هل ينفذ بايدن ما وعد به ويتخلّص من إردوغان؟
هل سيترجم بايدن أقواله في تشرين الأول/ أكتوبر 2014 إلى أفعال فيُحاسَب إردوغان وآل سعود وآل نهيان على ما ارتكبوه من أخطاء فادحة، أم أنه سيبقى في إطار السياسات التقليدية لأميركا؟
في 17 كانون الثاني /يناير من العام الجاري، تحدّث جو بايدن إلى صحيفة "نيويورك تايمز" وقال عن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إنه "استبدادي وقد آن الأوان كي نعامله معاملة مختلفة ونحاسبه على أفعاله ونقدّم كافة أنواع الدعم للمعارضة حتى يتسنّى لها التخلص منه عبر تنظيم انتخابات ديمقراطية. كما علينا أن نسعى إلى عزل إردوغان في منطقته ونثبت تضامننا مع الكرد".
وكان إردوغان وطاقمه قد شنّ في آب/ أغسطس الماضي هجوماً عنيفاً على المعارضة متّهمين إيّاها "بالتآمر على تركيا مع الأميركيين" رغم أن بايدن لم يكن حينها رئيساً أو في أي منصب آخر، فردّ عليهم زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو "لماذا تجاهلتم هذه التصريحات ثمانية أشهر وخطرت على بالكم الآن؟".
الآن وبعد كل ما قاله إردوغان وفريقه وإعلامه عن بايدن في آب/ أغسطس الماضي، يبحث الجميع عن صيغة ما تساعدهم لكسب ودّ بايدن من جديد أو ودّ مساعدته كامالا هاريس وقد لا يكون ذلك سهلاً. فقد كان لبايدن مقولات ومواقف واضحة ضد تركيا وإردوغان في موضوع الإبادة الأرمنية التي تبنّاها منذ أن كان رئيساً للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ واستمر هكذا عندما أصبح نائباً للرئيس. وقد اتّخذ بايدن مواقف مناهضة ضد التدخل العسكري التركي في قبرص عام 1974 ووقف دائماً إلى جانب اليونان والقبارصة اليونانيين. لكن ذلك لم يمنع بايدن من زيارة أنقرة مع بدايات "الربيع العربي" حيث التقى إردوغان والرئيس حينها عبد الله غول وشرح لهما الرؤية الأميركية الخاصة بالمنطقة والدور التركي فيها. ثمّ جاءت المفاجأة في حديث بايدن عندما كان نائباً للرئيس في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2014 في جامعة هارفرد حيث قال "إن مشكلتنا الكبرى كانت مع حلفائنا في المنطقة. فالأتراك أصدقاء لنا، وكذلك السعودية والإمارات العربية المتحدة وغيرها وكان همهم الوحيد هو إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد. وقد شنّ حكّام هذه الدول حرباً بالوكالة وقدّموا مئات الملايين من الدولارات وعشرات آلاف الأطنان من الأسلحة إلى كل من رضيَ مقاتلة الأسد. وذهبت كل تلك هذه المساعدات لجبهة النصرة وداعش والعناصر المتطرفة التي جاءت من سائر أنحاء العالم إلى سوريا".
ورغم اعتذار بايدن من إردوغان لاحقاً، إلا أن الرئيس باراك أوباما سبق نائبه في موضوع إردوغان ولكن بلغة الإشارة. فقد وزّع البيت الأبيض في نهاية تموز/ يوليو 2012 صورةً لأوباما من مكتبه وهو يحمل سمّاعة الهاتف بيده اليسرى ويمسك بعصا البايسبول بيده اليمنى عندما كان يتحدث هاتفياً مع إردوغان.
