقابل التجارة.

بالانسجام مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، فرضت الدول الغربية عقوبات جسيمة على روسيا، من بينها قيود على بنكها المركزي، ما قد يؤدي إلى ظهور تكتلات صغيرة للعملات تقوم على أساس التجارة بين مجموعات متفرقة من البلدان.

وقد سعت روسيا لتقليل اعتمادها على الدولار، بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليها، كرد انتقامي على استعادتها شبه جزيرة القرم في العام 2014. بدءاً من نهاية كانون الثاني/يناير 2022، احتفظت روسيا باحتياطيات من العملات الأجنبية بقيمة 469 مليار دولار، وهو ما يمثل قرابة خمس احتياطياتها الأجنبية في الأصول المقومة بالدولار قبل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا مباشرة، مع وجود جزء لا يستهان به في الخارج في ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة واليابان، الذين تحالفوا الآن معاً لعزل موسكو عن النظام المالي العالمي، وقاموا بتجميد أكثر من نصف الاحتياطيات الروسية.

قالت جيتا جوبيناث، النائب الأول للمدير العام لصندوق النقد الدولي، إن العقوبات المفروضة على روسيا لا تنذر بزوال الدولار كعملة احتياطية، وأن الصراع في أوكرانيا من شأنه أن يبطئ النمو الاقتصادي العالمي، ولكنه لن يتسبب بركود عالمي.

وقالت جوبيناث لصحيفة "فاينانشيال تايمز" إن العقوبات المالية المفروضة على روسيا تهدد بإضعاف هيمنة الدولار الأميركي، وقد تؤدي إلى نظام نقدي دولي أكثر تشظياً. وأضافت أن الصراع سيحفّز أيضاً اعتماد التمويل الرقمي من العملات المشفرة إلى العملات المستقرة والعملات الرقمية للبنك المركزي.

وقالت إن الاستخدام الأوسع للعملات الأخرى في التجارة العالمية سيؤول إلى مزيد من التنويع في الأصول الاحتياطية التي تحتفظ بها البنوك المركزية الوطنية، وأضافت: "تميل الدول إلى تكديس الاحتياطيات بالعملات التي تتاجر بها مع بقية دول العالم والتي تقترضها منها. لذلك، قد نرى بعض الاتجاهات البطيئة الحركة تجاه العملات الأخرى تؤدي دوراً أكبر (في الأصول الاحتياطية). وقد ينشأ نظامان ماليان؛ واحد غربي والآخر صيني، وقد يعملان معاً بطرق متباينة ومتداخلة".

وخلص تقرير "التنافس الاقتصادي العظيم"، بقلم غراهام أليسون وزملائه في جامعة "هارفرد"، إلى أنَّ الصين منافس قوي للولايات المتحدة، وأنَّ عملتها يمكن أن تصبح عالمية، نظراً إلى حجم اقتصادها وتطوّره.

وتأمل الصين أن تحل عملتها اليوان، المعروفة أيضاً باسم "الرنمينبي"، محلّ الدولار الأميركي كعملة عالمية، إذ يعتقد غالبية المستثمرين الدوليين أنَّ هذا سيكون حتمياً، ولكن لا يستطيع أحد تحديد موعد ذلك. وعندما يحدث، ستنخفض تكاليف الاقتراض للمصدّرين الصينيين، وسيحققون نفوذاً اقتصادياً أكبر مقارنةً بالولايات المتحدة، وسيدعمون الإصلاحات الاقتصادية للرئيس جين بينغ.

في الأول من أيلول/سبتمبر 2015، أعلن صندوق النقد الدولي أنه منح اليوان وضع "عملة احتياطية"، وأضافها إلى سلة حقوق السحب الخاصة في 1 تشرين الأول/أكتوبر 2016. وتشمل هذه السلة حالياً اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني والدولار الأميركي. بحلول آب/أغسطس 2015، أصبح اليوان رابع أكثر العملات استخداماً في العالم، متجاوزاً الين الياباني والدولار الكندي والدولار الأسترالي.

إنَّ الصادرات الصينية أكثر تنافسية نسبياً مقابل أسعار الدولار في جميع أنحاء العالم. وبفضل الصادرات المنخفضة التكلفة إلى الولايات المتحدة، ارتفع النمو الاقتصادي في الصين. تشكل الاحتياطيات العالمية حوالى 2%، واستخدام اليوان في جميع أنحاء العالم آخذ في الارتفاع، في حين أن الانخفاض في حصة الدولار يمكن أن يُعزى إلى زيادة استخدام "الرنمينبي" الصيني.

