تحريض على رئيس تونس.. صورة قيس سعيّد في صحف "إسرائيل"

تواصِل الصحافة الإسرائيلية نَشْر أحكام وتصوّرات نمطية بشأن مواقف الرئيس قيس سعيِّد المُناهِضة للتطبيع مع "إسرائيل".

  • تحريض على رئيس تونس.. صورة قيس سعيّد في صحف "إسرائيل"
    بعد فوز الرئيس سعيِّد بانتخابات الرئاسة التونسية بدأ يتَشكَّل سَيْلٌ جارِف من التقارير والتحليلات الإسرائيلية 

تُبيّن مُتابعة المنشورات المُتعلّقة بتونس في الصحف والمواقع الإسرائيلية وجود خطّ مُتواصِل من التغطية المُغرِضة للأوضاع والأحداث التونسية، بطريقةٍ تنمُّ عن نشوء احتقانٍ إسرائيلي ملحوظ منذ فوز الرئيس قيس سعيِّد، في الانتخابات العامة التونسية في تشرين الأول/أكتوبر 2019. ومؤخّراً، تمَّ تسجيل ارتفاع في منسوب هذا الاحتقان، عبَّر عن ذاته بازدياد التحريض على السياسة الرسمية التونسية. 

نهاية مرحلة

تُظهِر عيّنات من التقارير والتحليلات ضمن المنشورات الإسرائيلية أنّ "إسرائيل"، في مرحلة ما قبل رئاسة قيس سعيِّد، كانت تتمتَّع بحالٍ مُريحةٍ نسبياً من التعامُل التونسيّ الرسميّ معها، برز فحواها في المعلومات الوارِدة عن زيارات إسرائيليين إلى تونس، وفي اتصالات بين الطرفين. 

كما تكوَّنت مؤشّرات على نشوءِ تقارُبٍ ضمن تلك الحال التي تبلورت تدريجاً، وراحت تتجسَّد عملياً عبر خطوات واضِحة المَعالِم. تكفي وقائع جرت منذ العام 2018 لتقديم فكرة عن طبيعة هذه الخطوات، ومنها، مثلاً، خروج صحيفة "جيروزالم بوست" الإسرائيلية (1/8/2018)، بعنوان "اتحاد الشطرنج التونسي يتعهَّد بالتنافُس لطفلةٍ إسرائيليةٍ في السابعة من عُمرها"، منوِّهةً بهذه الموافقة التي صدرت، بعبارة "سنضمن الضيافة للجميع من دون استثناء"، وبمَنْحِ تأشيرة دخول للمُشتَرِكة الإسرائيلية الطفلة ليئيل ليفيتان.

وأشارت الصَّحيفة إلى أنّ الاتحاد التونسي استجاب للاتحاد العالمي للشطرنج (FIDE)، من أجل السَماح بالمُشاركة الإسرائيلية في بطولة العالم لطلاب المدارس للعام 2019 في مدينة سوسة التونسية، على الرغم من الرّفض المبدئي في القانون التونسي للتطبيع مع الإسرائيليين (1). 

  • تحريض على رئيس تونس.. صورة قيس سعيّد في صحف "إسرائيل"
    تحريض على رئيس تونس.. صورة قيس سعيّد في صحف "إسرائيل"

واحتفت الصّحافة الإسرائيلية بقيام رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، بتعيين (روني) رنيه طرابلسي (רנה טרבלסי - رجل الأعمال اليهودي الذي يحمل الجنسية التونسية ويعيش في فرنسا) وزيراً للسياحة، وراحت تُغدِق المَديح على هذا التعيين، لا لأنه رجل أعمال ناجح فقط، ويُعنى بشؤون السياحة تحديداً، بل لأنه أيضاً إبن زعيم الجالية اليهودية الصغيرة في تونس، وقد أحبط محاولات مَنْع دخول إسرائيليين إلى تونس (2) لإحياء احتفالات "هللوياه" (הללו יה "سبحوا يهوه") التي تنظّمها الجالية اليهودية في مدينة جربا سنوياً في عيد "لاج بعومر" ( ל"ג בעומר= "الغمر" حزمة السنابل بعد الحصاد.. ويُسمَّى أيضاً "عيد الشعلة"، إحياءً لذِكرى ما تُسمَّى الثورة اليهودية في فلسطين، بقيادة شمعون باركوخفا ضدّ الرومان في العام 132).

