الرئيس بوتين ورسائل «الأمير»

لم يكن مفاجئاً أن تبقى معابر هدنة "الفرصة الأخيرة" خالية، إلّا من رصاص المجموعات الإرهابية المُسلّحة وقذائفهم، كرفض حاسم للهدنة ولمنع خروج المدنيين من شرق حلب.

أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي قال بأن على روسيا أن تواجه تحديات وتهديدات العصر الحديث، بالاستناد إلى القِيَم الأخلاقية ووحدة الشعب الروسي
بعد أسبوع على "ملحمة حلب الكبرى"، لم يستطع خلالها "المجتمع الدولي" أن يرى المجموعات الإرهابية وهي تقصف مدنيي حلب بالغازات السامّة، مع استمرار ضغط كيميائي أوروبي، ممثلاً بثلاثي القارة العجوز، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، عبر تقارير غير موضوعية ومليئة بثغرات قانونية و"شهود العيان"، لاستصدار قرار أممي يُدين الحكومة السّورية بارتكاب "جرائم كيميائية". ومع تكسّر موجات "الملحمة الكبرى" على أبواب حلب الغربية، وتلاشي أحلام المجموعات الإرهابية باختراق الحصار المفروض على أحياء حلب الشرقية، يُعلن الجيش السّوري عن هدنة جديدة، يوم الجمعة 4 تشرين الثاني 2016، تسمح بخروج المُسلّحين والمدنيين والجرحى والمرضى، من شرق حلب. المبعوث الأممي دي ميستورا الذي كان مُستعداً لمرافقة الإرهابيين مع "كرامتهم وأسلحتهم"، ردّ عبر المتحدث باسمه بأننا "لا نؤيّد إجلاء المدنيين إلا إذا كان ذلك اختيارياً !". بينما كان الاتحاد الروسي يجلي من المعابر الإنسانية اثنين من ضبّاطه المُصابين برصاص الإرهاب وقذائفه، ويؤكّد بأن طائرات سلاح الجوّ الروسي والسّوري لم تقصف حلب خلال الـ 19 يوماً الماضية.

 

بعد ألفِ عامٍ، مع سيفٍ في يده اليسرى، وصليبٍ في اليمنى، نهض المؤسّس الروحي للدّولة الروسية، الأمير فلاديمير، تمثالاً من البرونز ودرساً من التاريخ، أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي قال بأن على روسيا أن تواجه تحديات وتهديدات العصر الحديث، بالاستناد إلى القِيَم الأخلاقية ووحدة الشعب الروسي. لم تكن رسالة بوتين موجّهة إلى الداخل الروسي فقط، بل كان، "مع سيفه وصليبه"، يوجّه رسالة إلى من يهمّه الأمر!. من منتدى فالداي قال الرئيس الروسي بأنّ «حلف الناتو» لم يتكيّف مع الظروف الجديدة في العالم، وأنّ روسيا "لا تسعى إلى المواجهة مع أحد أو التوسّع أو الهيمنة في العالم". وتحدّث عن فشل " الاتفاقات الشخصية" مع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية حول تشكيل جبهة موحّدة لمكافحة الإرهاب، وأنّ قوى مُعينة في واشنطن كانت وراء فشل تنفيذ الاتفاقات الروسية الأمريكية. وأضاف مُحذّراً الدّول التي تدعم الإرهابيين بأنّ "المُتطرفين أذكى وأقوى منكم وإنكم ستخسرون دائماً في حال اللعب معهم". المُتحدثة باسم الخارجية الروسية ، قالت بأنّ غياب الإرادة الأمريكية في محاربة "جبهة النصرة"، هو دليل واضح على أنهم يقومون بحمايتها. ووجّهت أيضاً تحذيراً إلـى "الزملاء الأمريكيين"، بأنّه لا يمكن "ترويض الإرهاب". 

 

كانت الداخلية التركية تتهيّأ لاعتقال 11 نائباً في البرلمان التركي، من المُنتمين إلى حزب الشّعوب الديمقراطي، حين كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يقول، من قصره الرئاسي، على ضفاف البوسفور في إسطنبول، بأنّه جاء مع «حزب العدالة والتنمية»، بمفهوم جديد عن الديمقراطية والعلمانية، يختلف عمّا كان سابقاً. وحين عادت به "الجزيرة" القطرية، إلى سنوات مراهقته مع كرة القدم، قال الرئيس التركي بأنّه لعب بداية في خطّ الهجوم، ثم تراجع إلى خطّ الوسط، ثم إلى خطّ الدفاع. وأضاف بأنّه كان قريباً دائماً من المرمى، وسجّل الكثير من الأهداف، وأنّ حياته الرياضية لم تشهد سوى بطاقة حمراء واحدة. في حياته السياسية مع "الربيع العربي"، وجد أردوغان نفسه قريباً جداً من "المرمى"، قبل أن يتراجع إلى خطّ الدفاع، بعد أن سجّل الكثير من الأهداف في "المرمى التركي"، وبعد أن نال بطاقة حمراء روسية إثر "خطأ مُتعمّد" بإسقاط السوخوي الروسية، وكذلك بطاقة حمراء أمريكية عبر "الانقلاب الفاشل". وكان رجب طيب أردوغان، قد عبّر في لقاء صحفي عن عزم بلاده في الوقوف إلى جانب "إخوته في سورية والعراق"، في مكافحتهم للإرهاب، ودعمهم لـ"إخوته" بالقوة العسكرية والدبلوماسية. وقال بأنّ الجيش التركي لا ينوي الاقتراب من حلب، لأن "حلب ملك لأهلها"، وأنه يريد السيطرة على منبج والباب. مع انشغال الرئيس الأمريكي في أيامه الأخيرة مع حملة كلينتون الانتخابية، وخشيته على "سمعة أمريكا التي باتت على المحك"، يعلن بأنّ التدخّل الأمريكي في العالم، أدّى إلى ظهور مشكلات أكبر، وأنّ  "القدرة على تحديد إلى أين قد تؤدّي تلك التدخّلات، هي من أصعب المهام التي يواجهها أي رئيس للدولة". ومن وحي حكمة أوباما، يمكن القول بأنّ الرئيس التركي يثبت دائماً فقدان القدرة على تحديد نتائج تدخّلاته ورهاناته، وأن تراجعاً من خطّ هجومه نحو الدفاع، سيكون مصيره مع بطاقة حمراء روسية سورية.

 

 

الولايات المتحدة لا تتحمّل مسؤولية فشل وقف إطلاق النار الأخير فقط، بل وفشل كلّ المحاولات السابقة، وكلّ تحرّك أو مبادرة سياسية، هذا ما قاله الرئيس السوري بشّار الأسد في مقابلته مع صحيفة بوليتكا الصربية. واعتبر الرئيس الأسد بأنّ الغرب يستخدم "القناع الإنساني" الآن، لإيجاد مُبرّر لمزيد من التدخّل في سورية، مؤكدّا على قدرة الدولة السورية على تجاوز أزمتها خلال أقلّ من عام، في حال توقّف الدعم الإقليمي والغربي للإرهاب، وأنّ بُنية المجتمع السوري ستكون صحيّة أكثر بعد الحرب. أما عن الانتخابات الأمريكية فقال بأنّه لا مؤشرات أو علامات تدلّ على وجود تغيير جدّي في السياسة الأمريكية، أيّاً كان الرئيس الأمريكي القادم.