عُذراً أم كلثوم ... عُذراً فيروز

بدأت المسارات والانهيارات والتراجعات، فبعد "لاءات الخرطوم الثلاثة - لا للصلح ولا للاعتراف ولا للتفاوض مع الصهاينة"، كانت زيارة "السادات" وبدأ بعدها مسار "اوسلو، ووادي عربة".

  • كانت هاتان الأغنيتان بكلماتهما الصادقة تُعبّر عمّا يجولُ في خاطر الملايين
    كانت هاتان الأغنيتان بكلماتهما الصادقة تُعبّر عمّا يجولُ في خاطر الملايين

عندما كنتُ صغيراً، كان هناك برنامجٌ إذاعيٌّ تصدحُ فيهِ "أم كلثوم" بأغنيةٍ كتبها "نزار قباني"  تقول:

"يا أيها الثوار في القدس
في الخليل في بيسان في الأغوار
في بيت لحم حيث كنتم أيها الأحرار
تقدّموا
تقدّموا
إلى فلسطين طريقٌ واحد
يمر من فوهة بندقية"

وكنتُ من شدّةِ حماستي للأغنية أُحوّلُ البيتَ إلى "أرضٍ فلسطين  وأنتقل بين الغرف وأنا أقفز وأتدحرج مُطلقاً الرصاص من بندقيّتي اللّعبة، وصوت خالتي يلعلع "باسل خَربت البيت .. باسل صَرعتني .. حاجة تجنّ"، فأتوقّف عن "تحرير فلسطين" وأنظر إلى خالتي شزْراً، هي التي لولاها لكنتُ استعدت القدس.

وكان يأتيني صوت فيروز بكلماتٍ كتبها "الرحابنة":

"الغضبُ الساطع آتٍ
وأنا كُلّي إيمان
الغضبُ الساطع آتٍ
سأمرّ على الأحزان
من كلّ طريقٍ آتٍ
بجياد الرهبة آتٍ
وكوجه الله الغامرِ
آتٍ آتٍ آتٍ"

فكنتُ أغلي في داخلي موقناً أن ساعة التحرير قد آنت، وما نحنُ سوى على بُعدِ مسافةٍ قريبةٍ منها، وأنه من المؤكد وجود رجالٍ أشداء سيقومون بتحرير "فلسطين" ولن تَقف في وجههم "جميع خالاتهم وعماتهم". 

كانت هاتان الأغنيتان بكلماتهما الصادقة تُعبّر عمّا يجولُ في خاطر الملايين.

كبرتُ وبدأ اهتمامي بالحقل السياسي والشؤون العامة، وكانت "حرب تشرين" التي أعطتني دفعة من المعنويات، والنشوة، وأنا أذكر ليالي الاستنفار خلال الحرب بلباس "الفتوّة" الطلابي، وأصبحتُ متأكداً مِن أننا نسيرُ على الطريق الصحيح.

وبدأت المسارات والانهيارات والتراجعات، فبعد "لاءات الخرطوم الثلاثة - لا للصلح ولا للاعتراف ولا للتفاوض مع الصهاينة"، كانت زيارة "السادات" وبدأ بعدها مسار "اوسلو، ووادي عربة".

وبعد "حق العودة" لمِئات الآلاف في المخيماتِ "المؤقتة" و"السلام العادل والشامل"، جاء "السلام الممكن".  ومن "فلسطين كلها" إلى "ما تيَسّرَ منها".

أخجلّ من وجوهِ أطفالكم ونسائكم في المخيمات. عُذراً أم كلثوم وفيروز ونزار والرحابنة.