وأشاد تقرير إسرائيلي بنجاح طرابلسي في جَلْبِ نحو 300 ألف سائِح كلّ عام إلى جربا. وعُدَّ هذا التعيين انتصاراً كبيراً ليوسف الشاهد، الذي تعرَّض لانتقاداتٍ واسعةِ النِطاق من جميع الأطياف السياسية المحلية، بما في ذلك حزبه العِلماني "نداء تونس".

وذكر التقرير أنَّ طرابلسي هو ثالث وزير يهودي في تاريخ تونس، بعد ألبرت بسيس (אלברט בסיס) الذي شارك في الحكومة في العام 1955، والوزير الثاني أندريه باروخ (אנדרה ברוך) في سنة الاستقلال عن فرنسا في العام 1956 (3).

  • تحريض على رئيس تونس.. صورة قيس سعيّد في صحف "إسرائيل"
    تحريض على رئيس تونس.. صورة قيس سعيّد في صحف "إسرائيل"

وأوردَ تقريرٌ للقناة الإسرائيلية الثانية عشرة "mako" في 8/6/2019، أنَّ السلطات التونسية تسمح للإسرائيليين بالدخول إليها مرة واحدة فقط في السنة. وقدَّر أنَّ عدد الإسرائيليين الذين وصلوا في العام 2019 هو الأكبر منذ ما أسماه "ثورة الربيع العربي التي بدأت في تونس في العام 2011" (4).

  • تحريض على رئيس تونس.. صورة قيس سعيّد في صحف "إسرائيل"
    تحريض على رئيس تونس.. صورة قيس سعيّد في صحف "إسرائيل"

وبعد فوز الرئيس سعيِّد بانتخابات الرئاسة التونسية، بدأ يتَشكَّل سَيْلٌ جارِف من التقارير والتحليلات الإسرائيلية التي راحت تتناول الحَدَث من زوايا مُتعدِّدة، تُنبئ عن نهاية مرحلة، على خلفيّة التغيّر في التوجّهات التونسية الرسمية حيال "إسرائيل". 

وكان من الغمزات التي برزت، الادّعاء بأن سعيِّد فاز بفضل دعم "حزب النهضة" له. وتمّ التركيز على الهويّة الإسلامية لهذا الحزب، والتي غالباً ما يُراد لها أن تستدعي حالاً ذهنية قسرية مُقاربة للتعصّب والإرهاب. وفي مختلف المواد التي نُشرِت، تمّ التشديد على التوجّهات القومية للرئيس سعيِّد، ومُعارَضته الصارِمة للتطبيع مع "إسرائيل".

وخلال ذلك، أُثيرت مسألة عدم تمكّن حاملي جوزات السفر الإسرائيلية من زيارة تونس، مع التباكي على مَنْعِ يهود "إسرائيل" من زيارة جزيرة جربا وسواها.

وعلى المسار ذاته، وصل الأمر ببعض رموز الطبقة السياسيّة الإسرائيليّة والمُهتمّين، إلى الطلب من حكومة نتنياهو وإدارة ترامب الردّ بحَزْمٍ على الموقف التونسي المُتَّخذ ضدّ خطّة "صفقة القرن" الأميركية في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن.

هُويّة الرئيس والتحديات

في إطار تناول "إسرائيل" للشؤون التونسية، كان فوز قيس سعيِّد بالرئاسة مُناسبةً للحديث عنه وعن الأوضاع الداخلية، وانعكاسات ذلك على "إسرائيل"، فتمَّ سَرْد العديد من خصائص الرئيس الجديد وسِماته (الشخصية والمهنية والأكاديمية والوظيفية وسواها)، وعُنيَت الصحف الإسرائيلية بتحديد هُويّة ذهنية له، عبر تقديمه كزعيمٍ مُحافظٍ مُتطرِّفٍ (راديكالي)، ونسخة عن القيادات العربية التي كانت تنتهج مُعاداة الصهيونية و"إسرائيل" قبل عشرات السنوات.

