التضامن فعل

هذه هي المرة الأولى التي تتجرأ فيها أصوات هامة في العالم على أن تضمّ صوتها إلى صوت الممثلة الشابة إيما واتسون في التفريق بين التضامن مع الشعب الفلسطيني وبين معاداة السامية، وهذا هو بالذات ما نحتاجه اليوم.

  • التضامن فعل
    "التضامن فعل" هو الشعار الذي رفعته الممثلة البريطانية الشابة "إيما واطسون" دعماً للقضية الفلسطينية

"التضامن فعل" هو الشعار الذي رفعته الممثلة البريطانية الشابة "إيمّا واطسون" دعماً للقضية الفلسطينية. والممثلة إيمّا واطسون حصدت عدة جوائز من هوليوود على دورها في أفلام هاري بوتر، وسمّيت في عام 2014 سفيرة للنوايا الحسنة للنساء في الأمم المتحدة، حيث زارت عدة بلدان أفريقية وأبدت حماسة صادقة في مساعدة الشابات للحصول على فرص متساوية في الحياة. وفي ردّ فعلها على تعيينها سفيرة النوايا الحسنة للنساء في الأمم المتحدة قالت: "إنه لشرف يخجل تواضعي ولا شك في أنني في مسار التعلم، ولكن هذا لن يمنعني من أن أشارك الآخرين في خبرتي وأبذل جهدي من أجلهم". وأضافت: "لا يحظى كل شخص بالفرصة لإحداث فرق أو تغيير، ولا شك في أنني لن أستهين بهذه الفرصة التي مُنحت لي". 

وقد نالت واطسون جوائز عديدة في هوليوود كممثلة شابة واعدة قبل أن تبلغ الثلاثين من عمرها، وحين طُلب منها أن تصف نفسها قالت أعتبر نفسي "روحانية عالمية"، ويكشف مسارها عن فكر وقّاد وعزيمة صلبة ورؤية واضحة لمسارٍ ومهمات نبيلة في الحياة.

ولكنها ما إن عبّرت عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني البطل منذ أسابيع قليلة، حتى انهالت عليها التهم بمعاداة السامية، وانبرى الصهاينة لمحاولة تشويه عملها ورؤيتها للقضية الفلسطينية ودفاعها المخلص والصادق عن المظلومين. وتحمّلت كل الحملات بصبر وأناة، إلى أن انضمّ إليها اليوم أكثر من أربعين نجماً من نجوم هوليوود في تضامنها مع الشعب الفلسطيني ودفاعها عنه ضد الجرائم البشعة التي يرتكبها الصهاينة بحقه كل يوم. أكثر من أربعين نجماً ونجمة عالميين وقّعوا رسالة يدعمون بها إيمّا واطسون ضدّ التهم التي وُجّهت إليها بمعاداة السامية من قبل سفير إسرائيلي سابق. ومن ضمن النجوم مارك روفالو وسوزان ساراندون وغاييل غارسيا بيرنال وفيغو مورتينسين، ما يُعدّ انتصاراً أكيداً لواطسون ضد محاولات تشويه موقفها الإنساني دعماً للفلسطينيين.

وجاء في الرسالة التي وقّعها أكثر من أربعين نجماً ونجمة عالميين من هوليوود: "نضمّ صوتنا إلى صوت إيمّا واطسون بدعم العبارة الفلسطينية "التضامن فعل"، بما فيها التضامن ذو المغزى مع الفلسطينيين الذين يناضلون من أجل حقوقهم الإنسانية في ظل القانون الدولي".

أهمية هذا الحدث تنبع من جرأة رفع الصوت من قبل أناس مشهورين في وجه ابتزاز تهمة "معاداة السامية" التي اعتاد الصهاينة رفعها واستخدامها ضد كل من يدعم أسيراً أو مجاهداً أو فتاة فلسطينية تتعرّض لأسوأ أنواع الإجرام من قبل قوات احتلال واستيطان لا تفتأ تنكّل بهذا الشعب الأعزل ليل نهار، وتحت مرأى العالم ومسمعه، وكلّما تجرّأ أحد على رفع الصوت من أجل مناصرة المظلومين كانت تهمة معاداة السامية له بالمرصاد. 

