العلاج النفسي عن بُعد.. ما له وما عليه!

قد تبدو الإجابة على هذه الأسئلة سهلة أو بديهية، ولكن التدقيق في الإشكاليات والفرضيات يكشف أننا أمام مسألة بحثية بامتياز.

  • يحتاج التواصل عن بُعد إلى مهارات خاصَّة قد لا تتوافر لدى العديد من المعالجين النفسيين.
    يحتاج التواصل عن بُعد إلى مهارات خاصَّة قد لا تتوافر لدى العديد من المعالجين النفسيين.

ساهم "كوفيد 19" في انتشار الاستشارات النفسية والجلسات العلاجية عن بُعد. كانت هذه الظاهرة قد اتخذت مسارها الطبيعي نتيجة تطور الاتصالات قبل الوباء، وبهدف التعامل مع عدد من الظروف المرتبطة باللجوء إلى معالج نفسي، ولكن ما مدى فعالية العلاج النفسي عن بُعد؟ وهل يمكن استبدال التواصل المباشر بين العميل (طالب الخدمة) والمعالج بالتواصل عبر الكاميرا أو الهاتف؟

للوهلة الأولى، قد تبدو الإجابة على هذه الأسئلة سهلة أو بديهية، ولكن التدقيق في الإشكاليات والفرضيات يكشف أننا أمام مسألة بحثية بامتياز، تحتاج إلى مخطط إجرائي للتوصل إلى نتائج محكمة. يرتبط العلاج النفسي عن بُعد بجهوزية طرفي العملية الاتصالية؛ العميل والمعالج، أي أن ظروف الاثنين تؤثر في جودة التواصل ودقته وفعاليته، وبالتالي الجدوى من الجلسات العلاجية.

في تعداد للحلول التي توفرها جلسات العلاج النفسي عن بُعد، يمكننا الإشارة إلى النقاط التالية:

-  البدل المالي للجلسات العلاجية عن بُعد أقل من الجلسات الحضورية، ما يتيح أحياناً لأعداد أكبر من المحتاجين لهذه الخدمة طلبها.

-  الحصول على الخدمة عن بُعد قد يكون سبيلًا أيسر للكثيرين نتيجة العنصر الجغرافي أو عامل التنقل.

-  العلاج النفسي عن بُعد قد يكون حلًا وحيدًا لبعض الحالات التي تعاني صعوبة في الحركة والانتقال.

-  العلاج عن بُعد قد يمثل خياراً اقتصادياً للمعالجين أنفسهم، باعتبار أنهم لا يحتاجون إلى عيادات أو مكاتب لاستقبال العملاء.

-  تقدّم جلسات العلاج النفسي عن بُعد حلًا لمن يعانون التردّد في اللجوء إلى العيادات بسبب الموقف الاجتماعي الذي ينظر إلى هذه المسألة بأنها عيب أو محرمة في بعض المجتمعات.

-  توفّر الجلسات عن بُعد حلاً لبعض الحالات النفسية التي قد تعاني صعوبات في التواصل المباشر.

في المقابل، تطرح المسألة التي نتناولها مشاكل عديدة:

-  يحتاج التواصل عن بُعد إلى مهارات خاصَّة قد لا تتوافر لدى العديد من المعالجين النفسيين. بعض هذه المهارات لا يقتصر فقط على التواصل عن بُعد نفسه، بل قد يتعلّق بأمور تقنية صغيرة قد تُحدث فرقاً كبيراً.

-  يحتاج العلاج عن بُعد إلى توافر اتصال جيّد بشبكة الإنترنت. وفي حالة تردّي الاتصال، قد تصبح المعلومات المنقولة والتواصل برمّته رهن التشويه.

-  يحرم التواصل عن بُعد المعالج من قراءة حركات جسد العميل بالدقّة التي تؤمنها الجلسات المباشرة. في الواقع، تُعد قراءة لغة جسد العميل إحدى أهم التقنيات المعتمدة في أيّ نشاط علاجيّ نفسيّ. 

-  يتيح العلاج عن بُعد "إخفاء" المشاعر الحقيقية لدى بعض الحالات (كما في حالات العنف)، ما قد يؤدي إلى نتائج وخيمة.

-  لا يمكن الاعتماد على العلاج عن بُعد عند التعامل مع شرائح مختلفة كالأطفال مثلاً أو الأشخاص الذين لا يجيدون استخدام التقنية بشكل كافٍ.

-  لا توجد قوانين في العديد من دول العالم تعترف بالعلاج عن بُعد، وتنسحب هذه المسألة على شركات التأمين والضمان الصحّي.

في الخلاصة، من الضّروري الإشارة إلى أنَّ هذه الظاهرة لن تنتهي بالتأكيد، بغضّ النظر عن أيِّ استنتاجات بحثيّة حول فعالية العلاج النفسي عن بُعد، لكون مبررات وجودها في تطوّر مستمرّ، ولكن الحاجة إلى ضبط هذا النوع من العلاج وتحديد معايير صارمة له ضرورة في قطاع حسّاس كعلم النفس.

 

طالب دراسات عليا في علم النفس.