الأدب الواتسأبي!
الأتباع يكونون عادة أشدّ تطرّفاً من مُلهميهم، لذلك فإن البعض يتوغّل في استعمال وسائل التواصل إلى العُمق، العُمق الذي قد يؤدّي إلى الغَرَق في حال افتقارك إلى الثقافة التنظمية للوقت والعلاقات. لا أحد يقف في وجه التطوّر جميعنا نرفع له قُبّعة الاحترام بشرط أن نطوّعه لأدبيّاتنا لا أن يجرفنا نحو أدبيّاته..
لطالما كانت الرسالة المكتوبة من
أرقى الآداب في اللغة العربية وأكثرها استعمالاً قبل ظهور الشاشة كبديلٍ عن الحِبر
والقلم، أما اليوم فتحلّ مكانها إلى حدّ كبير الرسائل النصيّة السريعة التي
نستعملها على تطبيقات الهاتف وأكثرها شُهرة تطبيق واتس أب أو ماذا هناك؟ التطبيق يوحي -من عنوانه- بنوعيّة اللغة المُستعمَلَة، والتي غالباً ما تكون خالية من
مُحسّنات اللغة أو آدابها وبعيدةً عن التعقيد والإتقان شأن أسلافها من الرسائل
المكتوبة بما تحويه من نحوٍ وتشبيهٍ واستعارات.
الأدب الواتسأبي إن صحّ التعبير مفهوم دخل المجتمعات مُحتلاً بكل وسائل الحرب الناعمة. أدخل معه مفاهيم مُغايرة لكل ما تعوّدت عليه المُجتمعات من أدبيات، ضَرَبَ نظام التوقيت وجعل الزيارات مفتوحة على مدار الساعة. لم يَعُد مكروهاً أن تفتح نقاشات طويلة في منتصف الليل، ولا أن تمنعك أخلاقياتك من خلق أحاديث مع مَن تشاء ساعة تشاء. قَفَزَ داخل البيوت من دون أن يقرع الأبواب، ضيف غير مُهذّب، لكنه محبوب ومُلاصِق للجميع. سهلّ الحياة، سيّر الدنيا، سرّع الخدمات، وفرّ أموالاً ولقاءات، سَمَحَ للعُشّاق أن يختلوا بمكان أكثر من آمن..
ولأن الطبيعة البشرية استطاعت على مرّ العصور أن توثقّ رغباتها، حوّلت كماً كبيراً من تلك الرغبات إلى حقوق. الرغبة في السفر تحوّلت إلى حق في السفر، والرغبة في التعلّم أصبحت حقاً للإنسان، الرغبة في الحب حولّته إلى حق في الحب، وكذلك التواصل كان وما يزال رغبة مُتجسّدة لدى الجميع، الرغبة في الولوج إلى عالم الآخر واكتشافه، لكنها رغبة تحتاج إلى طرفين كي تتم، لذا فإن مسألة تحديد أخلاقيتها مُعقّدة بعض الشيء، خصوصاً أن وسائل التواصل الحديثة تتألّف من كل الأساليب المُتاحة لأن تصبح أناك الخاصة مُلتصقة بـ أنا الآخر.
الأدبيات في مثل هذه التطبيقات موجودة لكن معاييرها تختلف، فمن المُستَحَب -على سبيل المثال- أن تقول صباح الخير كتابة أو تُزيّنها وتُرسلها مُزيّنة بصورة، ومن ثم تستطيع أن تجري اتصالاً مع صاحب الصباح الجميل وتُخبره بجمال صباحه بوجودك، وإن لم تكتفِ يمكنك أن تهديه صباحاً مُسجّلاً بصوتك العَذب، ليس هذا وحسب، بل يمكنك أن تصنع مجموعة مؤلّفة من جميع أصدقائك وتُرسِل إليهم صباحاً جماعياُ دونما أية تكلفة. وهكذا حتى ينجلي الصُبح فيغدو ظهراً ومساء.. لكنّ البعض يعتقد -وربما هي الحقيقة- أن أنظمة التواصل الاجتماعي الحديث ليست بهذه السلبية، شركات عالمية باتت تعتمد في عملها على وسائل التواصل الاجتماعي للترويج وكذلك للوصول إلى أكبر قدر ممكن من العُملاء. الإعلام يعتمد بشكل كبير أيضاً على تلك الوسائل لمعرفة ما يحدث تحديداً في العالم البعيد، لكن التركيز هنا ليس على الجماعات بل على الأفراد، الفرد الذي يقبع لساعات خلف الشاشة الصغيرة يقرأ ويُقرأ ويشارك في الرأي العام والخاص، وهنا تكمُن الخطورة.
