تركيا...من درع الفرات إلى ضفاف دجلة

ليس صعباً عند البحث بين تشابك الأحداث وتسارعها في شمال العراق إدراك أن تركيا تريد دوراً لخلق كيان يمتد من الموصل ويعبر الحدود إلى سوريا، وهي وإن كانت حليفة الإخوان المسلمين في كل بقاع الأرض إلا أنها تجاوزت إخوان العراق وتحالفت مع من اتفق وتقاطع معها سياسياً في الداخل العراقي. حلفاء داخل العراق ليسوا مهتمين بهذا الكيان العابر للحدود الذي تريده أنقرة بقدر خلق وإدارة إقليم من ثلاث محافظات إطاره نينوى أو ما يلحق بها من أقضية صلاح الدين والأنبار.

من عنوان الحرب ضد داعش دخلت تركيا بمهمة تدريب واستشارة
رغم أن واشنطن أعلنت أن تركيا وجيشها في العراق ليسا ضمن قوات التحالف وليسا ضمن مشروع الحرب على داعش إلا أن تقاطعاً واضحاً يبرز في الدور العملياتي التركي وما سبق لنائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن أن قدمه بعنوان "خلق كيانات على أساس فيدرالي عند العتبة الأولى"  وبعدها لكل حادث حديث.  

على أرض ثابتة تتحرك بغداد نحو شمال العراق لتحرير مركز نينوى لكنها ليست ثابتة ضمن الواقع بقدر ما تتمناها بغداد، فثمة رماد ونار يتضمنه المسير نحو الموصل الموقف الكردي ليس إلا مناورة من الإقليم مع بغداد لتجاوز صعاب تقترب من الاستحالة داخل البيت الكردي. وموقف اتحاد القوى العراقية ممثلاً عن جزء من مكونات نينوى ليس إلا عصا تربك التوافقات السياسية والميدان وتوعداً لما بعد تحرير المدينة.
هرم من الأزمات إذاً يتراكم ليعلو سطحه 1600 جندي تركي بمدرعاتهم وسلاحهم. وبقرار سياسي وتحرك ميداني تركي، استهدف سيادة العراق. بغداد تحاول ضبط إيقاع التطورات وساعة الصفر، ودور أنقرة في تصاعد، واندفاع يؤجل حسابات الداخل العراقي ضمن بحث عن تسوية اقليمية لا تريد فيها تركيا دوراً مشاركاً بقدر الاشتراك في صناعتها وضمن صفوف أولى في صناعة الحدث.

ليس صعباً عند البحث بين تشابك الأحداث وتسارعها في شمال العراق إدراك أن تركيا تريد دوراً لخلق كيان يمتد من الموصل ويعبر الحدود إلى سوريا، وهي وإن كانت حليفة الإخوان المسلمين في كل بقاع الأرض إلا أنها تجاوزت إخوان العراق وتحالفت مع من اتفق وتقاطع معها سياسياً في الداخل العراقي. حلفاء داخل العراق ليسوا مهتمين بهذا الكيان العابر للحدود الذي تريده أنقرة بقدر خلق وإدارة إقليم من ثلاث محافظات إطاره نينوى أو ما يلحق بها من أقضية صلاح الدين والأنبار.

من عنوان الحرب ضد داعش دخلت تركيا بمهمة تدريب واستشارة. أما المعلن وغير المعلن سابقاً فلم تجد أنقرة حياء في كشفه حالياً تحت يافطة الحفاظ على الشكل الديموغرافي للموصل وإبعاد تهديد تراه تركيا ولا يراه سواها، لأي خطر تمثله التنظيمات التكفيرية على أمنها القومي. 

ملف كامل لكن حلفاء الداخل العراقي بين الكرد وعرب نينوى لم يتفقوا بالمجمل على هذا الملف واكتفى كل منهم بفصل فيه. كما هو حال أربيل التي لا تريد القضاء بشكل كامل على دور حزب العمال كما تأمل أنقرة، بقدر تحجيم دور الحزب لضرورات بقاء دور الوسيط الذي يضطلع به الاقليم بين العمال الكردستاني وتركيا. وكما لا يهتم عرب نينوى بما خلف حدود اليعربية ولا بالمعارضة السورية ولا مستقبلها، بقدر خلق الكيان الجديد ضمن حدود العراق وداخلها، والعناوين كثيرة منها الأمن القومي التركي وحماية تركمان العراق والعرب السنة في نينوى والأقليات.

الخطر الخفي يبدأ من وصول تركيا إلى ضفاف نهر دجلة داخل العراق للسيطرة والتحكم في ملف المياه الذي يشابهه ملف الفرات في سوريا، وهكذا تسعى أنقرة إلى الاقتراب من مركز المدينة بخطى سريعة قدر مستطاع يمكنها من جعل سد الموصل خلف اكتاف الجيش التركي والذي هو الآخر أي السد يقابله نظيره في سوريا لتبدأ معه حرب جديدة بملف المياه ليس سد أليسو التركي إلا مفردة فيه وبشريط حدود تضمن معه أنقرة وصولها إلى نقطة تصنع بها حاجزاً أمام بغداد وحلفائها الإقليميين من وقوف القوات العراقية على 605 كيلومترات من الحدود المشتركة مع سوريا. وطبعاً فإن واشنطن ليست بمستوى عجز لأن تكون بعيدة أو غير مؤثرة أو بلا علم بالتفاصيل أو أنها لن تستثمر هذا التصعيد بقطف ما تريد من ثمار من بين تفاصيل ليس بعيداً عنها توريط تركي في الداخل العراقي أو غض الطرف عنه.

إذاً أنقرة تصّعد وترفض الانسحاب وبغداد مكتفية بتصعيدها الديبلوماسي بين مذكرات احتجاج ودعوات في مجلس الأمن، وقد تُعذر إن وصلت لمرحلة العجز بالرد الضامن لمغادرة الجيش التركي ويا لصعوبة موقف من عجز وتكتفت يداه عما يريد، فاتخذت منحى لعل الحلفاء أو من يظنهم حلفاء قادرون على إحداث التغيير.

ساعة الصفر في تحرير الموصل توقفت عداداتها طالما أن بغداد لن تشرع بهجوم استرداد المدينة دون ضمانات أميركية على الأقل بعدم إشراك الأتراك أو أنها قد تقع في موقف حرج طالما أنها أعلنت على لسان رئيس وزرائها أن عام 2016 عام تحرير العراق من داعش وبذا فالخيارات صعبة والهدف أصعب. وبين هذه وذاك أو كل ذاك قد تسير بغداد صوب معركة محاورها ليست كاملة بيد العراقيين أو قد تفتح جبهة الحويجة في كركوك والموصل في آن واحد علّها تخفف من ضغط الوجود التركي من أماكن أخرى. لكن الأكيد أن ذلك لن يبعد الإرباك المتولد من الوجود العسكري التركي خصوصاً أنه وجود لا يملك هدفاً عسكرياً بقدر ما هو سياسي فكانت في الميدان حجة لن تتوفر كل مرة.