إجراءات حكوميّة سورية سريعة في مرمى الواقع

تعاني سوريا من تأخير في الاستيراد، رغم إعطاء الحكومة إذن السماح به، ما يزيد وطأة الحرب الاقتصادية على المواطنين.

  •  تشديد الرقابة على سوق الصرف
    تشديد الرقابة على سوق الصرف

ألقت الأزمة في أوكرانيا ظلالها على كلّ العالم، فأصبح الأمن الاقتصادي في خطر، وكذلك الأمن النفطي، وسرعان ما اتخذت الحكومة السورية خطوات من شأنها أن تبطئ الآثار الناتجة من شح القمح الروسي والغاز الأوروبي أو تقلّل منها، وخصوصاً في مجال الطاقة والغذاء والنقل العالمي، في الوقت الذي يعاني الاقتصاد السوري صعوبات جمّة.

الإجراءات الحكومية

واتخذت الحكومة السورية تدابير سريعة جداً، وأقرّت مراسيم من شأنها إنقاذ السوق لشهرين فقط في حال تم تنفيذها، وقررت ما يلي:

- اتخاذ ما يلزم لإدارة المواد الأساسية المتوفرة في المخازن (القمح، السكر، الزيت، الرز، والبطاطا) خلال الشهرين المقبلين، ودراسة كل الخيارات لتوريدها بمختلف الوسائل، بالتوازي مع وضع قائمة بالتوريدات الأساسية الأكثر ضرورة خلال الشهرين المقبلين، والاتفاق على عقود التوريدات ومراجعة المواد التي يتم تصديرها وتقييد التصدير خلال الشهرين المقبلين للمواد، ما يمكن أن يسهم في استقرار السوق، وذلك يشمل زيت الزيتون والمواد الغذائية المحفوظة وغيرها من المواد، وأيضاً إدارة احتياجات السوق من الأدوية.

- وضع خطة لتوزيع كل المشتقات النفطية خلال الشهرين المقبلين، بما يضمن الانتظام في التوزيع، وترشيد هذه العملية للقطاعات الضرورية، ووضع خطة لخفض الكميات التي يتمّ تزويد السوق بها تدريجياً.

- تشديد الرقابة على سوق الصرف والترشيد في تخصيص القطع خلال هذه المدة لتلبية الاحتياجات الأكثر ضرورة، والعمل على ترشيد الإنفاق العام حالياً، بحيث يقتصر على الأولويات خلال هذه المدة، والتشدد في مراقبة الأسواق.

كما اتخذت الحكومة خطوات عملية منها:

 - إيقاف التصدير لمدة شهرين فقط لكلّ من المواد التالية: الثوم، والبصل، والبطاطا، والسمنة النباتية، والسمنة الحيوانية، والزبدة الحيوانية، والزيوت النباتية، والبيض، وزيت الزيتون.

- تمديد قرار منع تصدير البقوليات بكل أنواعها وأشكالها، والاستمرار بمنع تصدير المواد التالية: القمح، وكل المنتجات المصنوعة من القمح، والمعكرونة، والفروج.

- السّماح باستيراد 20 ألف طنّ من البطاطا من مصر، والموافقة على توريد 200 ألف طنّ من القمح الطري.

أسباب ارتفاع الأسعار

ورغم القرارات الحكومية الوقائية والسريعة، فإنّ الأسواق السورية شهدت ارتفاعاً كبيراً في الأسعار من دون مبررات حقيقية، كما شهدت ارتفاعاً في أسعار الأدوية وانقطاعاً في بعض المواد نتيجة احتكارها، كالزيت، وتواصل الأسعار ارتفاعها من دون وضع حد لهذا الارتفاع، بسبب تبريرات البعض بأنَّ الارتفاع عالمي، ولا يمكن تثبيت الأسعار اليوم في أيّ منطقة في العالم.

كما أنّ غياب التنسيق بين المورّد والمساهم يشكل جزءاً من أسباب عدم التثبيت، وسعر المواد اليوم يختلف عن سعرها في الغد، والتأمين على المواد الغذائية يتغير، إذ يتم رفعه في الحروب، إضافةً إلى وجود مصاعب في النقل والتوريد. كما أنّ تغير الأسعار العالمي ينتج من احتكار بعض المواد أو الإفراج عنها من قبل الدول المصدّرة. كلّ هذه العوامل أدت إلى عدم التوازن في الأسعار، إضافةً إلى العامل الأهم، وهو جشع التجار.

