النفاق الذي يرتد على بريطانيا

قصص الابتزاز والإرهاب الإسرائيلية ضد أصدقائها الغربيين معروفة وكثيرة، ولعلّ أشهرها قوانين معاقبة "المشكّكين بالهولوكوست"، والتي قضى بسببها العديد من المؤرّخين سنوات في السجن إضافة الى تحطيمهم مادياً ومعنوياً، وهي بمثابة فضيحة في دول تدّعي الديمقراطية وحرية الرأي. ولم تسلم أميركا التي تقدّم لإسرائيل ما يُقدّر بـ 6 مليارات دولار كل عام، ثلاثة منها بشكل مباشر. ولعلّ أشهر قصص تلك العلاقة الغريبة، قصة ضرب السفينة الحربية الأميركية "يو اس إس ليبرتي" وقتْل 34 بحاراً وجرح 174 آخرين عدا الإهانة التي لحقت بواشنطن. وكان ذلك 1973 أثناء حرب الأيام الستة، وبغرض إلقاء التهمة على العرب، وتوريط أميركا بالحرب إلى جانب إسرائيل.

هذا الاستسلام لضغط النفوذ القوي، ودعمه بكميات هائلة من المال والسلاح لم يسبّب الأذى للفلسطينيين والعرب وحدهم، بل ارتدّ آذاه على الدول التي دعمت ذلك المشروع اللاأخلاقي

ربما تفشل محاولة ناشطين بريطانيين لجمع عدد كاف من التواقيع لدعوة الحكومة للاعتذار عن "وعد بلفور" سيّىء الصيت، والذي تسبّب في قتل عشرات الآلاف وتهجير أكثر من 700 ألف فلسطيني من ديارهم، والذين يبلغون اليوم أكثر من 5 ملايين إنسان مُشرّد. وأسوأ من هذا أن رئيسة الوزراء البريطانية صرّحت بأن على بريطانيا أن تفخر بدورها في خلق إسرائيل.

الوعد الذي تضمّنته رسالة من وزير الخارجية البريطاني بلفور عام 1917 (خلال الحرب العالمية الأولى) إلى أحد زعماء الصهيونية، الثري اليهودي روتشيلد، بإقامة وطن قومي لليهود، لغرض كسبهم في الحرب. وتضمّن الوعد نصاً منافقاً مستحيل التنفيذ بعدم الإضرار بمصالح من أسمتهم تلك الوثيقة "المجاميع السكانية من غير اليهود!"، بينما تعامل مع الأقلية اليهودية وكأنها تمثّل "الشعب" الأساسي الذي يسكن فلسطين.

بعد ذلك ارتُكِبت المجازر مثل دير ياسين تحت سمع وبصر قوات الانتداب البريطانية التي لم تحرّك ساكناً لأداء واجبها في الدفاع عن الضحايا، وتوالت المواقف اللاأخلاقية لبريطانيا في فلسطين. فمن المعروف أن تنفيذ هذا الوعد كان قد حدث بالقوّة وبالضدّ من مصلحة بريطانيا ذاتها وإرادتها. فقد ارتكبت المنظمات الإرهابية اليهودية عدداً من الاغتيالات والتفجيرات في فلسطين ضدّ البريطانيين للضغط على الحكومة في تنفيذ وعدها.

وأشهر تلك العمليات كان تفجير فندق الملك داوود في القدس في فترة الانتداب البريطاني، (1946) حين أعطى مناحيم بيغين (رئيس الوزراء الإسرائيلي في ما بعد) الأوامر لمنظمة الأرجون الصهيونية بتنفيذه. وكانت حكومة الانتداب البريطانية تتّخذ من الفندق مركزاً لها، وتسبّب الانفجار في قتل عشرات البريطانيين وأضعاف العدد من الجرحى. والأدهى من ذلك أنه حين أوصت بريطانيا جنودها بتجنّب المتاجر والمصالح اليهودية حفاظاً على حياتهم، اتّهمت أجهزة الدعاية الصهيونية بريطانيا باللاسامية واضطرتها مرة أخرى للخنوع والتراجع!

هذا الاستسلام لضغط النفوذ القوي، ودعمه بكميات هائلة من المال والسلاح حتى تغوّل، لم يسبّب الأذى للفلسطينيين والعرب وحدهم، بل ارتدّ آذاه على الدول التي دعمت ذلك المشروع اللاأخلاقي، فتحوّل ما خلقوه إلى كيان مُخيف يبتزّ هذه الدول كلها بلا استثناء، ويعاملها بلا أباليه واحتقار. لكننا سنكتفي هنا بالإشارة إلى معاملة إسرائيل لأهم دولتين في تكوينها، أي بريطانيا وأميركا. فإسرائيل لم تكتفِ بانتخاب  مناحيم بيغن رئيساً لحكومتها، إنما تحتفل بقتل البريطانيين في تلك الجريمة كل عام. وفي عام 2006 كان رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي بنيامين نتنياهو يحتفل مع أعضاء سابقين في منظمة الإرجون بالذكرى الستين للتفجير. ولم يستطع السفير البريطاني في تل أبيب أن يقول أكثر من: "لا نعتقد أنه من الصواب الاحتفال بذكرى عمل إرهابي أدّى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا".

قصص الابتزاز والإرهاب الإسرائيلية ضد أصدقائها الغربيين معروفة وكثيرة، ولعلّ أشهرها قوانين معاقبة "المشكّكين بالهولوكوست"، والتي قضى بسببها العديد من المؤرّخين سنوات في السجن إضافة الى تحطيمهم مادياً ومعنوياً، وهي بمثابة فضيحة في دول تدّعي الديمقراطية وحرية الرأي.  ولم تسلم أميركا التي تقدّم لإسرائيل ما يُقدّر بـ 6 مليارات دولار كل عام، ثلاثة منها بشكل مباشر. ولعلّ أشهر قصص تلك العلاقة الغريبة، قصة ضرب السفينة الحربية الأميركية "يو اس إس ليبرتي" وقتْل 34 بحاراً وجرح 174 آخرين عدا الإهانة التي لحقت بواشنطن. وكان ذلك 1973 أثناء حرب الأيام الستة، وبغرض إلقاء التهمة على العرب، وتوريط أميركا بالحرب إلى جانب إسرائيل.

لم تتّخذ الحكومة الأميركية أيّ إجراء بحق إسرائيل، ولا فعلت ذلك حين قام سائق جرّافة إسرائيلي بقتل الناشطة الأميركية راشيل كوري التي وقفت بينه وبين هدمه لبيت فلسطيني، وتجاهلت كذلك اكتشافها لعدّة شبكات تجسّس إسرائيلية عليها، أو اكتفت باعتقال بعض أعضائها.

لكن آخر فضيحة لهذه العلاقة هي ما نُشر مؤخّراً من خبر اشتراط إحدى الولايات الأميركية على مواطنيها المنكوبين بإعصار هارفي، التعهّد بعدم مقاطعة إسرائيل كشرط لحصولهم على المساعدات. ويمكننا أن نأتي بأمثلة مشابهة لمعظم دول أوروبا الغربية والشرقية الصديقة لإسرائيل، وأيضاً العربية منها.