التسويق الغربي للإرهاب العالمي.. خداع وتضليل

لعل محاولات التسويق لمصطلح "الإرهاب الإسلامي" وترسيخه في ذهنية العقل الجمعي الغربي، يراد منها تشويه حقائق وتضييع أخرى، أكثر من كون الهدف المطلوب توضيح الحقائق وكشفها بكل موضوعية وحيادية ومهنية.

  • عناصر من الشرطة الفرنسية
    عناصر من الشرطة الفرنسية

ما إن يقع حادث ينطوي على سلوك إرهابي إجرامي في بلد غربي، ويكون المتورط فيه شخصاً من أصول شرقية إسلامية، حتى تفتح الأوساط والإعلامية والفكرية والثقافية الغربية نيرانها من كل الجبهات على الدين الإسلامي والمسلمين، وكأنّ الإسلام والمسلمين يقفون وراء كل ما جرى ويجري في العالم من مأسٍ وكوارث وحروب ومعارك، وأن الغرب هو الضحية الأكبر لذلك، بحيث بات مصطلح "الإرهاب الإسلامي" يتداول على نطاق واسع في مختلف الأوساط السياسية والمحافل الفكرية ووسائل الإعلام الغربية، ناهيك بالرأي العام الغربي، الذي يتأثر كثيراً بما يسمع ويشاهد من حقائق مزيفة وصور مشوهة ووقائع مجتزأة.

حادثة مقتل شرطيّة فرنسيّة طعناً بالسكّين في منطقة رومبواييه جنوب العاصمة باريس على يد مواطن من أصول تونسية، تعد واحدة من حوادث كثيرة ساهمت في رسم صور مشوهة، والترويج لتصوّرات خاطئة، والتّحشيد والتّحريض بطريقة خطيرة جداً لا تنسجم مع قيم الديمقراطية والتعايش والتنوع التي لا تتوقف المنظومات السياسيّة والفكريّة والثقافيّة الغربية عن تكرارها على مدى عقود وقرون من الزمن.

لم يكن قد مر سوى دقائق على الحادث، ولم تكن دوافعه وأسبابه قد اتّضحت بعد، حتى أطلَّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليتحدّث عن مخاطر "الإرهاب الإسلامي" وضرورة مواجهته، قائلاً في تغريدة له عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "في المعركة ضد الإرهاب الإسلامي، لن نتنازل عن شيء"، وهو، أي ماكرون، كان قد تحدَّث بصورة أوضح وأخطر، إثر مقتل المدرس الفرنسي صاموئيل باتي في منتصف شهر أيلول/سبتمبر من العام الماضي في المدينة نفسها على يد لاجئ شيشاني، رداً على قيام المدرس المذكور بعرض صور كاريكاتورية مسيئة إلى النبي محمد (ص) أمام تلامذته، والترويج لها بطريقة ساخرة ومهينة تحت عنوان حرية التعبير عن الرأي.

ولعلَّ فرنسا من بين أكثر الدول الغربية التي غالباً ما تشهد حوادث من هذا القبيل، لتخلق أجواء من الغضب والقلق والفوضى والاضطراب، وتكرّس الانقسام المجتمعي - دينياً وعرقياً - كل ذلك كان – وما زال - ينطلق من النتائج والمخرجات، ولا يهتمّ ويبحث في الأسباب والمقدمات، ناهيك بالالتفات إلى بعض زوايا المشهد وغضّ الطرف عن معظم الزوايا الأخرى.

ولعل محاولات التسويق لمصطلح "الإرهاب الإسلامي" وترسيخه في ذهنية العقل الجمعي الغربي، يراد منها تشويه حقائق وتضييع أخرى، أكثر من كون الهدف المطلوب توضيح الحقائق وكشفها بكل موضوعية وحيادية ومهنية.

من أبرز هذه الحقائق أن جذور الإرهاب من ناحية دينية، مسيحية ويهودية، والحقبة الاستعمارية الطويلة، تعد مصداقاً على ذلك، بما حفلت به من شتى صنوف الظلم والقهر والطغيان والاستبداد للشعوب والأمم التي خضعت للاحتلال.

