هل يمكن التوصّل إلى اتفاق مع تجاوز قضية ترسيم الحدود البحرية اللبنانية؟

ليس من مصلحة لبنان أن يقبل بالخط 23، لأنّه ينتقص من حقوقه الاقتصادية، وفق القانون الدولي، كما أنه سينعكس على الحدود البرية، وينتقص من حقه في أراضيه.

  • هل يمكن التوصّل إلى اتفاق مع تجاوز قضية ترسيم الحدود البحرية اللبنانية؟
    ليس من مصلحة لبنان أن يقبل بالخط 23، لأنه ينتقص من حقوقه الاقتصادية

في مقال سابق تناول أزمة ترسيم الحدود بين "إسرائيل" ولبنان، بعنوان "لماذا أوقع لبنان نفسه في الفخ؟"، قلت إن القيادة الرسمية اللبنانية طالبت المبعوث الأميركي آموس هوكستين بالعودة إلى بيروت لتجديد المفاوضات مع "إسرائيل"، باعتماد لبنان الخط 23، وليس 29. وبذلك، أدخلت القيادة الرسمية لبنان في فخ من الصعب تجاوزه.

وقد أظهرت المفاوضات لاحقاً أنّ البدء بها من نقطة الحد الأدنى هي مفاوضات فاشلة لا محالة، لكن المقاومة، باستدراكها نقطة البداية، أي نقطة الضعف الأساسية، من خلال وضع معادلة جديدة تقول: لن نسمح لأحد بأن يستخرج الغاز ما لم يسمح للبنان بأن يستخرجه، حتى لو أدى ذلك إلى حرب، منحت المفاوض اللبناني إمكانية تجاوز المأزق الذي وضع نفسه فيه، وإن لم يكن تجاوزاً كلياً، فكيف يكون ذلك؟

للإجابة عن هذا السؤال، لا بدّ أولاً من التأكيد أنّ لبنان ليس من مصلحته أن يقبل بالخط 23، لأنه ينتقص من حقوقه الاقتصادية وفق القانون الدولي، كما أنه سينعكس على الحدود البرية، وينتقص من حقه في أراضيه. 

في المقابل، لا تستطيع حكومة "إسرائيل" القبول بالخط 29 لعدد من الأسباب، أوّلها أنّ لبنان الرسمي لم يطالب به، وثانياً لأنَّ ذلك سينعكس على الحدود البرية في غير مصلحة "إسرائيل"، وثالثاً لأن الحكومة الحالية ستبدو أضعف مما هي، ولا سيما أنها عشية انتخابات برلمانية. في الوقت ذاته، لا تريد حكومة لبيد المغامرة بمستقبلها من خلال الدخول في مواجهة عسكرية مع حزب الله بسبب الحدود البحرية.

إذاً، لا بدّ من البحث عن مخرج يرضي الطرفين ويتجاوز نقطة الاشتباك العسكري، فهل يمكن ذلك؟

من يراقب الأحداث والمواقف اللبنانية، بما في ذلك موقف المقاومة والمواقف الإسرائيلية المباشرة أو المواقف المنقولة على لسان المبعوث الأميركي، يفهم أن الهدف الأساس والمشترك لكل الأطراف من التفاوض القائم هو استخراج الغاز والنفط من شرق المتوسط وتجاوز الصدام العسكري المتوقع.

أما عملية ترسيم الحدود، فهي ليست هدفاً بحد ذاتها، إنما هي وسيلة لتقاسم الثروة الغازية والنفطية في البحر المتوسط.

صحيح أيضاً أن كل طرف لديه أهدافه الخاصة، ولكن يبدو أنها صعبة المنال في الظروف الحالية. وبناء عليه، لا بد من ترحيلها إلى مرحلة أخرى.

مما تسرّب من جلسات الرؤساء اللبنانيين الثلاثة مع هوكستين، يمكن أن نفهم أن "إسرائيل" مستعدة لقبول الخط 23 متكسراً ومتجهاً إلى الشمال، مع إضافة امتداد حقل قانا إلى الجنوب من الخط لمصلحة لبنان، واحتفاظها بحق التنقيب جنوبي الخط المقترح.

ويمكن أن نفهم أيضاً أن لبنان مستعد، إذا ما قبلت "إسرائيل" بالاقتراح اللبناني، للقبول بأن تقوم بمفردها باستخراج الغاز من حقل كاريش. إذاً، يبقى السؤال: ما هو مصير المنطقة المتبقية بين الخطين 29 و23؟

ومما تسرّب أيضاً أن هوكستين سأل الطرف الرسمي اللبناني إن كانت هناك ضمانات لبنانية بألا تقوم المقاومة بعمل عسكري ضد المنصات في البحر ما لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق، فكان جواب الرئيس عون بالنفي القاطع، ما أدهش هوكستين ومن معه. وقد زادت دهشته، وفق التسريبات، عندما أضاف الرئيس بري إلى ذلك: "لا ضمانات أيضاً في حال مماطلة إسرائيل في الوصول إلى اتفاق".

إذاً، الوصول إلى اتفاق يسمح للبنان باستخراج الغاز والنفط في أقرب وقت هو الهدف الأساس للدولة اللبنانية. وبناءً عليه، إن الوصول إلى اتفاق لاستخراج الغاز والنفط من الحقول اللبنانية، بما في ذلك حقل قانا بالكامل، في مقابل السماح لـ"إسرائيل" باستخراج الغاز من حقولها، بما في ذلك كاريش، حتى لو لم يتم الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية، هو أمر ممكن، وهو في مصلحة لبنان ومصلحة "إسرائيل" على حد سواء، كما أنه يمنع أي صدام عسكري.

وبما أنّ المقاومة لا ترى أن الصدام العسكري هدف بحد ذاته، إنما الغاز والنفط هما الهدف، وأنها لا تتهافت لترسيم الحدود البحرية في ظل الموقف اللبناني الرسمي والضعيف، ولا سيما أن ترسيم الحدود فيه شيء من الاعتراف الضمني بـ"إسرائيل"، فلا بدّ من أن ترى المقاومة بحصول اتفاق على استخراج الغاز من دون ترسيم الحدود إنجازاً كبيراً للبنان.

من هنا، لا بدَّ من أن يسعى الطرف اللبناني، اعتماداً على قوة المقاومة ومعادلتها الجديدة، إلى تحديد أولوياته التي تتمثل باستخراج الغاز والنفط من الحقول اللبنانية، بما في ذلك قانا بالكامل، على أن تبقى المنطقة بين الخطين 23 و29 متنازعاً عليها، حتى يتم التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود.

بكلام آخر، يتم استبعاد نقطة ترسيم الحدود من طاولة التفاوض، وتبقى المنطقة المتنازع عليها بين 23 و29 منزوعة السيادة، لا ينقِّب فيها أيٌّ من الطرفين إلى حين الوصول إلى اتفاق. وفي الوقت ذاته، تُرفع كل القيود المفروضة على لبنان لاستخراج ثرواته، ويكون في حال أفضل بكثير حين يفاوض على ترسيم الحدود البحرية.