وقد برّر بعض الصناعيين ارتفاع الأسعار بارتفاعها عالمياً، مثل القمح الذي أصبح سعره 100 دولار خلال يوم واحد في أوكرانيا، وهو ما يسري على باقي المواد، وفي مقدمتها النفط. وعزا البعض الآخر هذا الارتفاع إلى ارتفاع أسعار المواد المستوردة من الصين، المورّد الأول إلى سوريا، فبعد انتهاء رأس السنة الصينية، عادت بعض أسعار المواد الأولية إلى الارتفاع، بالتوازي مع زيادة تكاليف شحنها. هذا كله كان قبل الحرب الروسية الأوكرانية، ودعا بعض التجار السوريين، أسوةً بالحكومة السورية، إلى التقشف كأحد الحلول.

مصير النفط والغاز

بالنسبة إلى المشتقات النفطية، سيكون لها تأثير سلبي وكبير في أغلب دول العالم، إذ وصل سعر نفط برنت إلى 119 دولاراً للبرميل، ووصل سعر العقود الآجلة إلى أكثر من 2200 دولار لكل ألف متر مكعب غاز في أوروبا، بعد أن كان في الصيف الماضي 250 إلى 300 دولار.

ويتوقّع البعض أن الأمر لن يكون له تأثير يُذكر في سوريا، رغم أنها تستورد الغاز من أوروبا، لأنّ الموزع الرئيسي للغاز حول العالم هو روسيا، أي أن البديل النفطي جاهز. ويعتقد دكتور الاقتصاد حسن حزوري أنّ من المفترض أن لا يكون لدى سوريا مشكلة إضافية في توريد المشتقات النفطية، وخصوصاً الغاز، نظراً إلى أنّ الدولتين الحليفتين لسوريا (روسيا وإيران) من أكبر الدول المنتجة، وتحديداً روسيا التي تنتج الغاز، وهذا يسري بدوره على القمح الذي نستورده من روسيا الحليفة، لكونها من أهم مصدّريه على الصعيد العالمي.

الصعوبات رغم الحلول

ويرى البعض أنّ سوريا، رغم الحلول المطروحة وغير المطبقة بالشكل المطلوب، أمام أزمة اقتصادية كبيرة بسبب الإجراءات الحكومية وتعقيداتها، من خلال قرارات يرجع سببها أحياناً إلى عدم مصداقية قاعدة البيانات والمعلومات التي تستند إليها الحكومة في اتخاذ قراراتها، أو لوجود حيتان كبار يؤثرون في آلية صنع القرار، وأكبر مثال على ذلك معايير الإبقاء على الدعم أو استبعاده والإحراج الحكومي الذي حصل نتيجة خطأ البيانات، وأيضاً الإجراءات المتعلقة بالاستيراد والتصدير وآلية توفر السلع في الأسواق السورية، إذ أشار إلى ذلك الدكتور حزوري، وأكّد وجود شروط تعجيزية للاستيراد من حيث التمويل ومصدر التمويل وتحكّم شركات صرافة محددة في التمويل وعدم السماح بالمنافسة الحقيقية للجميع، وعدم قدرة الأجهزة الرقابية على إيقاف الاحتكار وضبط الأسعار.

وتعاني سوريا من تأخر في الاستيراد، رغم إعطاء الحكومة إذن السماح به، ما يزيد وطأة الحرب الاقتصادية على المواطنين. يعزو الدكتور حسن سبب هذا التأخير إلى الإجراءات المعقّدة التي اعتمدتها الحكومة لمنح إجازات الاستيراد وشروط التمويل، وحصر ذلك بشركات صرافة محددة جداً وغير تنافسية، ما يجعل عدداً محدوداً جداً قادراً على الفوز بالعقود أو بتنفيذ أذونات الاستيراد بسهولة، موضحاً أننا في حالة حرب، ويجب أن يكون الأمن الغذائي على رأس أولويات الحكومة، ويجب إعادة توجيه بوصلة الاقتصاد السوري بالاتجاه الصحيح، ليعود الاقتصاد السوري منتجاً بدلاً من أن يكون ريعياً خدمياً يعتمد على القطاع التجاري في تأمين حاجاته.

