الهجوم الإلكتروني: تحولات العالم في المفهوم الشعبي

لا ريب في إنّ من أطلق عنان الهجوم السيبراني، متخصّصون في شؤونٍ دوليةٍ كبرى، أو خبراء يفقهون في الشؤون الإلكترونية.

  • إنّ استمرار القرصنة في اختراق المرافق الأميركية على مدى تسعة أشهر، هو أمرٌ مذهل ويفوق الخيال
    إنّ استمرار القرصنة في اختراق المرافق الأميركية على مدى تسعة أشهر، هو أمرٌ مذهل ويفوق الخيال

9 أشهرٍ مرّت، ولا يزال الهجوم الإلكتروني مستمراً على الولايات المتحدة الأميركية، وفق ما صدر عن العديد من المسؤولين الأميركيين، وآخرهم كان الرئيس الجديد جو بايدن، في آخر خطابٍ له ألقاه في ولاية "ديلاوير"، مُعرباً فيه عن خطورة الهجوم، وعن القلق البالغ من وقوعه.

حتى الآن، ما زال الغزو الإلكتروني متواصلاً بلا هوادة، يطاول كافة مرافق الحياة الأميركية، ومراكزها العسكرية والأمنية والنووية والطاقة والوزارات المختلفة، ولم يستشعرْ الأميركيون به إلاّ مؤخراً. 

عملياً، لا ريب في إنّ من أطلق عنان الهجوم السيبراني، متخصّصون في شؤونٍ دوليةٍ كبرى، أو خبراء يفقهون في الشؤون الإلكترونية. لكن من البديهي أنّ الولايات المتحدة الأميركية وقعت تحت السيطرة التامة لمن نفّذ الهجوم خلال الأشهر الـ9 الماضية.

إنّ استمرار القرصنة في اختراق المرافق الأميركية على مدى تسعة أشهر، هو أمرٌ مذهل ويفوق الخيال. ومن هنا، جاء كلام أحد المحلّلين السياسيين الروس، فيتشسلاف ماتوزوف، الذي جزم "أنّ حرباً عالميةً ثالثة تحدث الآن عبر الهجمات الإلكترونية الرقمية". بموازاة ذلك، استنكرت السلطات الروسية الاتهامات التي وُجّهت إليها بصورةٍ غير رسميّة من قِبل عدة مسؤولين أميركيين، بصورةٍ مباشرة أو غير مباشرة. من جهةٍ أخرى، لم تنجُ الصين وإيران من الاتهامات، خصوصاً في ذكرى استشهاد القادة المقاومين: سليماني والمهندس وزادة.

والمفارقة أنّ مبتكر هذه التقنية المتطورة هو جهاز المخابرات الأميركية الـ(CIA) في خمسينيّات القرن الماضي، وقد استخدمته السلطات الأميركية في مجالاتٍ عسكرية وأمنية، في بداية الأمر، ثمّ طوّرت استخدامه في مجال الحسابات التجارية والاستهلاكية، وصولاً به إلى السيطرة على العالم والعقول والثقافات. ولاحقاً، بسطت بواسطة الإنترنت كل مخططاتها، حتى جعلت العالم قريةً كونيّة أميركيّة.

يعمل حمزة في شؤون الفن والإخراج الفني، وهو في الوقت عينه، يمارس التجارة مع الصين منذ سنوات طويلة. أعرب عن سعادته بزيارة الصين، بعد قيامه بجولةٍ حول العالم، إذ قال: "الصين بلدٌ مذهلٌ بتطوراته وشعبه واختراعاته، وكل شيء فيه، ولو زرته في البداية، لخسرت إمكانية التعرّف على بلدانٍ أخرى".

يصف حمزة الموقف في ظلّ تطوّرات الهجوم الإلكتروني، بأنّه أشبه بقصة "النملة والصرصور"، فالولايات المتحدة الأميركية، التي تقف وراء اختراع الإنترنت والإلكترونيات، وتتباهى بابتكاراتها وتهدّد بها، هي بنظره، كالصرصور الذي يتغنّى بأمجاده. أما الأمم الناشئة، كالصين وروسيا وإيران وربما دول أخرى، فهي كالنملة المجتهدة التي راحت تطوّر السلاح الأميركي وفق معاييرها ورؤيتها، بعمقٍ وهدوء، بحيث أحدٌ لا يعرف مدى تطوّر ترسانتها. لكنّ الهجوم الإلكتروني الراهن يدلّ على تقدّم هذه البلدان، وإن كنّا نجهل من الذي يشنّ هذا الهجوم".

