سقطت ورقة التوت عن الجمهورية اللبنانية

إنَّ الأيام التالية كفيلة بكشف التساؤلات وتبيان حقيقة ما يجري حقاً في هذا البلد وما يُحضَّر له.

  • خلال اشتباكات مع قوات الأمن في محيط البرلمان وسط بيروت (أ ف ب).
    خلال اشتباكات مع قوات الأمن في محيط البرلمان وسط بيروت (أ ف ب).

لم تكن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الأمس القريب من باب التعرف إلى البيئة السياسية للمجتمع اللبناني، ذلك أن الرجل يمتلك جهازاً معلوماتياً-خبراتياً واسعاً، من المفترض أن يكون قد وضع بين يديه كماً هائلاً من خبرات من سبقوه عن نوعية رجال السياسة الذين سوف يلتقيهم، كذلك الأمر عن مجموعة المطبلين الذين سوف يسارعون إلى تقبيل الأيادي - والذين أريد لهم أن يعطوا صورة (الشعب اللبناني) أو أكثريته كأضعف الإيمان - لأيّ ذي سلطة تحركها أيادٍ صهيو-أميركيّة في العالم، لتخلّصهم من عذاب فرضوه عليهم بوجوه الكلّ يعلمها.

إنّ المصيبة الجلل التي كشفتها هذه الزيارة السريعة إلى الرؤساء الثلاثة، والتي لم تتجاوز 20 دقيقة، وتلاها اجتماعه برؤساء الكتل والأحزاب، ليست في ما حملته من رسائل مطبوخة سابقاً إلى المسؤولين على اختلاف توجهاتهم، إنما تكمن في ما كشفته عن اهتراء خطير ينخر في منظومة الجمهورية الآيلة إلى السقوط، وفي الشفافية المنادية بالانتداب من مجموعة لاحقته إلى أبواب المطار، تنشد غفران الأمم، وتبحث عن إمكانية خروجها من مأزق على شكل بلد، وضمّها إلى تشكيلة جاهزة من قوانين ودساتير تمجّد، بحسب ما يقولون، الحريات والكرامات، والتي رفضها ماكرون شكلاً، قائلاً لمناجيه باحتلاله: "لست هنا لأنتقص من سيادتكم".

أما في ما يتعلَّق بالطاقم السياسي، فإنك لست بحاجة إلى أن تمتلك خلفية سياسية مهمة وواضحة، لتدرك حجم الإفلاس الَّذي يتملَّك الحمقى المجتمعين بماكرون، الذين يشتكون بعضهم البعض بلغة فرنسية تكاد تُفهم، ويتفاخرون فيها على أنفسهم سبيلاً للتقرب من سمو الأمير المثقف الذي يجالسهم. هم حفنة من الأطفال الذين رموا عنهم كل عزة، وارتدوا الذل سبيلاً للخلاص، فلا ترى فيهم إلا لائماً لمقاومين، يحمّلهم مسؤولية الخراب، منصباً نفسه سيداً على مجموعة من المقهورين، أو متسوّلاً على باب رئيس دمية تحركه قوى العالم، كسبيل أخير لفرض قراراتها باللين وعينين زرقاوين وابتسامة حنونة.

أعظم ما في الأمر هو الضربة القاسية التي وجَّهها الرئيس الفرنسي إلى مجموعة الحراك المتملّقة التي ما انفكت تستقبله بالأحضان، وتأمل فيه سبيلاً للخلاص. وقد جاءت هذه الضربة بطلبه الصريح إلى مجموعة المتخبّطين الَّذين خالطهم في قصر الصنوبر بضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية، غالباً ما ستكون برئاسة الرئيس سعد الحريري، كشرط ضروريّ لبدء مرحلة جديدة كانوا قد عارضوها بالدم في وقت ليس بعيداً، والتي لم تستفزّ حسبما ظهر متملقي الحراك وراكبيه، بل العكس تماماً، إذ برز ترحيب وإعجاب كبير بالدهاء السياسي الذي يحمله رسول السلام ذاك، وشهدنا تصفيقاً لا يزال مستمراً حتى اليوم، ليرجع بذلك عصر الاستعمار الفرنسي الممنهج، ولكن بنكهة مساعدة وإنقاذ.

أمّا مفهوم الحريات الَّذي تتغنّى به دولة الديموقراطية العريقة التي ينشدها المبتذلون وأصناف المتذللين في هذا البلد، بصحافييهم وسياسييهم، فإن ما حدث في قصر الصنوبر مع مراسلة المنار يثير الكثير من علامات الاستفهام، وليس الاستهجان، حول دائرة الحرية تلك، فمن هم الَّذين ينضوون تحتها؟ وعلى أيّ أسس يُعطى الأفراد الحقّ بدخول حيّزها؟

إنَّ الأيام التالية كفيلة بكشف هذه التساؤلات وتبيان حقيقة ما يجري حقاً في هذا البلد وما يُحضَّر له.