أزمة الكهرباء في لبنان.. لا حل دون تنويع الخيارات

هدأت حرارة اللبنانيين صيفاً، وتدفأت بيوتهم شتاءً إلى حد ما، بفعل المبادرة التي قام بها حزب متّهم بالانحلال عن الدولة.

  •  الحل يكمن في تنويع لبنان خياراته والانفتاح على العروض المقدمة له
    الحل يكمن في تنويع لبنان خياراته والانفتاح على العروض المقدمة له

منذ عام تقريباً، لاحت مشكلة الكهرباء في لبنان، وترافقت معها أزمة تأمين مادة المازوت لتشغيل المولدات الكهربائية. خرج المسؤولون على اللبنانيين، تارةً يعظمون هول المشكلة، وطوراً يحلّون كلامهم بالحلول التي يمكن أن تعيد الكهرباء إلى أسلاكها! 

وبين المفاوضات التي احتاجت أركاناً سياسية وأمنية، واستدعت سفرهم مع الأشقاء العراقيين لإمداد لبنان بمادة الفيول لتشغيل معامل الكهرباء، وبعد إتمام الاتفاق واستجرار المادة، لبثت في مخازنها ساعاتٍ قليلة وتبخرت، وعدنا إلى نقطة الصفر!

وعلى الخط الموازي، وعد الأمين العام لحزب الله بتأمين المازوت لتشغيل المولدات في ظلِّ الأزمة المزدوجة، وأعلن أكثر من مرة أنَّ اللجوء إلى هذه الخطوة هدفه التخفيف من وطأة الأزمة المتمثلة باحتكار المشتقات النفطية على أنواعها، وليس حلها بشكل جذري، بل الهدف هو محاولة المساعدة في إيجاد مخرج لإراحة اللبنانيين، وخصوصاً مع اقتراب موسم الشتاء، حيث تكون الحاجة إلى مادة المازوت ملحة لتأمين التدفئة، إضافة إلى تشغيل مختلف المرافق الإنسانية، من مستشفيات وجمعيات وغيرها، والتي تُعنى بالشق الإنساني والاجتماعي.

حينها، قال: "من أجل أن نكسر هذا الاحتكار، ومن أجل أن نساعد بإيجاد انفراجات معيّنة، سنلجأ إلى هذه الخطوة"، وهي استجلاب المادة من الجمهورية الإسلامية في إيران، ودائماً الكلمة المفتاح هي "المساعدة"، وليس المنافسة في السوق النفطية في لبنان، إذ صرح: "قلنا في أكثر من مناسبة إن هدفنا ليس التجارة. لا تجارة بنزين، ولا تجارة مازوت. نحن لا نريد الدخول في منافسة مع الشركات والمحطات على المشتقات النفطية. نحن لا نريد أن نحلّ محلّهم. نحن لسنا معنيين بأنّ نؤمّن الحاجة لكل السوق اللبناني".

وبعد عدّة محاولات أميركية لإيقاف العملية، تجاوزت أول قافلة من الصهاريج الحدود بين لبنان وسوريا قادمة من مرفأ بانياس نحو نقطة المصنع عند الحدود اللبنانية – السورية. وتجدر الإشارة إلى موقف الدولة اللبنانية الرسمي، إذ سارع وقتها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى التبرؤ من هذه الخطوة، وقال في مقابلة مع محطة "سي إن إن" الأميركية: "أنا حزين لانتهاك سيادة لبنان، ولكن ليس لديَّ خوف من العقوبات عليه، لأنَّ العملية تمت بمعزل عن الحكومة اللبنانية".