حاول خريستو، شيوعي مخضرم من الزمن الستاليني، أن يفسّر هذه الظاهرة. هو الآن رجلٌ يبلغ العقد التاسع من العمر، مُقعدٌ بسبب "الباركنسون"، حركته صعبة، ولسانه ثقيل، يصعب فهم ما ينطق به. لقد ترأس خريستو سابقاً نقاباتٍ عمالية، وخضع لدورات تطويرٍ تقنية في مجال عمله في شركة الكهرباء الوطنية، حتى بات مكلَّفاً بالمهمات الصعبة، لاسيما عمليات التحكّم بلوحات الطاقة، وتوزيعها. يتمتّع خريستو بنظرٍ وسمعٍ جيدين، فـ"الباركنسون" لم يعطّل قدرته على الفهم والتفكير. لذلك، فهو باستطاعته أن يشرح مختلف الأمور، رغم معاناته من صعوبةٍ في النطق. يلازم المنزل أكثر الأحيان، خصوصاً بعد جائحة كورونا، وخلال موسم البرد. يتابع عن كثب المواضيع التي تهمّه عبر شاشة التلفزيون.

بعد مرور يوم على الأنباء المتداولة عن الهجوم الإلكتروني، تناولت الأخبار الأولى القطاع النووي، وموضوع لوحات الطاقة. كان مبتهجاً، ضاحكاً، وبدأ يشرح قائلاً: "لست ضليعاً بالملف النووي، لكن فليُسمح لي المداخلة في الأمور التي أفقهها، أي لوحة الطاقة، مع الفارق بين بساطة لوحة شركتنا واللوحة الأميركية المتطورة. إنّ دور اللوحة هو التحكّم بتوزيع الطاقة وبرمجتها، وضبط حركتها. بواسطتها، تمكّن المهاجمون من التحكّم بالمجتمع الأميركي. ولو أرادوا، لقطعوا الكهرباء، ولتعذّر على (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب معرفة طريقه"، ومن ثمّ يتابع ساخراً: "يتّهمون الروس بالهجوم، يعني أنّه بات على ترامب أن يأخذ رضى (الرئيس الروسي) بوتين، والإذن منه كلما أراد دخول الحمام، أو الخلود إلى النوم".

كان خريستو يتحدّث بطلاقة، وبكلامٍ مفهوم، وعينين لامعتين. كان شديد الارتياح خلافاً لسنواتٍ طويلة أضناه مرضه. تحدّث كثيراً وبطلاقة، وبمعنوياتٍ عالية، وقوةٍ تخالف منطق "الباركنسون"، وكأنه استجمع قواه، ووظّفها في خطابٍ حماسيٍّ لمهرجانٍ سياسي، رافعاً سبابته: "في هذا اليوم، تزول الغمامة التي وقعت على صدري منذ ثلاثين عاماً، كما على صدور الملايين من البشر. إنه يوم سقوط الاتحاد السوفياتي الذي قضّ مضاجعنا، وحوّل الكرة الأرضية إلى لعبةٍ أميركية".

ويختم قائلاً: "أشعر اليوم بأنّ الهجوم الإلكتروني أسقط الإمبريالية الأميركية، ووضعها تحت سيطرة آخرين، لا نعرفهم. وإذا صحّت الاتهامات الأميركية للروس بالهجوم، فهذا يعني انبعاث العصر السوفياتي من جديد. هذا ما أشعر به، وهذا ما يمنحني إحساساً غير مسبوق بالارتياح، لم أعهده منذ منذ ثلاثين عاماً". 

في أسبوع شهداء المقاومة ضد الإمبريالية، يتقدّم الحس الشعبي، فتصبح المقاومة أكثر سهولة، والنصر أقرب منالاً.