معركة طرابلس قد تكون مسألة حاسمة في ليبيا

بين الدوحة وباريس يبدو أن تفاصيل ساعة الصفر تتجمع في ظل تسابق بين القوى المتناحرة، بعد فشل اتفاق الصخيرات في إيصال أفكار إنهاء الصراع في ليبيا إلى بر الأمان. ففي باريس تحاول القوى التي ما زالت تؤمن بقدرة رئيس الحكومة فايز السراج على إيجاد حلول تمنع الانفجار، وتحاول مستندة إلى الدعم الإقليمي والدولي للحكومة ورئيسها في استكمال تطبيق الاتفاق بآليات تكفل تحويل بنود الاتفاق إلى قوة على الأرض.

القوى المتمركزة داخل العاصمة طرابلس والمناطق القريبة منها تسعى لتثبيت مواقعها
العاصمة طرابلس التي تتنازع فيها قوى متناحرة تحاول فرض سيطرتها الميدانية على أكثر النقاط فائدة لها، تعيش حالة فوضى ورعب نهاري وليلي في الاشتباكات على المحاور بين الكتائب والدروع والمليشيات متعددة الولاءات القبلية والسياسية والدينية. فضلاً عن عصابات الجريمة المنظّمة التي تحول وجودها إلى حقائق فاعلة في الشارع. ووراء كل ذلك تستند قوات الجيش والأمن الليبي التابعة لرئيس الحكومة إلى البوارج العسكرية الأجنبية في القاعدة البحرية بطرابلس حيث يوجد الحكم وأركانه.


وفي الدوحة تسعى القوى التي كانت تعتقد أن زمن التمكين قد هلّ لمحاولة لململة شتات ما تبقى لها على الأرض من قوى تتجمع تحت رايات جماعات راهنت عليها قطر لجعلها القوى الفاعلة الوحيدة على الأرض. لكن ميزان القوى لم يكن في مصلحتها لمحاولة حسم الموقف لمصلحتها منذ سقوط نظام القذافي.


التحالف بين الجماعة الإسلامية المقاتلة، والإخوان المسلمين، وبقايا قوات فجر ليبيا، كما التحالف الجديد بين مفتي طرابلس علي الصلابي وزعيم القاعدة في المغرب والصحراء مختار بلمختار، يحاولون تجميع أنفسهم في الاستعداد للمعركة القادمة في طرابلس، في ظل تراجع التأييد الشعبي لهذه المجموعات وعودة قوية لمدرسة الإسلام التقليدي الصوفي التي تفرض وجودها بقوة في المشهد السياسي وبعداء واضح وعميق للقوى الأخرى.


القوى المتمركزة داخل العاصمة طرابلس والمناطق القريبة منها تسعى لتثبيت مواقعها في ظل تصاعد الخلافات بينها في محاولات التوسع، لفرض السيطرة على المناطق التي يمكن أن تشكل مصادر للدخل في ظل تصاعد أزمة السيولة النقدية التي تعاني منها ليبيا منذ أشهر، والتي حولت العديد من المجموعات المسلحة داخل المدينة إلى مجموعات متهمة بخطف أبناء العائلات الميسورة ومطالبتها بدفع الفدية وبأرقام خيالية وصار الخطف عنواناً يومياً في حياة المدينة.


على الجانب الآخر وفي الشرق الليبي يقف الفريق "خليفة حفتر" يتابع تصاعد الأزمة وصراع الأخوة الأعداء في طرابلس دون أن يكون معنياً في هذه المرحلة بدخول مغامرة جديدة بعد سيطرته على الموانئ النفطية ومنطقة الهلال النفطي. وفي سرت التي تحارب فيها كتائب البنيان المرصوص بمشاركة قوات، تنظيم داعش في المدينة، صارت الحرب مرة أخرى ضمن مفاهيم الحرب على الإرهاب التي بدأت في أفغانستان منذ خمس عشرة سنة. ولم تنتهِ في العراق منذ ثلاث عشرة سنة ولا يبدو أنها ستنتهي وفي اليمن منذ أكثر من عشر سنوات، وأخيراُ في سرت التي تحولت إلى مدينة يصعب السيطرة عليها برغم أن مئة إرهابي من "داعش" عجزت القوات التي تحاصر المدينة عن تصفيتهم.


يتحول المشهد في العاصمة الليبية طرابلس مع تصاعد الغضب الشعبي والاحتقان ضد الجماعات المتطرفة والعصابات في المدينة، وفي ظل عدم قدرة الجيش وقوات الأمن التابعة لرئيس الحكومة فايز السراج على ضبط الأوضاع، مما قد يمهد لظهور قوى من داخل المجتمع وبدون انتماءات حزبية ولكنها قريبة من الإسلام الصوفي التقليدي في ليبيا تقلب التوازنات الهشة التي تحكم الوضع الحالي وتعيد صياغة جديدة متناغمة مع الحال في الشرق الليبي في إطار محاولات الخروج بحل ممكن من الأزمة التي دخلتها ليبيا منذ سقوط نظام القذافي.


الفشل السياسي لحكومة فايز السراج والصراع بين المليشيات والعصابات وانعدام الأمن في طرابلس بعد خمس سنوات على هيمنة جماعات مسلّحة على المشهد في العاصمة الليبية والخوف من القادم، يجعل من تحديد ساعة الصفر لإعادة تقسيمها وإخراج الأطراف الأضعف من الساحة، قضية وقت قد لا يطول، لأن الجميع يحاول التسابق مع الوقت لكسب ما يحسّن موقعه في السيطرة على المشهد السياسي والمالي الذي تحول إلى الهمّ اليومي لكل الليبيين في ظل أزمة مالية خانقة طالت ولا يبدو أن لها حلول غير تحول واحدة من أكبر الدول المنتجة للنفط في المتوسط إلى دولة تلجأ إلى القروض الدولية لصرف رواتب موظفيها.