ويؤكّد الدكتور حزوري أنَّ الحكومة، بحسن نية أو بسوء نية، هي المسؤولة عن فلتان الأسعار والتضخّم الجامح الحاصل في الأسواق حالياً، فكلّ تصريح لوزير التجارة الداخلية عن الوضع الاقتصادي وتوفر المواد هو إشارة إلى السوق لرفع الأسعار. 

كما أنّ اجتماع الحكومة بالتجار لمعالجة الوضع الاقتصادي كان بمثابة سماع لشروطهم وفرضها على الحكومة، وفي الوقت نفسه، هم يخلون بهذه الشروط، مستغلين الوضع القائم لجني المزيد من الثروات ومضاعفة أرباحهم على حساب المواطن وقوته اليومي، من خلال الاحتكار ورفع الأسعار من دون مبرر، فإذا أردنا ضبط السوق علينا محاسبة الكبار الذين يتحكّمون في الأسعار وفي العرض في السوق.

الحلول المقترحة

أمام البحث عن الحلول الفعليّة، إضافة إلى الإجراءات الحكومية المتبعة، المطلوب اليوم من الحكومة في سوريا دراسة أشكال التصدير والاستيراد وتنظميه بما يناسب احتياجات المجتمع السوري، في الوقت الذي يجب مراقبة السوق الداخلية التي ما زالت غنية بكل المنتجات الزراعية والصناعية، وتذليل العقبات أمامها، وتصدير المتاح منها، مثل تصدير زيت الزيتون والليمون والخضار والفاكهة الموسمية مقابل استيراد النقص كالقمح.

ويسأل البعض أيضاً: لماذا لا تكون الكميات الكبيرة المتلفة من المواد الغذائية وغير الغذائية بديلاً مهماً للأعلاف المستوردة، بما يوفر الكثير من المال الذي يشكل عبئاً على خزينة الدولة من جهة، ويؤدي إلى خفض أسعار اللحوم والبيض والمشتقات الحيوانية ويقلل معاناة المواطنين من جهة أخرى؟

استغلال الحرب لمصلحة سوريا

ويعتقد البعض أنَّ الحرب في أوكرانيا لن يكون لها أثر سلبي مباشر في سوريا، بل يمكن أن يكون هناك تأثير إيجابي في حال تم استغلال العلاقات الروسية السورية بشكل أفضل، وزيادة التنسيق بين روسيا وسوريا على المستوى الاقتصادي بشكل أكبر، إذ إنَّ الواردات والصادرات بين سوريا وأوكرانيا ليست لها أهمية تذكر، والأخيرة خارج قائمة أهم 20 دولة استوردت منها سوريا أو صدّرت إليها.

وبحسب وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، إنّ قيمة المستوردات السورية من أوكرانيا بلغت حوالى 81.6 مليار ليرة (ما يعادل 186.9 مليون دولار، وفقاً لسعر الصرف الرسمي للمستوردات، البالغ حينها 437 ليرة)، في حين أنّ الصادرات السورية تجاوزت المليار ليرة بقليل (أي ما يعادل 2.5 مليون دولار، وفقاً لسعر الصرف الرسمي للصادرات البالغ حينها 434 ليرة).

أما الصادرات السورية، فقد جاءت المواد الخام في صدارة ما جرى تصديره في العام 2018، إذ بلغت قيمتها حوالى 993.975 مليون ليرة، ثم الأغذية والحيوانات بقيمة 260.071 مليون ليرة. وبلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين نحو مليار واحد، بحسب موقع "أثر برس"، فيما زاد حجم التبادل التجاري بين سوريا وروسيا 3 مرات في العام 2021 مقارنة مع العام 2020.

وينتظر السوريون إجراءات فعلية تنقذ هذا البلد الذي عانى أكثر من غيره، في الوقت الذي كان يعيش اكتفاء ذاتياً قبل الحرب، وكان قادراً على أن يستعيد اكتفاءه، لكن تعددت الأسباب لتراجع الاقتصاد السوري، والموت لنا واحد. 

حلف الناتو يحاول التمدد باتجاه الشرق قرب حدود روسيا، عن طريق ضم أوكرانيا، وروسيا الاتحادية ترفض ذلك وتطالب بضمانات أمنية، فتعترف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وتطلق عملية عسكرية في إقليم دونباس، بسبب قصف القوات الأوكرانية المتكرر على الإقليم.