قطر تحت الحصار.. خطوة جديدة على طريق مشروع الشرق الأوسط الجديد!

يعتبر السعوديون دولة قطر الإبن العاق. فالقطريون بالنسبة لهم مجرّد فخذ سعودي تمرّد على عشيرته وانفصل عنها. ولابدّ للإبن العاق من أن يعود يوماً إلى عشيرته الكبيرة.

السعودية أُعطِيت ضوءاً أخضر أميركياً لإعادة قطر إلى بيت الطاعة
بعد أن غادر ترامب السعودية بوقت قصير، انطلقت الصواريخ الإعلامية السعودية والإماراتية الموجّهة عبر شاشات التلفزيون ومواقع الإنترنت المختلفة ضدّ قطر بدعوى دعم الإرهاب والانحياز إلى إيران وتخريب المنطقة.. بل إن هناك من خرج ليذكِّر أمير قطر بمصير محمّد مرسي في مصر.

ظنّ كثيرون أن الأمر مجرّد زوبعة في فنجان وأنه سيتوقّف عند هذا الحد. غير أن ما خرج أمس الإثنين، في ذكرى نكسة حزيران، من قرارات لقطع العلاقات مع قطر وإعلان غلق الحدود البرية والبحرية والجوية التي صدرت من عدّة دول، هي السعودية والإمارات والبحرين ومصر وجزر المالديف، يؤكّد أن الأمر جدّي وأن هناك خطة متكاملة قد يكون هدفها إسقاط النظام القطري عبر انقلاب عسكري أو افتعال حرب ضدّها، بشكل مباشر ومن خلال دعم المعارضة وتسليحها لتحقيق هذا الهدف، حيث لا يبدو أن السعوديين ومَن وراءَهم سيقبلون بأية تنازلات يقدّمها القطريون الذين لا يبدو عليهم، بدورهم، الاستعداد  لتقديم كل ما يُطلب منهم من تنازلات. وقد يكون هدفها أكثر خطورة، يريد إشعال المنطقة كلها وإغراقها في حرب الكل ضدّ الكل خدمة للمصالح الأميركية والصهيونية في المنطقة.

يعتبر السعوديون دولة قطر الإبن العاق. فالقطريون بالنسبة لهم مجرّد فخذ سعودي تمرّد على عشيرته وانفصل عنها. ولابدّ للإبن العاق من أن يعود يوماً إلى عشيرته الكبيرة. أراد القطريون منذ إنشاء دولتهم أن يختلفوا عن السعوديين ليس فقط في سياساتهم الخارجية بل حتى في مسائل شكلية مثل طريقة وضع "العقال" على الرأس وتفصيل الزيّ القطري "الدشداشة".

لم تخمد الهواجس القطرية من اعتداء السعوديين عليهم يوماً، ويُنقل عن الأمير القطري السابق حمد بن خليفة قوله: "كلما ننام نتوقّع تغزونا السعودية ليلاً!".. لم تختفِ العداوة القطرية السعودية رغم أنها دخلت لفترات في حال خمود، واستمر الحذر القطري حاضراً والغضب السعودي متأجّجاً. 

تبدو الآن الفرصة مناسبة في رأي السعوديين لإعادة قطر إلى بيت الطاعة بعد أن أُعطِيت ضوءاً أخضر أميركياً في زيارة ترامب الأخيرة كما أوضحت تغريداته اليوم. بدأ القصف الإعلامي بعد مغادرة الرئيس الأميركي مباشرة فتمّت نسبة تصريحات إلى أمير قطر نفتها حكومته واعتبرت أن موقع وكالة الأنباء القطرية تم اختراقه.

لا يبدو أن الهجوم سيتوقّف قبل تحقيق الأهداف المرسومة، وعندما يغرّد عبر تويتر رئيس لجنة العلاقات العامة السعودية الأميركية سلمان الأنصاري قائلاً: "إلى أمير قطر، بخصوص اصطفافكم مع حكومة إيران المتطرّفة وإساءتكم لخادم الحرمين، فأودّ تذكيركم بأن محمّد مرسي فعل نفس الشيء وتم عزله وسجنه"، فإن ذلك لا يعني شيئاً غير التهديد بالإطاحة بالأمير الشاب بشكل واضح ومباشر.

ستكون مصادفة عجيبة نشر ثلاثة عشر مقالاً في الصحافة الأميركية حول الخطر الذي تشكّله قطر على الاستقرار في المنطقة بعد زيارة ترامب إلى السعودية. إذ متى كان الإعلام الأميركي يُعطي كل هذه الأهمية لقطر؟ من الواضح أن الهجوم على قطر دُبِّر بليل - أو نهار، لا فرق - مع سبق الإصرار والترصّد. لكن السؤال قد يكون حول التوقيت والسبب.

لم تشفع للقطريين مساهمتهم في العدوان على اليمن إلى جانب السعوديين والإماراتيين.. ولم يشفع لهم التمويل الباذخ لمجموعات مقاتلة وإرهابية في سوريا ضدّ الجيش السوري وحلفائه، ولم يشفع لهم إرسال قواتهم للمساهمة في حماية الحدود السعودية الجنوبية مع اليمن، وهو ما لم تقدم على فعله حتى مصر التي تشارك في التحالف. ولم يشفع لهم تسليم معارض سياسي إلى السعودية في اليوم نفسه الذي تعرّضت فيه للهجوم بحجّة تأييدها لإيران. إن ذلك كله له دلالته بعد تلك الرقصة الشهيرة للرئيس الأميركي.