كانت بكين في طور تدويل اليوان قبل الأزمة في أوكرانيا، متفوقةً بالفعل على الدول الأخرى في اعتماد العملة الرقمية للبنك المركزي. ليس مستوى التجارة هو السبب الوحيد الذي يجعل الدولار الأميركي هو العملة الاحتياطية في العالم. تزرع قوة الاقتصاد الأميركي الثقة، ولكن الأهم من ذلك هو شفافية الأسواق المالية الأميركية واستقرار سياستها النقدية.

رئيس بلدية نيويورك السابق مايكل بلومبيرج، وهو رئيس مجموعة العمل المعنية بالتجارة والمقاصة بـ"الرنمينبي" الأميركي، يهدف إلى إنشاء مركز لتداول اليوان في الولايات المتحدة. تضم المجموعة وزيري الخزانة الأميركيين السابقين هانك بولسون وتيموثي جيثنر. وبحسب قوله، سيخفض المركز التكاليف بالنسبة إلى الشركات الأميركية التي تتاجر مع الصين.

إن هيمنة الدولار الأميركي هي نتاج حجم الاقتصاد الأميركي والأسواق المالية المفتوحة. ومع ذلك، إنَّ التضخم المرتفع يمثل تهديداً أكبر لاستقرار الدولار، فقد أصبح الدولار الأميركي العملة الاحتياطية الرسمية للعالم في العام 1944 في اتفاقية "بريتون وودز"، فالدولار الأميركي غير مدعوم بالذهب أو أيّ معادن ثمينة أخرى، وهو عملة ورقية (حكومية الصنع) منذ العام 1971. 

وبدءاً من الربع الثالث من العام 2021، قُوّمت 59% من احتياطيات العملات الأجنبية العالمية بالدولار، و20% باليورو، و6% بالين، و5% بالجنيه الإسترليني.

وأشارت جوبيناث إلى أن حصة الدولار الأميركي من الاحتياطيات الدولية انخفضت من 70% إلى 60% خلال العقدين الماضيين، مع صعود عملات تجارية أخرى بقيادة الدولار الأسترالي. وإذا انهارت العملة الأميركية، فإنَّ التضخم المفرط من شأنه أن يحبس الاقتصاد في "دوامة أسعار الأجور"، إذ ستجبر الأسعار المرتفعة أرباب العمل على دفع أجور أعلى، والتي سيمرّرونها إلى العملاء بسعر أعلى، في حين أن واشنطن تصكّ العملة لتلبية الطلب، ما يجعل التضخم أسوأ.

انخفض الدولار إلى أكثر من أدنى مستوى له في أسبوع واحد في أواخر كانون الثاني/يناير 2022، إذ أظهرت البيانات انخفاضاً في التوظيف في القطاع الخاص الأميركي بسبب زيادة الإصابات بكورونا.

ويرفض الرئيس الأميركي بايدن الاعتراف بأن محمد بن سلمان (MBS) هو الزعيم الفعلي للمملكة العربية السعودية، ولا يتعامل إلا مع الملك سلمان. وقد قال إنه لن يعترف بابن سلمان، باعتباره الملك الذي يخلف سلمان، ووصفه بأنه "قاتل".

أراد بايدن أن يضخّ محمد بن سلمان المزيد من النفط لخفض الأسعار عقب العقوبات على روسيا في ما يتعلق بالغاز والنفط، ولكن لم يستقبل محمد بن سلمان والإمارات العربية المتحدة مكالمات البيت الأبيض. وسيبيع محمد بن سلمان النفط للصين باليوان، إذ تقوم المملكة العربية السعودية بتحول تاريخي تجاه الصين، بعيداً عن الولايات المتحدة، التي خيبت آمال المملكة العربية السعودية لعدم الدفاع عن المنشآت النفطية بعد الهجمات المتكررة التي نفذتها حركة "أنصار الله". 

وقد أهان الرئيس السابق ترامب المملكة العربية السعودية والملك شخصياً. وكانت المملكة العربية السعودية قد اعتمدت في السابق على الولايات المتحدة كحارس أمني، لكنها باتت تدرك الآن أن المملكة الغنية بالنفط لم تعد قادرة على الاعتماد على الولايات المتحدة في الاحترام أو الأمن.

المصادر: 

https://www.reuters.com/business/imf-warns-russia-sanctions-threaten-chip-away-dollar-dominance-ft-2022-03-31/

https://wap.business-standard.com/article/international/imf-warns-russia-sanctions-can-chip-away-dollar-dominance-report-122033100306_1.html

https://www.ft.com/content/f18cf835-02a0-44ff-875f-7de7facba54e

https://www.thebalance.com/yuan-reserve-currency-to-global-currency-3970465

https://www.cnbc.com/2022/02/02/forex-markets-dollar-federal-reserve.html