تحالفات الانتخابات المُقبلة في الجزائر

المشهد السياسي الجزائري يتحرّك مع اقتراب الانتخابات التشريعية على وقع تراجع أسعار النفط واستمرار التحديات الاقتصادية.

يعود المشهد السياسي الجزائري للتحرك مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات التشريعية
بعد أكثر من سنتين ونصف السنة على إعادة انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وفي انتظار الانتخابات التشريعية التي ستُجرى الربيع القادم، بدأ المشهد السياسي الجزائري الذي ساده الصمت والهدوء بالتحرّك على مهل لترتيب الأولويات السياسية. وتشهد البلاد أزمة اقتصادية صعبة جرّاء انتهاء مرحلة الطفرة النفطية التي أعطت أعطتها عشر سنوات حقّقت فيها مكاسب مالية قياسية قبل أن ينحسر سعر النفط، ليكشف أن تلك السنوات مرّت سريعة ولم تستطع أن تضمن تحقيق قاعدة مستدامة للتنمية، ولم تساهم بتطوير الاقتصاد وخلق فرَص العمل وتنمية الثروة الوطنية.

  الجزائر التي تعيش على وقع حال لا يمتلك القدرة على الاستمرار سياسياً واقتصادياً، تواجه وقائع متناقضة، بين غياب أفق سياسي واضح بعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وأزمة اقتصادية متصاعدة، ومخاوف من صدام بين تركيبة سكّانية تحوّلت فيها التناقضات لتكون هي الأساس. ولم يعد الصدام كما كان في العشرية السوداء مع الإرهاب، بل تحوّل ومن دون مقدّمات منطقية إلى نزاعات عرقية وأثنية كما جرى في مدينة غرداية  بين الأقلّية الأباضية والأغلبية المالكية، وهي صدامات مُستجدّة تعكس جزءاً من حال الاحتقان بعد أكثر من خمسين عاماً على الاستقلال.

الأزمات والخلافات بين أقطاب إدارة الحُكم دفعت بالأمين العام لحزب جبهة التحرير عمّار سعداني إلى الخروج من المشهد على عَجَل بعد تبايُنٍ كبيرٍ في المواقف حول التحالفات المقبلة في الانتخابات التشريعية.

 تعيين جمال وِلد عبّاس أحد رموز الرعيل الأول لجبهة التحرير المناضل ضدّ الاستعمار الفرنسي أميناً عاماً للحزب، يُجسّد مرة أخرى أحد أشكال الأزمة في الواقع السياسي الجزائري، بين رعيل المجاهدين الأوائل ومَن ولِدَ وعاش في حِمى الدولة المُستقلّة منذ أكثر من نصف قرن، والذي مازال عاجزاً عن تجسيد رؤيته وأفكاره خارج مدرسة الرعيل الأول لمُجاهدي حرب التحرير.

التعقيدات ومحاولات بقاء استقرار الحال على ما هي عليه والابتعاد عن الهزّات غير المحسوبة العواقب، دفع بالأطراف السياسية للبحث عن تحالفات جديدة للانتخابات التشريعية المقبلة، فبدأت تظهر أولى ملامحها بشكلٍ خجول ٍمُعتمدةً على صياغة جديدة قد تكون مفاجئة في تشكيل تحالفات لم تعتد عليها تقاليد الحياة السياسية الجزائرية.

 تقارب صامت يدور بين حزب جبهة التحرير الوطني وحركة مجتمع السلم برئاسة عبد الرزّاق مقري أحد أكبر الأحزاب ذات التوجُه الإسلامي، لمحاولة توحيد الصفوف وتشكيل تكتّل سياسي للانتخابات المقبلة. وهذه الجهود يسعى إلى دعمها وإنجاحها رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنّوشي الذي تربطه علاقات جيّدة بالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وبجلّ الحركات الإسلامية في الجزائر، والذي أشرف على حوارات بين قيادات من الحزبين في تونس وأرسل وفداً إلى الجزائر الشهر الماضي للقاء الأمين العام للتجمّع الديمقراطي أحمد أويحيى حليف الرئيس بوتفليقة، لتشجيع التقارب بين مختلف الأطراف وتشكيل جبهة سياسية واسعة تضمن عدم مقاطعة الإسلاميين للانتخابات كما جرى في انتخابات عام 2014، وضمان تحالف سياسي جديد للحُكم يُكرّر بشكلٍ ما التجربة التونسية.

القلق من نتائج الانتخابات المقبلة التي سيراقبها الكثيرون يجعل من ضرورة نجاح تنظيمها ضرورة حتمية يدفع بالكثير من الأطراف إلى التحرّك بسرعة وصمت لضمان تحالفات ثابتة تمهّد لتحقيق نتائج تسهّل التعاطي مع الواقع الجزائري وتحديّاته بكل هدوء وبعيداً عن الهزّات والتوتّرات غير المحسوبة.

حساسية الجزائريين المُفرطة تجاه تدخّل طرفٍ خارجي في الشأن الداخلي قد يكون العَقَبَة الأكبر التي تواجه راشد الغنوشي الذي يحاول اللعب من وراء الستارة لتقريب وجهات النظر بين الإسلاميين وحزب جبهة التحرير. واللقاءات المهمة جرت كلها بعيداً من الأضواء في تونس لتجنّب ردود فعل القوى التي مازالت تراهن على عدم إشراك الإسلاميين في الحكم، أو محاولة إيجاد موقعِ قدمٍ جيّد لهم في الانتخابات المقبلة.

شروط حركة مجتمع السلم ومطالبها الصعبة تُشكّل عائقاً أمام إمكانية إدماجها في المشهد، ورغم التنازل الذي قدّمه الحكم الجزائري لها بقبول استقبال وفدٍ من حركة حماس الفلسطينية التي قطعت العلاقة معها تماماً بعد انقلابها على النظام السوري، واعتبار ذلك بوجهة نَظَر الجزائريين خيانة ومؤشّرات قد تتكرّر على أرضهم. كل ذلك لم يكن كافياً للحركة للقبول بالمشاركة في ظلّ توقّعها بعدم قدرة جبهة التحرير وحلفائها التقليديين على استمرار الإمساك بزِمام المبادرة وأنها قادرة على رفع سقف المطالب.

القلق على الأوضاع الداخلية في الجزائر ترافقه مخاوف من محاولات بعض الأطراف استهدافها وتكرار عشرية سوداء جديدة بأدوات مختلفة يكون هدفها تمزيق وحدته ونقل الصِراع الذي باشر على النهاية في سوريا والعراق إلى أراضيه، مع تحوّل المناطق الليبية  المحاذية للحدود مع تونس والجزائر لأكبر ساحة للإرهاب في المنطقة.