مقتل جورج فلويد.. شرارة انتظرت من يوقدها

ما دفعني إلى كتابة هذا المقال، هو كلام ناشطة حقوقية أميركية من ذوي البشرة السوداء على شاشة "الميادين"، كانت تصف فيه ما يعيشه السّود في أميركا من عنصرية قاتلة منذ عقود طويلة.

  • مقتل جورج فلويد.. شرارة انتظرت من يوقدها
    سمع الجميع جورج أثناء لفظه أنفاسه الأخيرة، وهو يتوسَّل الشرطي أن يرفع رجله عن عنقه 

تشهد شوارع الولايات المتحدة الأميركية منذ أكثر من أسبوع احتجاجات قوية وعنيفة، وصلت إلى حدّ استدعاء قوات الجيش لمساندة الشرطة في عمليات مكافحة الشغب الحاصل. تأتي هذه الاحتجاجات على خلفية مقتل جورج فلويد، وهو مواطن أسود البشرة على يد عناصر من قوات الشرطة في مدينة منيابوليس.

سمع الجميع جورج أثناء لفظه أنفاسه الأخيرة، وهو يتوسَّل الشرطي أن يرفع رجله عن عنقه حتى يتمكَّن من التنفس، قائلاً: "لا أستطيع التنفّس" (I can't breathe). 

هذه المقولة كانت شرارة إشعال هذه الاحتجاجات التي امتدت تدريجياً إلى باقي الولايات، ووصلت إلى نيويورك والعاصمة واشنطن، التي يطلق عليها اسم "مدينة الشوكولا"، نسبة إلى الأغلبية السوداء التي تسكن فيها، فلماذا تحوّلت حادثة القتل إلى احتجاجات تعمّ أميركا؟!

لم يكن جورج فلويد أول أميركي من أصل أفريقي يقتل أثناء توقيفه من قبل شرطة بلاده، فسجلّ القتل على يد عناصر الشرطة يزداد ثقلاً مع سقوط ضحايا جدد في كل مناسبة، من دون أن يطال العقاب عناصر الشّرطة المتورطين في هذه القضايا، وإنما كان القطرة التي أفاضت الكأس، وجعلت المواطن الأسود في الولايات المتحدة يستشعر لحظة القيام لرفع صوت رفض العنصرية التي تطاله منذ عقود، والتي ازدادت استفحالاً مع وصول إدارة ترامب إلى البيت الأبيض، وليست ببعيد عنا كثرة التصريحات المليئة بكلمات العنصرية لدونالد ترامب منذ مدّة.

ما دفعني إلى كتابة هذا المقال، هو كلام ناشطة حقوقية أميركية من ذوي البشرة السوداء على شاشة "الميادين"، كانت تصف فيه ما يعيشه السّود في أميركا من عنصرية قاتلة منذ عقود طويلة. وما لفتني أكثر في كلامها قولها: "نحن تعلَّمنا العنف منكم"، في تعليقها على ما شهدته الاحتجاجات من أعمال تكسير ونهب، وكانت تخاطب الحكومة التي تعتبر المواطن الأسود غير مستحقّ للحياة.

بعيداً من التحليلات السياسية لما يحدث، واختلافها بين من يربطها بالانتخابات وسعي دونالد ترامب إلى إعادة تطبيق "استراتيجية الجنوب" (south strategy)، ومن يربطها بصراع بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري حول السعي إلى إسقاط خطط ترامب للترشح من جديد والفوز في الانتخابات، فإنّ الأمر يرتبط في جوهره بحجم المعاناة التي يعانيها السّود من عنصرية بغيضة أكّدها تقريرٌ للاستخبارات المركزية في تشرين الثاني/نوفمبر في العام 2018، يقول إنّ "نسبة جرائم الكراهية والعنصرية ازدادت 20% ضدّ الأقليات العرقية".

وبالعودة إلى لغة الإحصائيات والأرقام، يتضح لنا الجواب على سؤالنا، ونفهم من خلالها تصريحات الناشطة الحقوقية الغاضبة: 

1-  يوجد في الولايات المتحدة نحو 39 مليون عاطل من العمل أغلبهم من ذوي البشرة السوداء.

2-  نسبة البطالة بين السّود تصل إلى 7,5%، بينما لا تتجاوز 3% بين البيض.

3-  20% من السّود البالغ عددهم 48 مليون شخص، يعيشون في حالة فقر أكثر بمرّتين ونصف المرة من عدد الفقراء البيض.

4- السّود لا يمثلون إلا 12% من الشعب الأميركي، إلا أنّ السجناء يمثلون 33% منهم في كل السجون الأميركية.

5 - حالات الوفاة بين النساء الأميركيات السوداوات يفوق بأكثر من مرتين ونصف المرة حالات الوفاة عند النساء البيضاوات.

6 - معظم ناشطي الحركات التحررية السوداء اغتيلوا.

كلّ هذا وأكثر ساهم في تأجيج مشاعر الاستياء لدى الأميركيين السود، فهم يرون العرق الأبيض الجرماني الذي يأخذ منهم كلّ الحقوق ويمارس عليهم العنصرية منذ عشرات السنين، في حين يواجهون الموت اختناقاً أو جوعاً. وليس مقتل جورج فلويد إلّا شرارةً كانت تنتظر من يوقدها، لتعمّ الاحتجاجات التي لا ندري إلى أين تمضي.