الكثير من الآراء المُزيّفة لا تعكس حقيقة أصحابها، تنصّب بعض الشخصيات نفسها وكيلاً مُدافعاً أو شاجباً، وتبني لنفسها منصباً الكترونياُ يُجبرها أن تعيش حياة افتراضية بحتة، خلقت مواقع التواصل فرساناً كثيرة من دون خيول، وصنعت أميرات لا يملكن تيجاناً! بعض المُستخدمين وخصوصاً المُراهقين منهم، يقبعون خلف الشاشات لساعات، يراقبون حركات الظهور وعدمه، وهذا يتطلّب جهداً ووقتاً لو استُثمر في أماكن أخرى لصنع ربما ما ظنناه مستحيلاً..
المُضايقات التي يُسبّبها مُستخدمو الواتسأب لأقرانهم في العالم "الواتسأبي" مُتعدّدة، أهمها الوقت، فأعظم سرقة - بالمعنى الدقيق للكلمة - هي سرقة الوقت لأنه أغلى ما يكون، وهذه التطبيقات تحديداً تسمح باستهلاك ساعات مُطوّلة دونما فائدة. فالخَجَل عنصر قاتِل في اليوميّات "الواتسأبية"، كأن لا تستطيع مثلاً أن تتهرّب من مُحادثة لا تُريدها نتيجة الخَجَل أو الخوف من أن تسبّب مُضايقات للآخر، وقد تكون سبباً لأن يُحرج أحدهم حينما تفرض عليه مُحادثة بالساعات. النظام العائلي دخل الواتسأب أيضاً وبات من السهل أن تدخل في مجموعة عائلية، لكنك قد تُحدِث شرخاً كبيراً في العائلة إن أنت أردت الخروج!
حرب الذات مع الذات، تطبيق صغير يتحكّم بوقتك وأفكارك، الأخبار كلها عاجلة وتصلك بسرعة الضوء. لا مبرر لك حينما لا تُجيب على رسائل أحدهم، وأنت بالطبع لست مشغولاً وهذا ليس وقتاً للنوم! اللّوم الدائم مَيّزة اقترنت بمُعظم وسائل التواصل، حُكم إنساني يُجبرك على تشريع أبوابك للجميع، ورَحَمَ الله الخصوصية..
الأدب الواتسأبي إن صحّ التعبير مفهوم دخل المجتمعات مُحتلاً بكل وسائل الحرب الناعمة. أدخل معه مفاهيم مُغايرة لكل ما تعوّدت عليه المُجتمعات من أدبيات، ضَرَبَ نظام التوقيت وجعل الزيارات مفتوحة على مدار الساعة. لم يَعُد مكروهاً أن تفتح نقاشات طويلة في منتصف الليل، ولا أن تمنعك أخلاقياتك من خلق أحاديث مع مَن تشاء ساعة تشاء. قَفَزَ داخل البيوت من دون أن يقرع الأبواب، ضيف غير مُهذّب، لكنه محبوب ومُلاصِق للجميع. سهلّ الحياة، سيّر الدنيا، سرّع الخدمات، وفرّ أموالاً ولقاءات، سَمَحَ للعُشّاق أن يختلوا بمكان أكثر من آمن..
ولأن الطبيعة البشرية استطاعت على مرّ العصور أن توثقّ رغباتها، حوّلت كماً كبيراً من تلك الرغبات إلى حقوق. الرغبة في السفر تحوّلت إلى حق في السفر، والرغبة في التعلّم أصبحت حقاً للإنسان، الرغبة في الحب حولّته إلى حق في الحب، وكذلك التواصل كان وما يزال رغبة مُتجسّدة لدى الجميع، الرغبة في الولوج إلى عالم الآخر واكتشافه، لكنها رغبة تحتاج إلى طرفين كي تتم، لذا فإن مسألة تحديد أخلاقيتها مُعقّدة بعض الشيء، خصوصاً أن وسائل التواصل الحديثة تتألّف من كل الأساليب المُتاحة لأن تصبح أناك الخاصة مُلتصقة بـ أنا الآخر.
