التعليم الجامعي عن بُعد.. فُرَص وتحديات

إن العولمة الرقمية التي شهدها عالمنا المعولَم هذا مؤخراً أوحت لنا بأن المُتغيّرات في حياتنا اليومية أصبحت واقعاً ملموساً بحيث غيَّرت من مفاهيم معاملاتنا وسلوكياتنا. إذ أن تلك التكنولوجيات والتقنيات الحديثة منها التطبيقات والبرمجيات الجديدة وضعت لنا قواعد عمل جديدة من خلال استعمالها لأغراضٍ عمليةٍ أو علمية.

يُعتبر التعليم الجامعي عن بُعد مكسباً حقيقياً يحقّق الفرَص الإضافية

ففي هذا الصَدَد لا يمكن بأية حال من الأحوال الإستغناء عن تلك التقنيات الإفتراضية التي حوَّلت بدورها العالم الواقعي برمَّته إلى عالمٍ إفتراضي مُتكامَلِ الأبعاد والأهداف. فأكبر المُستفيدين من كل تلك التكنولوجيات والتقنيات الحديثة كان بالدرجة الأولى قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، بحيث زادت مؤخراً استخدامات تطبيقات القاعات الإفتراضية والتعليم عن بُعد داخل أغلب المؤسّسات الجامعية العالمية، خاصة منها في الدول المُتقدّمة مثل الإتحاد الأوروبي، كندا، الولايات المتحدة الأميركية ودول الخليج العربي.

بالنتيجة دخل التعليم العالي جيله الرابع بعدما كان في الماضي مُقتصراً على الحضور الإجباري للطلبة داخل القاعات واستعمال أدوات عمل في مُجملها كلاسيكية مثل الطباشير والسبّورة اللوحية أو الحبرية لتتقدّم بذلك قليلاً عبر اعتماد السبّورة الإلكترونية وبرمجتها داخل القاعات التقليدية بحضور الأستاذ والطلبة في قاعة إعلامية قَصْد تقديم مختلف المواد العلمية من طب، تكنولوجيا، آداب، إقتصاد وغيرها.

إلا أن آخر صيحة لذلك الجيل الجديد كانت مُتمثّلة بإمتياز في بروز بما يُسمّي التعليم الجامعي عن بُعد عبر قاعات إفتراضية من دون الإلزام بالحضور الإجباري للأساتذة أو الطلاب في قاعات تقليدية بحيث تتمّ عملية التدريس ببساطة عن بُعد وفي أيّ مكان وزمان.

الفُرَص

أصبحت اليوم الفُرَص مُتاحة لخلق تعليم جامعي مفتوح على الجميع دولياً متجاوزاً بذلك العوائق والصعوبات لبعض الأشخاص الذين يعانون من إعاقات جسدية، ومشاكل مادية واجتماعية أو كِبَر في السنّ مع رغبتهم في الحصول على درجةٍ علميةٍ أعلى.

بالتالي أصبح بإمكان أيّ شخص مواصلة الدراسة الجامعية من دون أية قيود وشروط مُسبقة عبر تطبيقات التعليم عن بُعد مثل Moodle و Moocs والحصول على شهادة تعليم عال من إجازة، وماجستير وحتى دكتوراه وذلك من دون الحاجة للسفر إلى دولة معيّنة لمُزاولة الدراسة أو الإلزام بالحضور الإجباري.

إذ يُعتبر التعليم الجامعي عن بُعد مكسباً حقيقياً يحقّق الفرَص الإضافية لمَن تعطّلت بهم الأوضاع من أجل الإلتحاق بمقاعد الدراسة الجامعية نظراً لأسباب مادية، أو الذين انقطعوا عن الدراسة منذ مدّة طويلة ويرغبون في العودة مُجدّداً لمواصلة تدرّجهم العلمي للإرتقاء في وظيفتهم الحالية ويحقّقون التوازي بين العمل والدراسة، أو الذين يرغبون في الحصول على درجة الدكتوراه من أرقى وأعرق الجامعات العالمية من دون الحاجة للسفر.

فالتعليم الجامعي عن بُعد فتح الباب على مصراعيه تحت شعار "التعليم للجميع" في أي مكان وزمان. ففي المقابل يصبح الطالب قادِراً على التسجيل عن بُعد ومتابعة الدروس عبر الفيديوهات أو الوثائق الرقمية منها PDF  وPPT  والتدرّج في التحصيل العلمي حتى الحصول على درجة الدكتوراه المُعترَف بها دولياً من قِبَل المؤسّسات الجامعية للتعليم الجامعي عن بُعد.