لا نتصوّر أبداً أن المسألة مجرّد سحابة صيف عابرة بعد تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، الذي اعتبر أن قرار عدد من الدول العربية قطع علاقاتها مع قطر يمثّل فرصة ممتازة لتوحيد الجهود مع إسرائيل في محاربة الإرهاب، مؤكّداً أن  قرار الدول التي قطعت علاقاتها مع قطر خشية "الإرهاب"، تُمكّن إسرائيل، في حقيقة الأمر، من مدّ يدها لها للتعاون في المعركة ضدّ الإرهاب.

وفي تقدير صحيفة "جيروزليم بوست" هناك"خمسة أسباب تجعل إسرائيل معنية بالأزمة القطرية"، هي: أن الأزمة تضرّ بحماس. وتمهّد للتقارُب بين إسرائيل من جهة والسعودية ودول الخليج الأخرى ومصر من جهة أخرى. وتثبت عودة النفوذ الأميركي إلى المنطقة. وتنزع الشرعية عن "الإرهاب". وكذلك تساهم الأزمة في تعزيز مواقع إسرائيل في المنطقة بشكل عام ومواقع الحكومة الإسرائيلية الحالية بشكل خاص.

وقد كانت تغريدة السفير الإسرائيلي في أميركا مايكل أوران على تويتر واضحة في ترحيبها بالأزمة عندما أعلن: "انتهاء عصر التحالف العربي ضدّ إسرائيل.. وبداية عصر تحالف عربي إسرائيلي ضدّ قطر التي تدعم الإرهاب".

هذه التصريحات تؤكّد ما تضمّنته وثيقة سرّبتها قطر بعد انطلاق الهجوم الإعلامي السعودي الإماراتي، والتي تتحدّث عن الخطوات الأميركية القادمة بالاتفاق مع السعودية والإمارات لبناء "الشرق الأوسط الجديد".. ومن تلك الخطوات: تدبير انقلاب في قطر أو عزلها دولياً، ومحاصرة جماعة الإخوان المسلمين دولياً، وإغلاق وسائل إعلامها وتصنيفها جماعة إرهابية ومصادرة أموالها.

وكذلك توجيه ضربة إسرائيلية لقطاع غزّة وتسهيل تدخّل برّي مصري لإحداث فوضى تؤدّي إلى تمكين رجال المستشار الأمني لمحمّد بن زايد القيادي المفصول من حركة فتح محمّد دحلان في القطاع. وعزل الأمير محمّد بن نايف وتعيين وليّ وليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان وليّاً للعهد بمباركةٍ أميركية. وإقامة علاقات رسمية ومُعلنة بين الدول العربية وإسرائيل وتسوية القضية الفلسطينية على حساب الأراضي المصريّة.. وهذا يعني أن هناك قراراً بتصفية جماعة "الإخوان" وداعميهم في كل العالم مثل قطر. كما قد يعني تقوية القريبين من الجناح السعودي الإماراتي حتى لو كان ذلك بشكل مؤقت..

 مَن يتابع تصريحات الإسرائيليين وتهليلهم يفهم أن إسرائيل هي المستفيد من الهجوم على قطر وضرب حصار عليها. ولأجل ذلك من المهم أن نقرأ ما يحدث في الخليج، تماماً كما في العراق وسوريا والمنطقة كلها، في إطار المشروع الأميركي الصهيوني المُعلن: "الفوضى الخلاّقة": من أجل "الشرق الأوسط الجديد". ليس المال هدفاً بذاته بالنسبة إلى الأميركي فهو أصلاً موضوع في بنوكه.. ولا هو النفط لأن هذا النفط واقع بالفعل تحت سيطرة الشركات الأميركية والغربية التي يعرف الجميع من يملكها..

يستغلّ الأميركيون والإسرائيليون مطامح محمّد بن سلمان في العرش والمطامع السعودية في ضمّ الدولة الجارة، لتحريض المملكة المُتهالكة هي وحلفائها ضدّ قطر، ليس لأن قطر عدوّة لإسرائيل، فهذا لا واقع له بالنسبة إلى دولة تُقيم علاقات علنية معها وتقدّم ما يمكنها خدمة لمصالح الكيان الغاصب، بل لأن الدور القطري انتهى، والدور الإخواني انتهى أيضاً. وأصبح الهدف هو إدخال المنطقة كلها في حروب وفوضى من أجل صناعة واقع جديد ورسم خريطة جديدة للمنطقة، يُسمّيها البعض سايكس بيكو جديد، تكون فيه إسرائيل أقوى وأكبر وأكثر نفوذاً وقوة وتحكّماً في المنطقة. لقد استُخدِمت السعودية حتى الآن لتدمير العراق وسوريا، وهي الآن تُستخدَم لتدمير منطقة الخليج كلها قبل الانقضاض عليها هي نفسها.