الأدبيات في مثل هذه التطبيقات موجودة لكن معاييرها تختلف، فمن المُستَحَب -على سبيل المثال- أن تقول صباح الخير كتابة أو تُزيّنها وتُرسلها مُزيّنة بصورة، ومن ثم تستطيع أن تجري اتصالاً مع صاحب الصباح الجميل وتُخبره بجمال صباحه بوجودك، وإن لم تكتفِ يمكنك أن تهديه صباحاً مُسجّلاً بصوتك العَذب، ليس هذا وحسب، بل يمكنك أن تصنع مجموعة مؤلّفة من جميع أصدقائك وتُرسِل إليهم صباحاً جماعياُ دونما أية تكلفة. وهكذا حتى ينجلي الصُبح فيغدو ظهراً ومساء.. لكنّ البعض يعتقد -وربما هي الحقيقة- أن أنظمة التواصل الاجتماعي الحديث ليست بهذه السلبية، شركات عالمية باتت تعتمد في عملها على وسائل التواصل الاجتماعي للترويج وكذلك للوصول إلى أكبر قدر ممكن من العُملاء. الإعلام يعتمد بشكل كبير أيضاً على تلك الوسائل لمعرفة ما يحدث تحديداً في العالم البعيد، لكن التركيز هنا ليس على الجماعات بل على الأفراد، الفرد الذي يقبع لساعات خلف الشاشة الصغيرة يقرأ ويُقرأ ويشارك في الرأي العام والخاص، وهنا تكمُن الخطورة.
الكثير من الآراء المُزيّفة لا تعكس حقيقة أصحابها، تنصّب بعض الشخصيات نفسها وكيلاً مُدافعاً أو شاجباً، وتبني لنفسها منصباً الكترونياُ يُجبرها أن تعيش حياة افتراضية بحتة، خلقت مواقع التواصل فرساناً كثيرة من دون خيول، وصنعت أميرات لا يملكن تيجاناً! بعض المُستخدمين وخصوصاً المُراهقين منهم، يقبعون خلف الشاشات لساعات، يراقبون حركات الظهور وعدمه، وهذا يتطلّب جهداً ووقتاً لو استُثمر في أماكن أخرى لصنع ربما ما ظنناه مستحيلاً..
المُضايقات التي يُسبّبها مُستخدمو الواتسأب لأقرانهم في العالم "الواتسأبي" مُتعدّدة، أهمها الوقت، فأعظم سرقة - بالمعنى الدقيق للكلمة - هي سرقة الوقت لأنه أغلى ما يكون، وهذه التطبيقات تحديداً تسمح باستهلاك ساعات مُطوّلة دونما فائدة. فالخَجَل عنصر قاتِل في اليوميّات "الواتسأبية"، كأن لا تستطيع مثلاً أن تتهرّب من مُحادثة لا تُريدها نتيجة الخَجَل أو الخوف من أن تسبّب مُضايقات للآخر، وقد تكون سبباً لأن يُحرج أحدهم حينما تفرض عليه مُحادثة بالساعات. النظام العائلي دخل الواتسأب أيضاً وبات من السهل أن تدخل في مجموعة عائلية، لكنك قد تُحدِث شرخاً كبيراً في العائلة إن أنت أردت الخروج!
حرب الذات مع الذات، تطبيق صغير يتحكّم بوقتك وأفكارك، الأخبار كلها عاجلة وتصلك بسرعة الضوء. لا مبرر لك حينما لا تُجيب على رسائل أحدهم، وأنت بالطبع لست مشغولاً وهذا ليس وقتاً للنوم! اللّوم الدائم مَيّزة اقترنت بمُعظم وسائل التواصل، حُكم إنساني يُجبرك على تشريع أبوابك للجميع، ورَحَمَ الله الخصوصية..