ففي تقرير بعنوان "الانتخابات التونسية: انتصار أستاذ القانون المدعوم من الإسلاميين"، كتبت "هآرتس" المُصنَّفة كصحيفةٍ ليبراليةٍ تقريراً في 13/10/2019، أوردت فيه تفصيلاتٍ عن سعيِّد، منها، على حدّ وصفها، مزاجه الصعب، وعدم امتلاكه الكاريزما، ودعمه استعادة عقوبة الإعدام في الدولة، ومُعارَضته قوانين الميراث التي تُقسِّم الممتلكات والمال بالتساوي بين النساء والرجال، ومُناهَضته المثليين في البلاد، ونيَّته تشديد القيود المفروضة على أنشطة المُنظّمات غير الحكومية الأجنبية في تونس، وعدم انتمائه إلى أيّ حزبٍ سياسي.

وذكر التقرير أنَّ "جميع الحكومات التونسية تعاملت مع اقتصادٍ مريضٍ في السنوات الأخيرة، إذ يبلغ معدَّل البطالة في البلاد 15%"، وادَّعى أن "ارتفاع الدَّين العام والنقابات العمالية القوية يمنعان من تشجيع الإصلاحات التي تُطالِب بها البُلدان الأجنبية التي تقرض الأموال للسلطات التونسية".

واستعان التقرير بتقديرٍ للباحِث الأميركي من أصلٍ أردني، صفوان المصري (المُتخصِّص في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في جامعة كولومبيا، ونائب رئيس الجامعة لشؤون المراكز العالمية)، للتعليق على مسألة تأييد "حزب النهضة" الإسلامي لسعيِّد، فذهب المصري إلى أنَّ اعتماد الرئيس الجديد على هذا الحزب قد يحدّ من جهوده الرامية إلى تعزيز الإصلاحات الشاملة، بسبب الحاجة إلى موافقة ثلثيّ أعضاء البرلمان عليها.

وقدَّر المصري أنَّ سعيِّد "ربما يتحوَّل إلى زعيمٍ مُنعَزلٍ من دون بيت سياسيّ. وهناك فُرصة ليكون رئيساً غير ذي صِلة"(كذا!!) (5).

  • تحريض على رئيس تونس.. صورة قيس سعيّد في صحف "إسرائيل"
    تحريض على رئيس تونس.. صورة قيس سعيّد في صحف "إسرائيل"

ونشر موقع "والا حدشوت" العِبري الإخباري (14/10/2019) تغطية بعنوان "أستاذ القانون يُنْتَخب رئيساً جديداً لتونس: مرحلة جديدة في تاريخنا"، كرَّرت مقولة أنّ سعيِّد يحظى بدعم "حزب النهضة" الإسلامي الذي أصبح أكبر حزب في الانتخابات البرلمانية، ولكن على الرغم من دعم "النهضة" له، فقد وصف نفسه بأنه مُحايدٌ سياسياً. وقال خلال الحملة الانتخابية: "أنا مُستقلّ، وسأبقى هكذا لبقيّة حياتي".

وفي معرض رَسْم صورة له، رأى الموقع أنَّ "سعيِّد قدَّم شكلاً تجريبياً من الديمقراطية المباشرة، اقترح تطبيقه في البلاد، لكنه يُعدّ مُحافِظاً للغاية، فهو مثلاً يدعم عقوبة الإعدام، ويُعارِض المُساواة بين النساء والرجال". 

وقدَّر الموقع أنَّه بعد النجاح في تشكيل الحكومة، من المتوقَّع أن يتعامل سعيِّد مع المُشكلات التي واجهتها الحكومات الحديثة في البلاد: البطالة بنسبة 15%، والتضخّم بنسبة 6.8%، والدَّين العام المُرتفِع (6). 

  • تحريض على رئيس تونس.. صورة قيس سعيّد في صحف "إسرائيل"
    تحريض على رئيس تونس.. صورة قيس سعيّد في صحف "إسرائيل"

ويُمكن القول عموماً إنَّ تقارير وتحليلات إسرائيلية عدَّة تعمَّدت التيئيس من قُدرة الرئيس قيس سعيِّد على مُعالجة مُشكلات تونس الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وذلك بتأثيرٍ ضمني للصّورة السلبية التي كوَّنها الإسرائيليون عنه، وارتبطت بموضوعات تتعلَّق بهم. 

الموقف من "إسرائيل" واليهود

تحت عنوان "رئيس جديد: هل يسمح للإسرائيليين بدخول الدولة؟"، نشر موقع لليهودية الأرثوذكسية المُتطرِّفة تحقيقاً مُستفيضاً (في 14/10/2019)، شدَّد فيه على أن "الرئيس المُنْتَخَب في تونس يكره إسرائيل بشكلٍ واضحٍ".