أما في المقابل فتلك البرامج للتعليم عن بُعد توفّر فُرَص شغل حقيقية للأساتذة الجامعيين المُعطّلين أو لمَن لم يحظوا بفرصة شغل داخل المنظومة التقليدية، منها قيود الإلزام بالنجاح في المناظرة الوطنية أو نظراً لانتداب المتفوّقين أصحاب مُحصّل مجموع النقاط الدراسية العالية، أو أيضاً أحياناً طلب شهادة الدكتوراه من أجل التدريس الجامعي التقليدي.

أما في المنظومة الإفتراضية للتعليم الجامعي عن بُعد عبر القاعات الإفتراضية فالانتداب مفتوح لجميع الأساتذة في شتّى الإختصاصات وبدرجةٍ علمية أقل من المُعتمَدة في الجامعات التقليدية بحيث يمكن لأيّ أستاذ مُتحصّل على درجة الأستاذية أو الماجستير الحصول على فرصة تدريس داخل القاعات الإفتراضية الجامعية عن بُعد.

التحديات

تبقى هناك بعض التحديات خاصة منها هشاشة البنية الرقمية في بعض الدول التي تعاني من نقصٍ في الإمكانيات للتزوّد بخدمات شبكة الإنترنت نظراً لاعتمادها المباشر كوسيلةٍ لإيصال المعلومات العلمية والإتصال المباشر بين الأساتذة والطلبة من أجل شرح الدروس عن بُعد، أو أيضاً لنقص أدوات العمل المُتطوّرة جداً مثل جهاز حاسوب مُجهَّز بكل التقنيات.

كذلك هناك بعض النفوس المريضة والحاقِدة لا تريد أن تتعلَّم عن بُعد بل تسعى إلى التشويش وتعطيل سَيْر الدرس عن بُعد مع إثارة الشغَب خاصة منها في بعض الدول العربية. إذ هنا تكمُن الخطورة لأن الأستاذ لا يمكنه السيطرة على البرمجية بحيث أنه يصبح غير متواصِل مباشرة مع الطلاب ولا يمكنه تحديد مصدر الإزعاج للتخلّص منه ما يتسبَّب في تعطيل وصول الصورة والصوت أحياناً، بحيث تتعطّل حصّة الدرس باستمرار أو بالكامل.

فالتحديات تكمُن في جوهرها، إما مادياً من خلال التزوّد بأدوات العمل عن بُعد اللازِمة بالنسبة للأساتذة أو اتصالاتياً من خلال تعطّل سَيْر الدرس صوتاً وصورة بالنسبة للطلبة، ما تشكّل بدورها عائقاً إضافياً لمواصلة شرح الدروس عن بُعد بالنسبة للأساتذة.

بالإضافة إلى ذلك تعتبر الجدية في التحصيل العلمي مفقودة من جانب الطلاب خاصة منها في الدول العربية بحيث تفقد الثقة العامة بين جميع الأطراف من مؤسّسات جامعية وطلاب وأساتذة. فالتجربة ما زالت في طور بدايتها في بعض الدول الخليجية، أما في دول شمال إفريقيا فهي تكاد تكون غائبة تماماً وتقتصر فقط على التعليم الجامعي داخل بعض الجامعات الإفتراضية المستقلة المُخصَّصة للغرض.

أما الدول المُتقدّمة فهي قد قطعت أشواطاً طويلة على درب تطوير المحتوى في برمجيات القاعات الإفتراضية داخل الجامعات التقليدية بصفةٍ كاملةٍ وشاملة. بالنتيجة أصبح الطالب قادِراً على الاختيار داخل تلك الجامعات بين التسجيل الجامعي للتعلّم عن بُعد من دون حضور إجباري داخل القاعات الإفتراضية عن بُعد، أو التسجيل في السنة الجامعية للتعلّم الكلاسيكي داخل القاعات التقليدية. أما الإختبارات المرحلية فهي تتمّ في نفس الظروف وبالحضور الإجباري والإلزامي لجميع الطلبة داخل القاعات التقليدية وبمُراقبة مباشرة من المؤسّسات الجامعية.