لقد قرّر العدو الإسرائيلي منذ بضع سنوات أن يبذل جهوداً مكثفة لمساواة معاداة جرائم الكيان الصهيوني بمعاداة السامية، وأخذ يعمل على هذا الأساس، ويتّهم كل من يتجرأ على مساندة الشعب الفلسطيني بأي شكل من الأشكال بأنه يمارس معاداة السامية.

وهذه هي المرة الأولى التي تتجرّأ فيها شخصيات مهمة في العالم على أن تضمّ أصواتها إلى صوت الممثلة الشابة إيمّا واطسون في التفريق بين التضامن مع الشعب الفلسطيني والذي هو عمل يهدف إلى رفع الظلم عن المظلومين وبين معاداة السامية، وهذا هو بالذات ما نحتاج إليه اليوم: الصبر من جهة، ومن جهة ثانية التعاون والتكاتف والتعبير الجريء عن الرأي السديد، بغض النظر عن كل الأصوات والأقلام التي تحاول أن تخلق من الكذب مساراً وسرداً ورواية تقنع بها بعض الجهلة أو الجبناء وضعاف العقول: إن كل ما يحتاج إليه الأمر اليوم هو حفنة من الجرأة والاستعداد للتضحية في سبيل رأي سديد وإيمان صادق وعقيدة مخلصة. ومسار الشأن الفلسطيني اليوم في هذا الإطار يجسّد إلى حدّ بعيد المسار الذي يمرّ به عالم اليوم على امتداد هذا الكوكب.

فكما أن القضية الفلسطينية هي قضية حق لشعب يجري تهجيره عن أرضه وأرض أجداده والتنكيل به ليل نهار، بينما يفاخر المعتدون والمحتلون بأنهم بُناة ديمقراطية وحقوق إنسان، كذلك عالم اليوم يعاني من أكاذيب وتسويف وهراء تتناقض كلياً مع الواقع المعيش. والمسبّب في استمرار هذا الواقع، إضافة طبعاً إلى العدد القليل الذي يخطّط ويعمل لذرّ الرماد في العيون وقلب الحقائق، هو وجود أعداد لا تُحصى من الجبناء الذين لا يجرؤون على رفع الصوت خوفاً من خسارة موقع أو مال أو جاه، وبذلك يصبحون شركاء لمن يخلق هذا الواقع المريض ويعمل على استمراره.

ولكن مع نجاح تجربة جريئة تتحدّى الزيف والتهويل والتسويف تتراكم الجرأة لدى الحياديين أو الخائفين أو الذين لا يريدون أن يدفعوا أيّ أثمان لمواقفهم، وشيئاً فشيئاً تتخلص الأغلبية من الخوف والجبن وتنضمّ إلى من حملوا شعار الفعل وقرّروا أن التضامن ليس فقط مشاهدة معاناة الآخرين والتعبير عن الحزن أو الأسى، ولكن التضامن "فعل"، سواء أكان هذا الفعل كلمة حق وإعلاء صوت في سبيلها أم عملاً منجزاً أم دعماً لفئات مهمّشة وغير قادرة؛ فالمهم هو أن يكون هناك فعل لا مجرد كلمات.