وتوقَّف التحقيق عند مُستقبل التطبيع مع "إسرائيل"، فأوضح أن "سعيِّد عبَّر بشدّةٍ حازِمةٍ عن إسرائيل طوال حملته الانتخابية، مؤكِّدا أن أيّ شخص يُجري اتصالاً مع الكيان الإسرائيلي خائِن، ويجب مُحاكمته بتهمة الخيانة، لكنه أشار إلى أن تونس احتضنت اليهود وحمتهم من النازيين خلال الحرب العالمية الثانية". 

وبحسب التحقيق ذاته، "يُصرّ سعيِّد على إضفاء الشرعية على تطبيق القانون، ويتعهَّد بعدم السماح لليهود الذين يحملون جوازات سفر إسرائيلية بدخول تونس. لذا، إن جميع رحلات الإسرائيليين إلى تونس تواجُه كوابيس خطرة".

وادّعى التحقيق أن تونس كانت تضمّ نحو 100 ألف يهودي، واليوم هناك أقل من 1500 شخص، منهم 1200 يهودي في جربا، بينما ينتشر الباقون في جميع أنحاء البلاد، وهؤلاء هم من أقدم المجتمعات اليهودية في العالم، وحافظوا على العديد من العادات القديمة هناك (7).

  • تحريض على رئيس تونس.. صورة قيس سعيّد في صحف "إسرائيل"
    تحريض على رئيس تونس.. صورة قيس سعيّد في صحف "إسرائيل"

ومن مختلف التوجّهات التي أعلنها الرئيس سعيِّد، اختارت صحيفة "معاريف" أن تنشر تقريراً (15/10/2019) بعنوان "انتخاب رئيس تونس: نحن في حربٍ مع الصهاينة، التطبيع هو خيانة". ونشر التقرير تغريدة لسعيِّد في "تويتر" قبل انتخابه رئيساً، جاء فيها: "هذا رأيي في الكيان الصهيوني، ولن يتغيَّر. احفظوا عني هذه الكلمات، وذكِّروني بها إذا ما أخطأت الطريق.. نحن في حالِ حربٍ مع الكيان الصهيوني، والتطبيع خيانة عُظمى".

ونقل التقرير عنه، في مُقابلةٍ مُتَلْفَزة، تمييزه بين اليهود والصهيونية و"إسرائيل"، وتأكيده مُجدَّداً أن "مَن يُطبِّع العلاقات مع الكيان الصهيوني الذي سرق أرض الشعب الفلسطيني وطرده من أرضه، خائِن" (8).

  • تحريض على رئيس تونس.. صورة قيس سعيّد في صحف "إسرائيل"
    تحريض على رئيس تونس.. صورة قيس سعيّد في صحف "إسرائيل"
  • تحريض على رئيس تونس.. صورة قيس سعيّد في صحف "إسرائيل"
    تحريض على رئيس تونس.. صورة قيس سعيّد في صحف "إسرائيل"

ومن قبيل التذكير بترجمة أقوال الرئيس سعيِّد إلى أفعال، اهتمَّت الصحف الإسرائيلية بدعوته إلى فتحِ تحقيقٍ في مُشاركة لاعِب يحمل الجنسيّتين الفرنسية والإسرائيلية، ويُدعى أهرون كوهين، في دورةٍ في العاصمة تونس (في الأسبوع الثالث في كانون الثاني/ يناير 2020)، تحت إشراف الاتحاد الدولي للتنس. وكان هذا الموضوع حاضِراً في لقاء الرئيس سعيِّد بوزيرة الشباب والرياضة سونيا بن شيخ (9).

  • تحريض على رئيس تونس.. صورة قيس سعيّد في صحف "إسرائيل"
    تحريض على رئيس تونس.. صورة قيس سعيّد في صحف "إسرائيل"

ووفق المِنوال ذاته تقريباً، تواصِل الصحافة الإسرائيلية نَشْر أحكام وتصوّرات نمطية بشأن مواقف الرئيس سعيِّد المُناهِضة للتطبيع مع "إسرائيل". وعلى هذه الخلفيّة، ظلَّت الأوساط الإسرائيلية ترصْد المُستجدَّات السياسية التونسية، في محاولةٍ لمواجهتها، وسجَّلت قفزة عدائية مُثيرة للاهتمام. 

