كيف تصنع المرأة متعة النقاش الذكيّ؟

وسط هذا "الصّخب" الجماعي المشترك، عالمٌ موازٍ تصنعه المرأة، يمكن أن يكون هو المُرغّب ليكون هذا اليوم ممهور لأجله. عالمٌ فيه حِرفُ صوغ الفكرة والنقاش الفذّ والحكاية والحديث والأسئلة الحذقة على طريقتها الفريدة.

  • كيف تصنع المرأة متعة النقاش الذكيّ؟
    يمهّد النقاش الذكيّ لدى المرأة عموماً لمجتمعات تُفكّر وتتخيّل وتقرأ.

ليست كلّ الأحاديث عابرة. أوقاتٌ بعينها تتكاثف، حين نسترسل في حديث عميق جميل يدرّ معه أفكاراً مختبئة، وأخرى تتلاقى فتتولّد منها أفكار جديدة تُضيء كشعلة. فنركن إلى دهشة صامتة، ما الذي يحفّز ذلك كلّه؟ 

في يوم المرأة العالمي، كثيرة هي الأشياء التي يُحكى عنها في سياقها الاجتماعي والمطلبي، وكثيرة أيضاً هي التحفيزات التي تستحقها ولا تنالها، وما تعرفه عن نفسها ولا تقوله ولا يقوله لها أحد. هذا اليوم الذي تحوّل مع الوقت في كثير من بُقع العالم من يوم احتفاليّ إلى يوم احتجاجيّ حزين.

لكن، ووسط هذا "الصّخب" الجماعي المشترك، عالمٌ موازٍ تصنعه المرأة، يمكن أن يكون هو المُرغّب ليكون هذا اليوم ممهور لأجله. عالمٌ فيه حِرفُ صوغ الفكرة والنقاش الفذّ والحكاية والحديث والأسئلة الحذقة على طريقتها الفريدة. حِرفٌ تُخرج من الطرف الآخر ما لا يُدركه في نفسه. فقدرة المرأة على التأثير لا تكتسبها من هويّتها الأنثويّة وحسب، إنما بتماهي هذه الهويّة مع ميّزات تُعمّرها، بألّا تكون "مُتوقّعة"، ومقولبة وفق الصور النمطيّة والجاهزة بحقّها. 

أكثر ما تواجهه المرأة من تحديات اجتماعية هو في السياق العملي، تكون النظرة إليها غالباً بالطريقة التي ستملأ فيها مركزها، خصوصاً إذا ما كانت في موقع قياديّ. وما يُعزّز هذه النظرة، فعل التنميط في المجتمعات الذكوريّة، التي يعتبر فيها الرجل أن فهم وذكاء المرأة هما سعي منها لتتفوق عليه ولتثبت نفسها، أي أنه يحدّ عملها في سياق البرهنة أمامه.

المرأة تحتوي، وهذا الاحتواء عموماً للمهمّات التي بين يديها يخلق عملاً متماسكاً. بالإضافة إلى ما تُقدّمه من وجهات نظر مختلفة، والأمر ليس متعلقاً بالتأثيرات البيولوجيّة كما  يحبّ البعض تنميطها، إنما في تقديمها لطروحات متساوية جندرياً. وذكاؤها يكمن في صناعة هذا التساوي.

غير أن قدرة المرأة في التفوّق بالمجالات التي تجد رغبتها فيها، لا ينسحب من البديهيات الطبيعية بأنها لا تفرق عن الرجل في شيء في هذا المضمار، بل من قدرة المرأة المثقفة والحذقة على خلق وجهة النظر المختلفة في المنظور الأنثوي في نقاشاتها العمليّة، والتي تمهد لشقّ مسارات جديدة في المؤسسة التي تعمل فيها. هذه النقاشات تتولد من مزج جميل، أولاً في اختلاف مفهوم القوة وترجمتها، وطريقة تلقّف الثقافة وإخراجها، وبطبيعة الحال الترجمة العاطفية للمرأة في عملها تكون مختلفة عن سياقاتها في الخارج، وتبرز من خلال العطاء من ناحية ومن ناحية أخرى خلق محيط "عائليّ" بالمفهوم المهنيّ، والتركيز على القضايا التي تعني المرأة عموماً والتي تعني الرجل انطلاقاً من "النقص" الذي تُكمّله بدورها.    

يمهّد النقاش الذكيّ لدى المرأة عموماً لمجتمعات تُفكّر وتتخيّل وتقرأ. المرأة بمفهوم "الأمومة"  مثلاً، حين تبدأ بمهمّتها مع أطفالها، فتُحدّثهم عن الحياة بطرق غير مباشرة، وتنقل إليهم جماليّاتها أبعد من الخير والشر، حين تُعرّفهم على الله، عن الفرق بين الخوف والرهبة، وبين الخجل والضعف، عن قوة محبة الذات والثقة بالنفس، عن عدم استكثار محبّة الآخرين، وتهدئة الدهشة. أن تجد لهم إجاباب مقنعة وفريدة  لأسئلتهم الوجوديّة، وتُعلّمهم كيف تتولّد الأفكار التي لا تغلق سؤالاً. أن تخلق من عاطفتها قدرة على احتواء القرارات الحازمة. وأن لا تقتصر لديها قصص ما قبل النوم على النهايات المتوقعة، بل أن تفتح شبابيكاً في خيالات أطفالها لما ستؤول إليه الأحداث. هذه الاحتمالات المفتوحة التي تصنعها في العلاقة معهم، ستولد لديهم فيما بعد نفوراً من الأجوبة الجاهزة ومن الخيارات السهلة ومن الأسئلة البديهية.

قدرة المرأة أن تصنع نقاشاً ذكياً ليست محصورة في السياقات العاطفيّة، هذه الصورة النمطيّة التي تحدّ ذكاء المرأة باستمالة قلب الرجل. وإن فعلت ذلك فإنه يكون من صلب شخصيّتها وفطنتها في أن تخلق من مجرّد الأحاديث العابرة مساحة ليكتشف الرجل أمام "مرآته" جماليّاته ومتعة الحديث عن الأشياء نفسها التي تحدث في العالم، لكن بطرق مختلفة توحي وكأن هذه الأحداث تصير لأجل جلسات كهذه. أو كأن يصير النقاش اختبار فرديّ لتقييم الذات. لأن في صلب نظرة المرأة اكتشاف، وفيها حذر وخجل وسرّ يتوافق عليه غالبيّة الرجال، ما يجعلهم يتحمّسون دوماً لاكتشافه.

يكتشف الرجل أمامها أيضاً نقاط ضعفه وهواجسه وفهم تركيباته الجوّانيّة بطرق محبّبة.

نقاش الذكيّات يشبه لعبة الـ"ping pong"، عليك أن تكون على قدر عالٍ من التركيز لتجيب عن الفكرة بالفكرة، التلميح بالفهم، الملاحظة بالتوضيح، وغير ذلك. كأن تقدم إليك متعة الكلام كاحتمال تجريبيّ للكثير مما يُقلقك. كلام لا يطول بالقدر الذي يلج الباطن، فتغرق ولا تختار النجاة.

ليس الذكاء فقط في قدرة المرأة على الإبهار، إنما أيضاً في التحفيز على التفكير ومحبّة الذات والاحتواء والتفهم. هذه العادات تخفف من حدة الاصطدام الجماعي، بسبب اللغات غير المشتركة بين الناس وقصر الفهم. تأتي هذه النقاشات لتكون محطات فارقة في حياة الكثيرين.