بين عقليّتي رجل الأعمال والكازينو.. ماذا ينتظر العالم عندما يواعده الجنون؟

سلوك ترامب أفاض في عقول الإسرائيليين أنفسهم سيلاً من القلق، فتساءل كوبي ريختر في مقال نشرته يديعوت أحرنوت، عن جدوى الانتظار الإسرائيلي في ما يتعلّق بملف التسوية مع الفلسطينيين أمام شخصية ترامب كرجل أعمال، يؤمن بالضرورة أن الصفقة هي ما يحقّق المصالح للطرفين معاً، وبين شخصية ترامب لاس فيغاس الذي تُعدّ الصفقة في نظره من خلال الأوراق الذي يوزّعها الوسيط في الكازينو على اللاعبين.

ربما ستمنع لغة المال والأعمال أن يصعد ترامب النهج وصولاً لحربٍ دولية لا تُبقي ولا تذر
غريبةٌ هي المشاهد والسلوكيات التي تصدر عن " سيّد " البيت الأبيض دونالد ترامب ، سلوكياتٌ لا تخلو من " الجنون " الذي يترك جملة من إشارات الاستفهام ويخلّف الكثير من " الدهشة " المجبولة بالضحك، حول تعاطي ترامب مع التطوّرات السياسية، ومايُبديه من صوَر سياسية تختلط فيها مفاهيم الجنون والتعالي وربما الحماقة.

لم يعد جملة مايتراكم من تصرّفات لترامب، سواء بإعلانه عبر لقاء صحفي بُعَيد العدوان على مطار الشعيرات، لجهة توجيه بلاده ضربة قاسية للعراق قبل أن تستدرك الصحفية خطأه الذي ينفي توازن الرجل سياسياً، مروراً بصوَر الاستعلاء واللامُبالاة عندما رفض مُصافحة ميركل، أو حتى عندما أطلق كلاماً مغايراً في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الإيطالي حول الدور الأميركي في ليبيا، ليتبيّن أن ترامب لم يكن يضع وقتها سمّاعة الترجمة للانكليزية، كل هذه الصوَر لم تعد تعكس الغرابة، بقدر التحوّل الكلّي والمُريب لما كان يطرحه الرئيس الجديد قبيل وصوله للبيت الأبيض، بأن ما يحدث في سوريا جنون يحب أن يتوقّف، وأنهم ليسوا بخالقي ومُنشئي أمم، في إشارة للانفصال الكردي في الشمال السوري مروراً بتصريحه عقب الضربة العسكرية لسوريا، بأنه يمكن للسلام أن يتم في ظلّ بقاء الأسد، وفي النهاية ستعود العلاقة إلى طبيعتها مع موسكو، وتتحقّق التسوية.
 

سلوك ترامب  أفاض في عقول  الإسرائيليين أنفسهم سيلاً من القلق، فتساءل كوبي ريختر في مقال نشرته يديعوت أحرنوت، عن جدوى الانتظار الإسرائيلي في ما يتعلّق بملف التسوية مع الفلسطينيين أمام شخصية ترامب كرجل أعمال، يؤمن بالضرورة أن الصفقة هي ما يحقّق المصالح للطرفين معاً، وبين شخصية ترامب لاس فيغاس الذي تُعدّ الصفقة في نظره من خلال الأوراق الذي يوزّعها الوسيط في الكازينو على اللاعبين.
 

في تدقيق لا يحتاج للكثير من التعمّق لإدراك خطورة ما يجول في رأس ترامب والُمفرزات التي من المحتمل أن تنفجر في أية لحظة، ولاسيما في منطقة مُلتهبة أساساً، وعندما يتقرّر مصير الشرق الأوسط وربما العالم من خلال " جرّة قلم "، يخطّها رجل يفكّر بذهنية مالية بحتة، أو حتى بذهنية الكازينو ويوزّع الأوراق على اللاعبين السياسيين على قاعدة الابتزاز المالي، ولو كانت النتائج مزيداً من الحرائق والنيران من دون التفكّر بنتائج امتداداتها.
 

ما أطلقه جيمس ماتيس وزير الدفاع الأميركي من الرياض لجهة أن بلاده ستتصدّى لجهود إيران في زعزعة استقرار المنطقة، وحيث توجد المشكلات توجد إيران، وكذلك تفاؤل وليّ وليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان  بعهد ترامب، وأن واشنطن أكملت إنجاز تحالفاتها، وأن السعودية ستتلقّى المزيد من الدعم الأميركي للحسم في اليمن، إضافة إلى حديث سيرغي لافروف بأن واشنطن وحلفاءها يسعون لنسف القرار 2254 واسقاط النظام في سوريا، عندما يعرقلون أي جهد دولي لمعرفة حقيقة استخدام الأسلحة الكيميائية، ولا ننسى ما قاله الأسد من خطط على الحدود الأردنية وما يتم الحديث عنه من تواجد كثيف لقوات بريطانية أميركية هناك، إضافة " للأبلسة " الأميركية في الشمال والشمال الشرقي السوري، وآخرها الإنزال الأميركي في منطقة البوكمال، كل ذلك لا يمكن إلا أن يكرّس فتيلاً لإشعال المحظور، ولو كانت العناوين العريضة " قِتال داعش " إلا أن العبرة في التفاصيل والكواليس.
 

لا نعرف إن كان المال أمام عقل ترامب  سيتجاوز الخط الأحمر أم لا، الذي وقف عنده وحّدده في السابق جون كيري عندما ردّ على أحد المُعارضين السوريين ( هل تريدوننا أن نخوض حرباً عالمية مع روسيا من أجلكم).

ربما ستمنع لغة المال والأعمال أن يصعد ترامب النهج وصولاً لحربٍ دولية لا تُبقي ولا تذر، ولاسيما عندما تصل النيران إلى محيط " التاجر "، لكنها لا تمنعه من  المضي قدماً ( وبعيداً ربما عن منطق السياسة)، على قاعدة الجنون فنون في تعبئة الجيوب ونهب الشعوب.