وأثارت الصورة ردود فعل واسعة لدى المسؤولين الأتراك والإعلام الموالي، ولكن نسيَ الجميع كل ذلك بعد فترة وجيزة، بسبب حاجة أنقرة آنذاك إلى دعم واشنطن على الرغم من أحاديث إردوغان المتكررة عن عدم ارتياحه من اعتراض أوباما على مشاريعه ومخططاته بشأن التدخل العسكري المباشر في سوريا وإسقاط الرئيس الأسد.
وهو الموقف الذي كان يعكس آنذاك خيبة أمل أوباما إزاء صديقه إردوغان حيث زاره في 4 نيسان/ أبريل 2009 وتحدّث في البرلمان التركي مشيراً إلى "أهمية التوفيق بين العلمانية ومفاهيم الإسلام الصحيحة". وهي المقولة التي كان الغرب يسوّق لها عبر النموذج التركي "الإسلامي" أي تجربة "العدالة والتنمية"، في بلد مسلم مهمّ مثل تركيا بنظامها العلماني الديمقراطي. وكان هذا التسويق قد بدأ في قمّة سي آيلاند بأميركا 10-8 حزيران/ يونيو 2004 وتمّ خلاله الإعلان رسمياً عن مشروع الشرق الأوسط الكبير. وكان إردوغان "الرئيس المشترك" لما يُسمّى بالمبادرة الديمقراطية في إطار هذا المشروع، ومعه الرئيس اليمني علي عبد الله صالح ورئيس الوزراء الإيطالي برلسكوني الذي حضر لاحقاً حفل زواج بلال نجل الرئيس إردوغان. في المقلب الآخر، كان رئيس وزراء إسبانيا زاباتيرو هو "الرئيس المشترك" ومعه إردوغان في إطلاق مبادرة تحالف الحضارات تحت مظلة الأمم المتحدة وقد التقى قياداتها في اسطنبول يوم كان أوباما في تركيا. وكانت القاهرة محطة أوباما الثانية في العالم الإسلامي حيث تحدّث في جامعتها (4 حزيران/ يونيو 2009) مشيراً هذه المرة إلى أهمية الديمقراطية، دون أن ينسى زيارة الرياض ليقلّده الملك عبد الله وساماً من الذهب الصافي.
جاء "الربيع العربي" بمباركةٍ أميركيةٍ ليسهّل على إردوغان لعب دور "الرئيس" هذه المرّة، في هذا المشروع الذي أراد له أوباما أن يخلق "شرق أوسط جديد" كما هو الحال في التجربة التركية، فكانت النتيجة في أقوال نائبه بايدن في تشرين الأول/ أوكتوبر 2014.
والسؤال الآن هو؛ هل سيترجم بايدن أقواله في تشرين الأول/ أكتوبر 2014 إلى أفعال فيُحاسَب إردوغان وآل سعود وآل نهيان على ما ارتكبوه من أخطاء فادحة، أم أنه سيبقى في إطار السياسات التقليدية لأميركا؟ هذه السياسة التي يختلف الرؤساء على رؤوس أقلامها ولكنهم في النهاية يتّفقون على عناوينها الرئيسية والتي سيكون لكامالا هاريس قولٌ ودورٌ مهمّان فيها بسبب شبابها وزوجها اليهودي!
فإذا كان الجواب نعم فالعلاقات الأميركية مع تركيا والسعودية والإمارات مرشّحة لمرحلة من الفتور قد تتحوّل إلى توتّر جديد وفق الرؤية التي سنرى مؤشراتها خلال الشهرين القادمين، أي قبل دخول بايدن البيت الأبيض وتحت مظلة رئيسه السابق أوباما والأسبق بيل كلينتون. سيكون لهما دون شك تأثيرٌ مباشرٌ أو غيرُ مباشرٍ على الرئيس بايدن وقراراته المستقبلية خاصة فيما يتعلق بسياسات واشنطن في الشرق الأوسط وتركيا التي كانت وستبقى المفتاح الأهم لمعظم بوّابات المنطقة وللرئيس إردوغان،
ما سيعني الكثير من المفاجآت بما فيها الكفّ عن التأييد المطلق والأعمى لتل أبيب خاصةً بعد أن صوّت 77٪ من يهود أميركا لصالح بايدن رغم اعتراضه على سياسات ترامب في المنطقة بما في ذلك احتمال العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران وإعادة النظر في "صفقة القرن" التي فرضها ترامب على ملوك وأمراء ومشايخ الخليج . وما عليهم إلا أن يتراجعوا عن عمالتهم ويستعجلوا للمباركة لبايدن كما فعل الرئيس عبد الفتاح السيسي
بعد أن كانوا جميعاً هدفاً لإهانات الرئيس ترامب وابتزازاته اليومية، حالهم حال عدوّهم المشترك الرئيس إردوغان.