وقد كان لفرنسا حصة كبيرة من ذلك. كما أنّ احتلال فلسطين من قبل الصهاينة اليهود وارتكاب أفظع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني على مدى أكثر من 7 عقود من الزمن، تحت شعارات ودعاوى دينية منحرفة، يعد مصداقاً آخر على السلوكيات والممارسات الإرهابية، علماً أن الحروب العدوانية التي شنتها الولايات المتحدة الأميركية وقوى غربية أخرى في العصر الحديث تمثّل في واقع الأمر أمثلة حية على الإرهاب. وما حصل في العراق وأفغانستان واليمن ودول أخرى خلال العقود الأخيرة ليس سوى مصاديق واقعية مؤلمة، خلّفت حروب أميركا والغرب فيها أعداداً هائلة من الضحايا الأبرياء، ناهيك بالدمار المادي الكبير الّذي تسبب بمشاكل وأزمات حياتية ثقيلة.

وإذا صحَّ استخدام مصطلح "الإرهاب الغربي"، فقد اتَّخذ صوراً ومظاهر مختلفة، بعضها عسكري واجتماعي، وبعضها الآخر ثقافي وديني. تلك الصّور والمظاهر تمتدّ من الحروب العسكرية، كما أشرنا إلى نماذج منها آنفاً، إلى الحروب الناعمة التي تستهدف تدمير القيم والمعتقدات الصحيحة للمجتمعات الأخرى، ولا سيما الشرقية الإسلامية، إلى مصادرة الحريات الشخصية للمسلمين المقيمين في الدول الغربية، من قبيل ارتداء الحجاب أو النقاب.

 وقد راحت بعض الدول الغربية تسنّ القوانين التي تحظر ارتداء غطاء الرأس في الأماكن العامة ومواقع العمل والجامعات. ولعلَّ فرنسا من بين الدول التي أقدمت على ذلك. وكانت المجزرة التي وقعت في مثل هذه الأيام من العام 2019 في مسجد النور في مدينة كريست تشرتش النيوزيلندية، وراح ضحيّتها العشرات من أبناء الجالية المسلمة هناك، انعكاساً واضحاً لنزعة الكراهية والعنصرية الغربية التي لم تأتِ من فراغ، وإنما كانت نتاج عمليات تثقيف خاطئ وتحريض ممنهج.

لا يقتصر الإرهاب الغربي في شقيه الديني والثقافي على استهداف أماكن العبادة، بل إنه يصل إلى انتهاك المقدسات، كما فعل القسّ الأميركي تيري جونز، حين أقدم على إحراق القران الكريم قبل 10 أعوام داخل كنيسة في ولاية فلوريدا الأميركية، وكما فعلت مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية، بنشرها رسوماً كاريكاتورية مسيئة إلى النبي محمد (ص)...

لا شكَّ في أنَّ من يبحث سيكون أمام كمّ هائل من الإساءات والتجاوزات والانتهاكات الغربية للإسلام والمسلمين، سواء في التاريخ البعيد والقريب أو في الواقع الراهن، والتي تندرج جميعها تحت مسمى "الإرهاب الغربي" أو "الإرهاب التكفيري" ذي العقيدة الإسلامية الدينية المنحرفة، والذي كان في جانب كبير منه نتاج تخطيط ودعم وتشجيع وترويج غربي.

ولعل البحث في خلفيات تنظيم "القاعدة" الإرهابي وظروف نشأته، ومن ثم تنظيم "داعش" الإرهابي، لا بدّ من أن يكتشف دور المنظومة الغربية في تأسيس التيارات الإسلامية الدينية المنحرفة، وهو منهج قديم عمل عليه الاستعمار البريطاني والاستعمار الفرنسي، وسار الأميركيون على النهج ذاته بالاستفادة من التجارب والخبرات السابقة.

ومع كلّ تلك التراكمات طيلة عقود من الزمن - ما لم يكن لقرون - من الطبيعي جداً أن تكون هناك ردود أفعال بمستوى معين يغلب عليها الانفعال وسوء التقدير، كما يحدث بين الفينة والأخرى، والتي تستدعي من الجهات المعنية في الدول الغربية البحث في الأسباب والمقدمات، من دون التوقف عند النتائج والمعطيات فقط.