مقالٌ تحريضي 

نشر يتسحاق ليفانون (سفير "إسرائيل" في القاهرة من تشرين الثاني/نوفمبر 2009 – كانون الأول/ديسمبر 2011) مقالاً في صحيفة "معاريف" (16/2/2020)، بعنوان "تصويت تونس ضدّ صفقة القرن يُشير إلى تغييرٍ في سلوكها تجاه الولايات المتحدة"، ذكر فيه أنَّ "تونس ​تقدَّمت، إلى جانب إندونيسيا، بمشروع قرار إلى مجلس الأمن في الأمم المتحدة يشجب بشدَّةٍ صفقة القرن الأميركية والحديث عن ضمٍّ مُحْتَملٍ للمناطق من جانب إسرائيل".

 وهكذا، تكون تونس قد وقفت بوضوحٍ ضدّ الولايات المتحدة الأميركية ذات القوَّة العُظمى، والتي تساعدها مالياً وفكرياً على تثبيت الديمقراطية، ويدور الحديث عن مُساعدةٍ بحجمٍ أكثر من مليار ونصف المليار دولار منذ "الربيع العربي" في العام 2011. 

وتابع ليفانون زاعِماً: "بدلاً من إسداء الشّكر إلى الولايات المتحدة، تبصق تونس في البئر التي تشرب منها. هذه هي السياسة المُتشدِّدة لقيس سعيِّد، الرئيس التونسي حديث العهد، حيث يُعزِّز مشروع القرار التونسي إلى مجلس الأمن ميل تصلّب المواقف الذي بدأ مع انتخاب سعيِّد، رجل القانون، عديم أية تجربة سياسية (...)، لرئاسة الدولة في تشرين الأول من العام الماضي".

وركَّز ليفانون على أن "سعيِّد يتبنَّى أفكاراً قومية عربية مُعلَنة، ويؤمِن بعروبة تونس كجزءٍ من الأمَّة العربية الكُبرى. ومن هنا أيضاً ينشأ عداؤه لإسرائيل. وفي حملته الانتخابية للرئاسة، وفور انتخابه، تحدَّث بحدّةٍ مُتطرِّفة تجاه إسرائيل. وضمن أمور أخرى، قال إنَّ تونس في حربٍ مع إسرائيل الصهيونية، وإن كلّ مَن يُطبِّع العلاقات معها خائِن، وسيُتَّهم بالخيانة العُظمى. وبحسب الدستور التونسي، العقاب عليها هو الإعدام. إضافةً إلى ذلك، سيمنع سعيِّد دخول اليهود من حاملي جوازات السفر الإسرائيلية إلى تونس".

وفي تقدير ليفانون، فإن "هذه التصريحات الحادَّة تتناقض وصورة الدولة المُعتدِلة والبراغماتية التي تحاول تونس اتخاذها لنفسها مذ دعا زعيمها الأسطوري، حبيب بورقيبة، إلى الاعتراف بإسرائيل في العام 1956، والتي ادّعت بأنها ساهمت في مسيرة أوسلو. وفي العام 1996، فتحت مكتب مصالح في إسرائيل بمكانة دبلوماسية كاملة". 

وقال ليفانون: "مواقف سعيِّد المُتطرِّفة مُقْلِقة في ضوء الصِلة التاريخية القديمة بين اليهود وتونس، فكنيس "الغريبة" في جزيرة جربا هو هدف تقليدي ودائم لحجيج اليهود، بمَن فيهم الإسرائيليون. وزيارة الكنيس والمُشارَكة في الصلاة والاستماع إلى الترانيم هي تجربة خاصة عشتها بنفسي. جربا هي مكان حجيج، إجلالاً للتاسع من لاغ بعومر الذي يجتذب إليه آلاف اليهود من أرجاء العالم. وكانت رحلات جوية من إسرائيل إلى الجزيرة للمُشارَكة في احتفالات "هللوياه". والرئيس سعيِّد يُريد، كما يبدو، أن يمسَّ بكل هذا، وأن يمنع الإسرائيليين من المُشارَكة في تقاليدٍ تعود إلى عشرات السنين، فـ"هللوياه" في جربا هي ذات طابع ديني صَرْف، ومعدومة مع كل صلةٍ سياسية. والرئيس سعيِّد، بمواقفه المُتطرِّفة، يمسّ بالتقاليد اليهودية".

