الغاضبون السعداء باتفاق الجرود

المُثير للاهتمام أن معظم هؤلاء "الغاضبين السُعداء" بـ "طعنة الظهر" وراكبين أعلى الخيول المبدئية والغيرة على العراق حتى من اقتراب عدو من حدوده، لم يفتحوا فمهم يوماً أو يبدو انزعاجاً لأية طعنة أخرى في الظهر! فلا هم غضبوا من تعاون مسعود الصريح مع داعش، ولا فتحوا فمهم على تدمير القرى العربية في الموصل، ولا تسليم سنجار ولا المساعدة على احتلال الموصل وكركوك وتقاسم المدن والأسلحة مع داعش.

لو قرأ المرء بتمعّن ما بين سطور الغضب الشديد في تعليقات مُهاجمي حزب الله، لرأى أنهم سعداء جداً
أبدى الكثيرون غضبهم من اتفاق الجرود، وأكّدوا إنها "خيانة" و"طعنة في الظهر"... الخ، واتّهموا السيّد نصر الله بكل ما أتاح لهم خيالهم من إمكانيات. لكن لو قرأ المرء بتمعّن ما بين سطور الغضب الشديد في تعليقات مُهاجمي حزب الله، لرأى في الحقيقة أنهم ليسوا غاضبين ابداً، بل، ويا للعجب، سعداء جداً! إنهم يتبادلون الضحك والنكات ويردّون على المدافعين عن حزب الله، بسخرية وبهدوء المُتمتّع المُنتصر، ولا أثر لتوتّر مَن يشعر بالخيانة ولا لألم المطعون في ظهره في كلامهم!

 

يجب أن أقول هنا، أنني لم أكن مرتاحاً لهذا الاتفاق، وأنتظر منذ أمس بقلق ما ستتكشّف عنه الأحداث. تساءلت مع نفسي: ما عدد الدواعش في دير الزور والبوكمال؟ هل أن إضافة 300 مقاتل إليهم إضافة كبيرة مؤثّرة؟ ما الذي يعنيه "السلاح الشخصي" بالضبط؟ هل يمكن أن يكون بين هؤلاء قيادات مهمة كتلك التي يتم تهريبها بالطائرات الأميركية بعد كل معركة أو قبلها؟ هل بينهم شخصيات إسرائيلية كما كشف في مرات عديدة في السابق؟ هل من ضمن الاتفاق أن يكشف هؤلاء هويّاتهم للسلطات السورية للتأكّد أن ليس بينهم من هؤلاء؟ هل يُخطّط الجيش السوري لسحق دواعش البوكمال كما فعل مع حزب الله في الجرود، ويرى أن إضافة هؤلاء لن تعني الكثير؟

لم أكن أشعر بأنها "طعنة في الظهر" ورغم ذلك كنت متوتّراً، وكانت ردودي على مُعلّقي المقالات بشكل عام عصبية، ولم أستطع النوم بسهولة ليلة أمس.

أليس هذا هو ردّ الفعل الطبيعي على مَن يشعر بالقلق؟ فلماذا لا تشعر بأية رائحة قلق أو توتّر أو أي من المظاهر المُصاحِبة للغضب، لا في مدّعي الغضب العارِم ولا في الفضائيات التي صبّت وابل نيرانها على الاتفاق وكأنه جريمة كبيرة بحق العراق؟

المُثير للاهتمام أن معظم هؤلاء "الغاضبين السُعداء" بـ "طعنة الظهر" وراكبين أعلى الخيول المبدئية والغيرة على العراق حتى من اقتراب عدو من حدوده، لم يفتحوا فمهم يوماً أو يبدو انزعاجاً لأية طعنة أخرى في الظهر! فلا هم غضبوا من تعاون مسعود الصريح مع داعش، ولا فتحوا فمهم على تدمير القرى العربية في الموصل، ولا تسليم سنجار ولا المساعدة على احتلال الموصل وكركوك وتقاسم المدن والأسلحة مع داعش..

تغيّر في ضربة واحدة، أشد المعارضين لمشاركة العراقيين في قتال داعش داخل سوريا، وجماعة "العراق أولاً" و"إحنا شعلينا" و "قابل هي أرضنا لو أرضهم".. وفجأة لم تعد تلك "أرضهم" وإنما صارت أرضنا!.

البعض الذي لم يفتح فمه يوماً احتجاجاً على حركة أرتال داعش من العراق إلى سوريا وبالعكس وبقوافل تبلغ مئات السيارات، ولم يسأل الأميركان لِمَ لا يقصفونها، ولا سأل العبادي لماذا لا يطلب من أسياده أن يفعلوا ذلك، صار يصرخ مطالباً بقصف الأرتال – هذه الأرتال من دون غيرها – داخل الأراضي السورية، ومن دون التنسيق مع الحكومة السورية! وحتى أولئك الذين طالبوا يوماً بشكل صريح بدفع داعش داخل الحدود السورية، مثل الإعلامي المُنافق هشام الهاشمي، الذي كان ينادي بخطة "حدوة الفرس" لإنجاز ذلك، حسبما ذكر منير التميمي، صار يصرخ بالويل والثبور ويحمّر غضباً من قبول سوريا أن ينتقل 300 داعشي، داخل الأراضي السورية، قريباً من الحدود العراقية!  ففجأة صارت تلك المنطقة تهدّد العراق بهذه الإضافة، ولم تكن تهدّده قبلاً بالآلاف المتواجدين فيها، ولم يكن هناك مبرّر، وفق هؤلاء، للحشد العراقي أن يقاتلها! إنهم نفس الذين سمحوا بوضع القواعد الأميركية (والإسرائيلية) قرب الحدود السورية والإيرانية يهتاجون غضباً -ممزوجاً بالسعادة - لعدم مُراعاة هذا الجار لمصالحنا "كما نراعي مصالحه"!

 

اقرأوا منشورات هؤلاء وتعليقاتهم بتمعّن، وانظروا ردود أفعالهم، فسترون السعادة، وليس الغضب، هو ما يخرج من بين كلماتهم. فغريمهم رجل عجزوا عشرات السنين عن الإمساك بنقطة ضعيفة واحدة عليه... واليوم تصوّروا أن هذا الاتفاق قد حل العقدة المُستعصية، ووفّر لهم فرصة ذهبية طال انتظارها طويلاً للهجوم عليه. وقد أخذت الحميّة بعضهم أن يذهب أبعد ويرى في هذا إثباتاً على أن داعش صناعة إيرانية وأن الحزب لم يكن يوماً يقاتلها، بل ولا هو قاتل إسرائيل يوماً!

هل هؤلاء هم "المجانين بالسعادة" الذين تحدّث نيتشه عنهم؟ أو ليس عجيباً ألا يخرجوا للرقص في الشوارع احتفالاً بـ "طعنة الظهر" هذه؟