كتابة رسالة دعم لموقف إيمّا واطسون ضد التهم الموجهة إليها بمعاداة السامية هي فعل، وعمل واطسون في دعم الفلسطينيين هو فعل جريء ونبيل ويُحسَب لها اليوم وغداً وعلى مرّ الزمن؛ إذ بعد أن وصل العالم إلى هذه الدرجة من الإعلام المفتوح، وبعد أن أصبح الآخرون يرون بأم أعينهم كيف تَسحل قوات الاحتلال شابة في النقب فقط لأنها تريد الاستمرار في العيش في قريتها وعلى أرضها، ويرون الشاحنات الأميركية كيف تسرق النفط والقمح السوريين في وضح النهار وتحرم السوريين خيرات أرضهم، لم يعد هناك للحيادية أو للصمت مكان وأصبح الموقف ضرورة إنسانية يُمليها الضمير الحي واحترام المرء لذاته.

اليوم، وفي ظل الجدل الدائر بين المعسكرين الشرقي والغربي، تتلاشى تدريجياً أهمية ضخ الأكاذيب في الإعلام، وتتجذّر يوماً بعد يوم أهمية الكلمة الصادقة والمحقّة، وخاصة مع بدء التعاون والتحالف والتفاهم بين الدول المتضررة من هذا التسويف الإعلامي الذي أصبح صناعة بحدّ ذاته وكلّف العالم ملايين الأنفس في بقع مختلفة منه. اليوم، ورغم الضخّ الإعلامي الغربي، الذي يحاول تشويه الوقائع في أوكرانيا وناغورنو كاراباخ وكازاخستان، نجد أن الاتحاد الروسيّ لم يُقم وزناً لكلّ حملاتهم هذه، واتخذ خطواته وفق الاتفاقات مع دول الاتحاد السوفياتي السابق، وصحّح المسار وما زال يعمل لذلك في كل اتجاه بكل تصميم وجرأة؛ أي لم يعد مسار الأحداث رهناً للادعاءات التي يلفّقونها في الإعلام، بعد أن فقد هذا الإعلام مصداقيته في الوقت الذي تنطلق فيه لغة هادئة مدروسة وموزونة من الصين وروسيا وإيران، حيث تعمل هذه الدول لتمتين أواصر التعاون بينها وللتوافق على منهج في السياسة والدبلوماسية والاقتصاد ونصرة الشعوب المظلومة على كل أشكال الاحتلال والطغيان.

ومع تصاعد الصوت الآتي من الشرق وتعزيزه، ومع تمكين آليات العمل بين هذه الدول، ستُصاب المنهجية الغربية بالخذلان، وستكتشف قريباً جداً أنها غير قادرة على الاستمرار في المسار المضلّل الذي كمّ الأفواه لفترة غير قصيرة. وكلما انتشر صوت الشرق في العالم ووصل إلى أسماع الطامحين إلى الحرية الحقيقية والمساواة بين البشر حتى في الغرب، تجرّأ الناس على مساندة الحقائق ورفض محاولات الابتزاز والتهويل، وهذا هو المسار الذي يشبه كرة الثلج؛ إذ إنه يأخذ وقتاً في البداية، ولكن ما إن تبدأ الكرة بالتدحرج حتى تكبر وتكبر بشكل شبه آلي وبجهود قليلة، إذ لا يمكن لأحد أن يفكر في إيقاف مسارها المتسارع.

خلْع رداء الجبن اليوم والتحلّي بالجرأة والعمل لأجل التحالف والتضامن والتآزر بين الأصوات والقوى المؤمنة فعلاً بالحقوق المتساوية بين البشر، هي الأعمال المطلوبة والمناسبة في هذه المرحلة من تاريخ العالم وتاريخ الصراعات. وكم من شعلة أوقدت ناراً طهّرت البشرية من آثام متراكمة زرعها بعض الأشرار وأسهمت في استمرارها جماهير من الساكتين عن الحق. 

تحية للمثلة الشابة إيمّا واطسون ولكلّ من أيّدها في تضامنها الفعّال مع الشعب الفلسطيني، وتحية لكل من يعمل ليكون التضامن فعلاً لا مجرّد شعور خافت أو كلمات مكبوتة لا تجد طريقها إلى آذان الآخرين وضمائرهم.