هدأت حرارة اللبنانيين صيفاً، وتدفأت بيوتهم شتاءً إلى حد ما، بفعل المبادرة التي قام بها حزب متّهم بالانحلال عن الدولة. في المقابل، انطلقت وعود السفيرة الأميركية بتأمين استجرار الغاز من مصر عن طريق الأردن وسوريا، ومنهما إلى لبنان، عبر الأنابيب، وإعادة التيار الكهربائي إلى اللبنانيين من خلال اتفاقيات تبرم بين الدولة اللبنانية والدول المعنية مع ضمان الحماية من تداعيات قانون قيصر، إذ إنَّ الغاز المصري سيُجر عن طريق الأردن ليمرّ عبر سوريا، ويصل إلى المصافي في لبنان، لسيتخدم في إنتاج الكهرباء، علماً أنّ الإدارة الأميركية وضعت شروطاً شبه تعجيزية وقتها، لا تستطيع الدولة اللبنانية تنفيذها، وهي تتمثل بقيود سياسية بحتة تخرج عن إطار حلّ الأزمة الاجتماعية التي تزعم هذه الإدارة نية حلها و"إغاثة" الشعب من محنته. كل ذلك لتبقي قبضتها محكمة على مصير اللبنانيين. وقد قرنت إتمام عملية استجرار الغاز بضرورة تمويله من صندوق النقد الدولي الذي يعود الأمر إليه بالموافقة أو الرفض.

على الرغم من ذلك، دأبت وزارة الطاقة منذ حينها على تحضير الاتفاقيات وإتمام الأعمال اللوجستية وصيانة ما يجب صيانته وتهيئة الظروف لاستقبال الغاز استقبالاً يليق بالفرسان! وصلت الأمور إلى حدود الحصول على الموافقة النهائية من صندوق النقد الدولي لتمويل المشروع وإعطاء الضوء الأخضر لبدء العملية.

وقد صرّح وزير الطاقة اللبناني: "إننا نعيش المرحلة الأخيرة مع البنك الدولي يوماً بيوم. أنجزنا كل الخطوات، وصولاً إلى الاتفاقية النهائية مع مصر. اليوم، العثرة هي موافقة البنك الدولي على تمويل هذا المشروع، وكان المفروض أن يبدأ من شهر آذار أو نيسان، لإعطاء الموافقة للبدء بإنفاذ العقد. كنا بانتظار موافقة البنك الدولي الجمعة الماضية للدخول معنا في مرحلة مفاوضات، إلا أننا لم نحصل على هذه الموافقة بعد".

تصريح الوزير جاء في مقابلة مع "صوت بيروت إنترناشونال". وفي رد على سؤال: ماذا نقول للمواطن اللبناني اليوم؟ كان جوابه: "نقول للمواطنين ناشدوا الأسرة الدولية لأننا وُعِدنا... كل الناس وكل الدولة".

يعتبر الوزير أنَّ مجرد موافقة البنك الدولي على التمويل يعني موافقة الإدارة الأميركية على تجنيب عملية استجرار الغاز تداعيات قانون قيصر. إذاً، يريد معاليه من اللبنانيين جميعاً أن يطالبوا الصندوق بمنح موافقته الميمونة! على الرغم من الإذلال الذي يعيشونه منذ 3 سنوات تقريباً، واحتجاز أموالهم وتدهور قيمة عملتهم، والغلاء والاحتكار والاستغلال الذي يمارس عليهم يومياً، وانهيار القطاع الصحي والضمان الاجتماعي... 

يريد معاليه منهم أن يتوجهوا بأصواتهم نحو المطالبة من الصندوق بالموافقة؛ موافقة ستموّل مشروعاً يؤمن إنتاج الكهرباء بساعات تغذية إضافية تصل إلى 4 ساعات يومياً زيادة على ساعات التغذية المؤمنة، ليكون مجموعها 6 ساعات تقريباً، من دون أن نتجاهل حقيقة أنَّ التمويل بالعملة الصعبة، أي الدولار الأميركي، الذي يعاني لبنان بشعبه ومصارفه لتأمينه، نظراً إلى ندرته!

وبينما تتجاهل الدولة اللبنانية عروضاً مقدّمة من دول ضمنت تمويل مشاريع "إضاءة لبنان" بالعملة اللبنانية، ولآجال طويلة، وتؤجل الرد عليها بحجة وضعها تحت المجهر ودراستها وتدقيقها، لم يحتج مشروع جرّ الغاز الممول من الصندوق الكثير من الدراسة على عكس تلك المقدمة من روسيا.

