إنتخابات الرئاسة في إيران: روحاني يخوض صراع البقاء

كثر هم الذين يرغبون في منافسة الرئيس حسن روحاني على موقع الرئاسة في إيران في الانتخابات المقبلة. من هم وكيف هو توزيع الخريطة الانتخابية؟

الرئيس الإيراني حسن روحاني
في طريق العودة من موسكو إلى طهران كان الرئيس الإيراني حسن روحاني يعد العدة لزيارة إلى محافظة جيلان شمالي البلاد لافتتاح مجموعة مشاريع إنمائية. يعلم روحاني أن أقل من شهرين يفصله عن موقعة الحفاظ على منصبه رئيسا للجمهورية، الانتخابات الرئاسية التي من المتوقع أن تجري في 19 أيار/ مايو المقبل. ضيقة هي المساحة الزمنية التي أمام الرئيس الإيراني لإيصال رسالةٍ قوية إلى شعبه بأن فترته الرئاسية التي شارفت على النهاية يميل فيها الرجحان للإيجابية على السلبية، لاسيما في ظل حملةٍ إعلامية داخلية من خصومه تعمل منذ أشهر على الإضاءة على مكامن الفشل في إدارته، وليزداد الطين بلة كان انتخاب دونالد ترامب رئيساً لأميركا وتصويبه المباشر على رأسمال روحاني الأول، الاتفاق النووي، عامل ضغط قوي يتوقع أن يكون له مكان القطب من الرحى في الجدال الانتخابي العتيد.

قد لا يكون روحاني قوياً كما كان عشية انتخابات الرئاسة عام 2013، لكنه في آنٍ يبقى أقوى من منافسيه المشتتين ضمن تحالفٍ واحد، بينما هو محل إجماع التحالف الذي يدعمه. فتيار الاعتدال الذي يقوده هو بنفسه لا مرشح آخر لديه سواه، والأمر سواء لدى حلفائه الإصلاحيين الذين وإن كان في صفوفهم أكثر من مرشح محتمل، إلا أن قيادتهم المركزية، لا سيما بعد وفاة الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، لا ترى بديلاً عن روحاني لبقائها في دائرة القرار.  

روحاني بدوره يعلم أن انتصاره الرئاسي، في حال تحققه، سيثبته خليفةً لأستاذه الراحل رفسنجاني في رعاية الائتلاف الواسع بين تياره والتيار الإصلاحي. مع ذلك يبقى لدى الإصلاحيين مخاوف من الولاية الثانية لروحاني، والصوت يعلو في هذا الإطار، إذ إنه في ولايته الأولى كان بخيلاً عليهم في الحصص الوزارية، كذلك هو لم يحقق وعده بإنهاء قضية الإقامة الجبرية للمرشحين السابقين للانتخابات الرئاسية في العام 2009، مهدي كروبي ومير حسين موسوي.

بين الأسماء المحتملة لدى الإصلاحيين، نائب رئيس مجلس الشورى علي مطهري الذي يوصف بأنه محافظ في الثقافة وإصلاحي في السياسة، ولذا فهو ينتمي إلى تيار الإعتدال ذاته الذي يقوده روحاني. إلى جانبه النائب مصطفى كواكبيان الذي لا يبدو أن ترشيحه سيغير شيئاً في المعادلة.على الضفة الأخرى، لدى المبدئيين الأصوليين، زحمة مرشحين تذكّر بالانتخابات السابقة، رغم إطلاق جبهة تهدف لتوحيد مرشحي التيار باسم "الجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية" (جمنا). نجح المبدئيون حتى اللحظة في إثارة علامات الاستفهام حول جدوى السنوات الأربع التي قضاها روحاني رئيساً للبلاد، لكنهم حتى اللحظة لم ينجحوا في تقديم نموذجٍ بديل ومرشحٍ بديل في آن يمكنه أن يواجه الرئيس المدافع عن منصبه في الاستحقاق المقبل، هذا إذا وضعنا جانباً الانقسامات التي يعاني منها هذا التيار، لاسيما مع هجرة بعض رموزه الأساسيين كعلي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى، إلى ضفاف تحالف روحاني وهو الأمر الذي حدث سابقاً في الانتخابات التشريعية والذي يبدو أنه سيتكرر في الإنتخابات الرئاسية. 
أسماء عديدة في هذا التيار أبدت رغبتها في خوض السباق الانتخابي أبرزها، المرشحان السابقان سعيد جليلي ومحمد باقر قاليباف إلى جانب السياسي الشاب وصاحب الكاريزما مهرداد بذرباش (37 عاماً) ورئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون السابق عزت الله ضرغامي وأخيراً وليس آخراً برويز فتاح رئيس جمعية "إمداد الإمام الخميني" في إيران. التحدي الأكبر أن تتمكن القوى في هذا التيار من الاتفاق على مرشحٍ واحدٍ تخوض به المعركة، والأهم أن يكون المرشح قادراً حقاً على إقناع الرأي العام الإيراني بأنه سيأتي بما يستحق كسر قاعدة حصول الرئيس على مدتين رئاسيتين متتاليتين. ولعل ما سبق دفع بالبعض في هذا التيار إلى اقتراح إسم السيد إبراهيم رئيسي، مسؤول ما يعرف بالحضرة الرضوية (مقام الإمام علي بن موسى الرضا، الإمام الثامن عند المسلمين الشيعة) وهو رجل دين يحظى بشعبية تنمو شيئاً فشيئا لا سيما مع طرح اسمه في أكثر من مناسبة كمرشحٍ قويٍ لخلافة المرشد الأعلى.

تيار آخر يحمل طموحات رئاسية هو تيار الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد القريب فكرياً من الأصوليين، والذي بقدر هذا القرب الفكري يغرد بعيداً في السياسة. للنجاديين كما يسمون أحلام بالعودة إلى شارع باستور، مقر الرئاسة الإيرانية، ولو بإسم آخر هو حميد بقائي. ترشيح بقائي يأتي بعد تلقي أحمدي نجاد نصيحةً من المرشد الأعلى السيد علي خامنئي بأن لا مصلحة في دخوله السباق الانتخابي، فاستعاض عن ترشيح نفسه بترشيح مساعده السابق الذي تدور تساؤلات جدية عن إمكانية تخطيه حاجز مجلس صيانة الدستور بسبب حكمٍ سابقٍ عليه بالسجن. ويثير هذا الترشيح حساسية الأصوليين بالدرجة الأولى الذين يرون فيه عدم التزام بنصيحة السيد خامنئي من جهة، ومن جهةٍ ثانية منافسة على شريحة مشتركة من الأصوات.

في التوقيت تأتي هذه الانتخابات في زمنٍ إقليميٍ ودوليٍ حساس. بدءاً من انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة ورفعه سقف التهديدات في وجه طهران، مروراً بما يُحكى عن اقتراب خليجي إسرائيلي وصولاً إلى الاشتعال المستمر في سوريا والعراق واليمن وغيرها من الدول في ظل اشتباك إقليمي تشكل إيران ضلعاً من أضلاعه. سيكون على الناخب الإيراني تقويم كل ما سبق إقليمياً ودولياً وموازنته مع الوضع الداخلي، الاقتصادي والاجتماعي، وهو الأولوية بالنسبة إليه، ليخرج بمرشحٍ يقود مسيرة الحكومة لسنوات أربع مقبلة، فإما التجديد لروحاني وإما اسم جديد...