وبعد هذا التوصيف، وصل إلى بيت القصيد الإسرائيلي، مؤكِّداً أنَّه "على الولايات المتحدة أن تدخل في الصورة، وأن تشرح للرئيس الجديد حساسيّة هذا الأمر، وأن تجنيد الدول الأوروبية، ولا سيّما فرنسا ماكرون، في هذه الجهود الإعلامية، هو أمر حيوي".

وبخصوص "إسرائيل"، توجَّه ليفانون إلى رئيس الحكومة نتنياهو بأنَّه "إذا كان يريد أن يدعم المغرب في صِراعه ضد جبهة البوليساريو التي تحظى بدعم الجزائر في إقليم الصحراء الغربية، فمن واجبه أن يُكرِّس جهداً من أجل الحفاظ على الصِلة اليهودية التقليدية لتونس" (10)، وهي عبارة تستبطن التصدّي للنهج السياسي التونسي الجديد.

  • تحريض على رئيس تونس.. صورة قيس سعيّد في صحف "إسرائيل"
    تحريض على رئيس تونس.. صورة قيس سعيّد في صحف "إسرائيل"
  • تحريض على رئيس تونس.. صورة قيس سعيّد في صحف "إسرائيل"
    تحريض على رئيس تونس.. صورة قيس سعيّد في صحف "إسرائيل"

ونُشير في خِتام هذه المُعالَجة النقطية للتعاطي الإسرائيلي مع العهد الجديد في تونس، إلى أنّ "إسرائيل" تُريد من الزعماء العرب الدخول في قالَبٍ تصنعه بحسب مواصفاتها الخاصة. عندها، ستُغدِق عليهم بالكثير من مُفردات الثناء، مع محاولة تسويقهم دولياً، وإلا سيكون لها إزاءهم تصرّف آخر، وفق عقليّة استعلائيّة واغترار جامِح بامتلاك القوى الذاتية والتحالفية.

******************

المصادر:

(1) ELIANA SCHREIBER, Tunisian Chess Federation pledges for 7-year-old Israeli girl to compete, .jpost. AUGUST 1, 2018 

https://www.jpost.com/Arab-Israeli-Conflict/Tunisian-Chess-Federation-pledges-for-7-year-old-Israeli-girl-to-compete-563968

(2) معيان بن حامو، تونس تختار رجل أعمال يهودياً لمنصب وزير السياحة، ترجمات عبرية، مركز الناطور للدراسات والأبحاث، 8/11/2018. الرابط المختصر: 

https://bit.ly/37GKfot

(3) دين شموئيل ألماس، تونس: الموافقة على تعيين وزير سياحة يهودي، "يسرائيل هيوم"، 13/11/2018. الرابط:

https://www.israelhayom.co.il/article/607553

(4) رينا متسليح، "مرة في السنة: رحلة مُثيرة إلى تونس"، القناة الإسرائيلية 12 (mako)، 8/6/2019. الرابط:

https://www.mako.co.il/news-world/international-q2_2019/Article-4e985a43dc53b61026.htm

(5) تقرير، "الانتخابات التونسية: انتصار أستاذ القانون المدعوم من الإسلاميين"، "هآرتس". 13/10/2019. الرابط:

https://www.haaretz.co.il/news/world/middle-east/1.7971149

(6) تقرير، "أستاذ القانون يُنْتَخَب رئيساً جديداً لتونس: مرحلة جديدة في تاريخنا"، موقع "والا حدشوت"، 14/10/2019. الرابط:

https://news.walla.co.il/item/3317867

(7) يعنكي فاربر، "رئيس جديد: هل يسمح للإسرائيليين بدخول الدولة؟"، موقع "بحدري هحرديم"، 14/10/2019. الرابط:

https://www.bhol.co.il/news/1038557

(8) ياسر عقبي، "انتخاب رئيس تونس: "نحن في حربٍ مع الصهاينة، التطبيع هو خيانة"، موقع "معاريف"، 15/10/2019. الرابط:

https://www.maariv.co.il/news/world/Article-723918

(9) دين شموئيل ألماس، تقرير، صحيفة "يسرائيل هيوم"، 4/2/2020. الرابط:

https://www.israelhayom.co.il/article/730577

(10) يتسحاق ليفانون، "تصويت تونس ضدّ صفقة القرن يُشير إلى تغييرٍ في سلوكها تجاه الولايات المتحدة"، "معاريف"، 16/2/2020. الرابط:

https://www.maariv.co.il/journalists/opinions/Article-748349

********************