لقد زار لبنان وفد روسي للبحث في مشاريع في مجالات الطاقة والنفط والنقل، وهي مشاريع إنقاذية للبنان. وقد ضمّ الوفد شركة "Hydro Engineering and Construction"، وعلى رأسها مديرها العام أندريا متسغر، ومدير الاستثمارات الخارجية فلاديمير أوساتدشي، وهي تحظى بدعم وتوجيه من الحكومة الروسية، وبحضور السفير الروسي في لبنان ألكسندر روداكوف. واجتمع الوفد مع وزير الأشغال العامّة والنقل في حكومة تصريف الأعمال ميشال نجار، ووزير الطاقة ريمون غجر آنذاك، وعرض معهما سبل التعاون بين البلدين.

وقد قدّم الوفد عرضاً للبنان يتضمن المشاريع التالية: ترميم مصفاة النفط في الزهراني، وترميم مصفاة النفط في البداوي، وإنشاء معملين للكهرباء، وترميم مرفأ بيروت لإعادة إحياء دوره الإقليمي، وترميم مرفأ طرابلس كجزء مهم لإعادة إعمار سوريا، إضافةً إلى بناء إهراءات للحبوب بمواصفات إقليمية.

وستكون مهمة هذه المصافي تكرير النفط، وسيكفي انتاجها السوق المحلي من المشتقات النفطية. وبذلك، يستطيع لبنان أن يوفر على خزينته كلفة استيراد هذه المواد، إلى جانب إنتاج ما تحتاجه معامل الكهرباء لتوليد الطاقة.

كما أنَّ هذه المشاريع ستكون على طريقة الـ"BOT"، أي أنها لن تكلف الدولة اللبنانية أي مبالغ بالدولار الأميركي أو بالليرة اللبنانية، إذ إنَّ الشركة المنفذة ستكون مدعومة من مصرف روسي مكلف رسميٍّا من الحكومة في روسيا.

وقد قال أمين عام حزب الله إنَّ المشاريع المعروضة تتولى إنشاءها الشركات الروسية، وتسلم إدارتها للجانب اللبناني بعد 20 عاماً، وستبيع هذه الشركات النفط للبنان بالعملة اللبنانية.

كلام السيد نصر الله جاء في مناسبة يوم الجريح في الاحتفال المركزي الذي يقيمه حزب الله. وقد قال: "منذ سنة ونصف السنة، عندما تحدثنا عن الاتجاه شرقاً، أتت شركات صينية وروسية وعرضت عروضاً حقيقية للكهرباء، لكنها لم تأخذ جواباً، لأن الأميركي يمنع ذلك".

وقال: "العرض هو أن تقوم الشركة بتكرير 160 ألف برميل نفط أو 200 ألف برميل من خلال المصفاة الكبيرة، وتكفي حاجات لبنان، وأن يصدر لبنان المشتقات النفطية، وتبيع الشركة الدولة بالليرة اللبنانية". كذلك، إن "العرض يقول إن المصفاة ستكون للبنان بعد 20 سنة، لكن بعد سنة ونصف السنة من المفاوضات، ليس هناك جواب، ويتم وضع شروط باستمرار".

إذاً، الحل يكمن في تنويع لبنان خياراته والانفتاح على العروض المقدمة له من دول صديقة كروسيا، من أجل أن يبدأ بالنهوض من قعر الكارثة الاقتصادية التي ألمت به، ولكنَّ الدولة اللبنانية تصر على المماطلة، وتؤخر جوابها على هذه العروض إلى أكثر من سنة ونصف السنة، إرضاءً للإدارة الأميركية، وخوفاً من "خسارة رضا" هذه الإدارة المنعدم أساساً! فلو كانت راضية، لما كان لبنان يعيش أزمته اليوم.

يريد معالي الوزير إذاً أن يطالب اللبنانيون الأسرة الدولية، نتيجة الوعود المقدمة، من أجل الحصول على تمويل البنك الدولي لمشروعٍ لو دُرِست جدواه لأتت خاسرة على مقاييس عدة.

إنه مطلب يريد تذكير اللبنانيين بمن يحكم القبضة على مصيرهم ويجرهم من خيبة إلى أخرى، وما زالت تصر "الدولة" على التعاطي معه كأنه ربها الأعلى، في حين أن هناك من يرجو من الدولة نفسها إعفاء اللبنانيين من مشقة الانجرار وراء خيلاء الصندوق والبحث خارجه حتى ينعم شعب أثخن بخلو الرجاء بما هو حق طبيعي له، بدءاً من الكهرباء.