وهنا يبدأ الرهان على الموقف المحتمل لبايدن تجاه آل سعود وآل نهيان و"آلات" أخرى ومعهم إردوغان الذي يراهن بدوره على الأهمية التي توليها واشنطن لتركيا لأسباب عديدة أهمها موقعها الاستراتيجي وعلاقاتها المتشابكة مع أطراف مختلفة في المنطقة ومنها المجموعات المسلحة من مختلف التيارات والاتجاهات.
ومرة أخرى، يبرز اسم إردوغان في الحسابات المختلفة للرئيس بايدن بفضل تجربته السياسية العريقة، وعمرها 58 سنةً، قضى منها 8 سنوات في البيت الأبيض ليكرّر ما وعد به في كانون الثاني/ يناير الماضي عندما تحدّث عن ضرورة التخلص من إردوغان عبر دعم المعارضة. وربما لهذا السبب، استعجل زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو وغرّد في حسابه على تويتر مهنّئاً بايدن وهاريس على فوزهما في الانتخابات، متمنياً "تعزيز علاقات التحالف الاستراتيجي بين تركيا وأميركا".
وسيكون هذا الرهان بمفرده الامتحان الأكبر، وربما الوحيد للرئيس بايدن الذي سيُعلن قريباً عن وزير خارجيته الجديد، وقد يكون بيرني ساندرز، ما سيعني حينها، الكشف عن نيّة الثنائي بايدن-هاريس ورغبتهما في إقامة نظام دولي جديد بكل عناصره السياسية والاقتصادية والأمنية والفلسفية والأخلاقية. وسيهدف هذا النظام إلى "لملمة " مخلّفات ترامب في الداخل والخارج، كما سيسعى إلى صياغة جديدة للمفاهيم الخطيرة التي جهد ترامب في ترسيخها داخل المجتمع الأميركي، وإلاّ لما صوّت 71 مليون أميركي لصالح رجل مجنون وأرعن مثله!
وفي النهاية، هذه هي "الديمقراطية الرأسمالية الإمبريالية"، وهي الآن أمام مفترق طرق تاريخي:
فإما أن يدرك الثّنائي بايدن-هاريس بأن سياسات الحروب والدّمار في الخارج لن تجديَ نفعا وأن أميركا لن تحصد إلاّ ما زرعته وروته بدماء الشعوب الأخرى، فيعملان على تغيير هذا النمط غير الإنساني، أو أن يستمرّ هذا الثنائي في سياسات القتل والتشريد والاستفادة مجدداً من ورقة "الإسلام السياسي"، وهو ما فعلته واشنطن منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي نهاية المطاف، إن تعامُلَ واشنطن المحتمل مع الرئيس إردوغان سيكون الجواب الواضح والعملي على هذين التساؤليْن، طالما أن تركيا، بسياساتها الحالية بعد ما يُسمّى بالربيع، تحوّلت الى عنصرٍ رئيسيٍّ في مجمل الحسابات الإقليمية والدولية التي أزعجت الكثيرين وأقلقتهم، وفي مقدّمهم الرئيس بايدن وموقفه تجاه إردوغان، والذي سيكون كافياً لفهم السياسة الأميركية الجديدة برمّتها!