تونس.. هل يصبح عبد اللطيف المكي شخصية "النهضة" التوافقية الجديدة؟

المكي هو من القيادات القليلة في حركة النهضة التي تصعد إلى هذه المرتبة في استطلاعات الآراء.

  • تونس.. هل يصبح عبد اللطيف المكي شخصية "النهضة" التوافقية الجديدة؟
    وزير الصحة التونسي عبد اللطيف المكي

وجد وزير الصحة التونسي، عبد اللطيف المكي، نفسه للمرة الأولى منذ سقوط نظام بن علي ضمن الشخصيات الثلاث الأولى الأكثر ثقة لدى التونسيين، فخلال استطلاعين للرأي أجرتهما مؤسستان تونسيتان مختصتان، تصدّر رئيس الجمهورية قيس سعيد نيات التصويت في الانتخابات الرئاسية بنسبة 48%.

كما سجل استطلاع الرأي صعوداً بارزاً لرئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، الذي احتل المركز الثاني في نيات التصويت بنسبة 13%، ويليه وزير الصحة عبداللطيف المكي في المركز الثالث بنسبة 7%.

 استطلاع آخر توصّل إلى أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد يحظى في الفترة الحالية بنسبة 61% من ثقة التونسيين، يليه وزير الصحة عبداللطيف المكي بنسبة 51%، ورئيس الحكومة إلياس الفخفاخ بنسبة 44%.

هي استطلاعات آراء زمن كورونا، كما سماها متابعون، باعتبار أن رصد الآراء تم في خضم مواجهة تونس لهذا الوباء.

المكي هو من القيادات القليلة في حركة النهضة التي تصعد إلى هذه المرتبة في استطلاعات الآراء، فبخلاف الشيخ عبدالفتاح مورو الذي ظل يزاحم لفترة طويلة الشخصيات الأكثر تأثيراً في الحياة السياسية التونسية، لم تستطع بقية قيادات النهضة الحصول على مثل هذه الثقة التي يحتلها وزير الصحة التونسي في هذه الفترة.

بالتأكيد، إن لكورونا تأثيراً كبيراً في هذه الأرقام، فالوزير لم يقم بأخطاء تذكر حتى الآن، وكانت إطلالاته الإعلامية، من ندوات صحافية وحوارات إعلامية، مقنعة لدى جانب كبير من التونسيين، على اختلاف مشاربهم السياسية.

خلال سنوات حكم الترويكا، وخروجها من الحكم منهكة وبرصيد شعبي ضعيف لقياداتها التقليدية، مثل علي العريض وحمادي الجبالي وراشد الغنوشي، ظلت النهضة تبحث عن شخصية جديدة تحظى بحد أدنى من الإجماع لدى السياسيين والفئات الشعبية غير النهضوية، للدفع به إلى مناصب عليا في الدولة عند أول استحقاق انتخابي.

لم يكن سوى عبدالفتاح مورو جاهزاً لأداء هذا الدور، رغم أنه كاد يحترق بنيران سنوات حكم الترويكا، عندما التقى دعاة خليجيين داعمين للإرهاب. ظلت هذه التهمة تلاحقه لسنوات، لكنه نجح في الحفاظ على حد أدنى من ثقة التونسيين، فهو ذلك الشيخ الزيتوني المعتدل، ابن تونس العاصمة، الصادح بمواقف دينية وسياسية مخالفة لمواقف صقور النهضة.

تقدّم مورو لرئاسيات العام 2019، وكاد أن يمر إلى الدور الثاني، بعدما حل ثالثاً، وبرصيد محترم من الأصوات، خلف قيس سعيد ونبيل القروي. ويبدو أنه طلّق الحياة السياسية بعد هذه "الهزيمة المشرفة"، لتعود النهضة إلى البحث عن شخصية جديدة بملامح مورو نفسها.

هل يكون المكي الشخصية الجديدة؟

العصفور النادر الذي تبحث عنه النهضة فيها هو ذلك الذي يحظى بإجماع قواعدها، وبقبول نسبة مهمة من الناخبين غير المسيّسين. ويبدو أن المكي يسير في هذا الاتجاه الآن، لكن عقبة حقيقية قد تعيق طريقه، وتتعلق بالبيت الداخلي للحزب.

المكي هو إحدى الشخصيات المعارضة للشيخ راشد الغنوشي، شأنه في ذلك شأن عبدالحميد الجلاصي وزياد العذاري وعدد آخر من القيادات، بعضها استقال، والبعض الآخر ما زال يدافع من الداخل عن مبدأ التداول الديموقراطي داخل النهضة، وضخ دماء جديدة في قياداتها، وعدم التمديد لراشد الغنوشي على رأس الحركة خلال المؤتمر المقبل.

يعارض عبداللطيف المكي عدة قرارات مصيرية اتخذتها الحركة، ولا يخفي عدم رضاه عن طريقة اشتغال العقل الاستراتجي للنهضة، وطريقة اتخاذ القرارت داخل مطبخها.

بالتأكيد، يراقب راشد الغنوشي الآن صعود المكي وأداءه السياسي داخل الحكومة، ولا يعرف أحد، باستثناء المقربين منه، إن كان سعيداً بذلك، لكن كل الصراعات السياسية داخل الأحزاب، وفي ما بينها، مرحّلة الآن إلى زمن ما بعد كورونا.