قوّة الدولة استناداً إلى قدرات حزب الله

رفضُ لبنان الرسمي للمقترح الأميركي، بتقسيم البلوك بين لبنان وكيان الأحتلال، دفع تليرسون إلى إطلاق تصريحات تهاجم الدولة اللبنانية بأكملها. الوزير الأميركي في مزاعمه حول حزب الله، وجناحيه العسكري والسياسي، يُلمّح إلى أن "الحكومة اللبنانية إرهابية"، بما أن الحزب مكوّن أساسي فيها كما أقرَّ في الأردن، ما يُعتبَر رداً أميركياً على الموقف اللبناني من طرحه.

تيلرسون كان صائباً، بغضّ النظر عن التوصيف. نعم، لا فرق بين حزب الله العسكري وحزب الله السياسي، وهذا ما يؤكّده الحزب دائماً

في عمّان وعشية زيارته إلى بيروت، اعترف وزير الخارجية الأميركية ريكس تليرسون، بأن "حزب الله جزء من العملية السياسية في لبنان". ولدى وصوله إلى بيروت، زعم تليرسون بأن "حزب الله منظمة إرهابية ولا فرق بين حزب الله العسكري وحزب الله السياسي".

في المشهد بين المحتطين، يتّضح بأن الوزير الأميركي أرسل من عمّان إشاراتٍ لبيروت، فحواها أن الموقف الأميركي من لبنان الرسمي، مرتبط بردّة الفعل اللبنانية، على طرحه بما يخصّ ملف الغاز والبلوك رقم 9.

رفضُ لبنان الرسمي للمقترح الأميركي، بتقسيم البلوك بين لبنان وكيان الأحتلال، دفع تليرسون إلى إطلاق تصريحات تهاجم الدولة اللبنانية بأكملها. الوزير الأميركي في مزاعمه حول حزب الله، وجناحيه العسكري والسياسي، يُلمّح إلى أن "الحكومة اللبنانية إرهابية"، بما أن الحزب مكوّن أساسي فيها كما أقرَّ في الأردن، ما يُعتبَر رداً أميركياً على الموقف اللبناني من طرحه.

تليرسون كان صائباً، بغضّ النظر عن التوصيف. نعم، لا فرق بين حزب الله العسكري وحزب الله السياسي، وهذا ما يؤكّده الحزب دائماً، إلا أن تصريحات تليرسون تلك تظهر التخبّط الأميركي، في التعامل مع حكومة رئيسها سعد الحريري، الذي قال تليرسون هذا الكلام بمحضره، إلى جانب كون تصريحه هذا، موجهاً انتخابياً  مع اقتراب الانتخابات النيابية، بما يحمله وصف الجناح السياسي، من دلالات في هذه المرحلة.

واشنطن وصلت إلى حائطٍ مسدود من الخيارات في مواجهتها لحزب الله، لم تعد المواربة وتأجيل الأزمة نافعاً. الأدوات التي حرّكتها الإدارة الأميركية انهزمت وانكشفت بهزيمتها واشنطن أمام محور المقاومة مع تبدّد الحواجز التي وضعتها لتمرير سياساتها العدائية ضده.

لبنانياً تكمن المشكلة عند الأميركي، أنه سيواجه في المرحلة الحالية حزباً يتمتّع بحاضِنة شعبية وغطاء سياسي في أعلى سلطات الدولة اللبنانية، ظهرت معالمها في الثقة التي تحدّث بها الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، حول استعداد المقاومة لضرب منصّات الغاز في "بحر فلسطين المُغتصَب" بطلبٍ من مجلس الدفاع الأعلى اللبناني، وهو أعلى سلطة عسكرية في البلاد. الجديد هنا ليس استعداد المقاومة، بل موقف السيّد الذي تزامن مع وصول تليرسون ومحاولته فرض شروطٍ على الجانب اللبناني بما يخصّ الغاز والنفط. والجدير ذكره، أن لبنان لم يفاوِض، من منطلق أن هذا الحق لا يفاوَض عليه، إلى جانبِ أنه لا مفاوضات مع كيان الاحتلال، غير المعترف به لبنانياً، لتتداخل مصادر القوّة ببعضها، حيث أن السيّد نصرالله أطلق تصريحاته مُعتمداً على ثبات الموقف الرسمي، فيما تمسّك لبنان الرسمي بموقفه، مستنداً إلى قوّة المقاومة، في إثباتٍ واضحٍ على أن قوّة لبنان بقوّته، لا بضعفه.

كلام السيّد حول استهداف الغاز في "بحر فلسطين" بطلب من مجلس الدفاع  اللبناني موجه ببعدين: الأول ضد كيان الاحتلال كقوّة عسكرية رادِعة، والثاني ضد الولايات المتحدة كقوّة سياسية، تفرض استراتيجية دفاعية تحت سقف الدولة، وهو ما حاولت واشنطن الالتفاف عليه وضربه من قبل، إلا أنها اليوم في عهد لبناني، رئيس جمهوريته ميشال عون ورئيس مجلس نوابه، نبيه بري، عاجزة عن ذلك، لا سيما وأن الحريري لا يمتلك اي قرار او تأثير سياسي، بسبب السياسة السعودية الفاشلة، التي أخرجت حلفاءها من دائرة التأثير. وفي هذا، فرض السيّد نصرالله استراتيجية دفاعية وطنية، لا يمكن رفضها، ولن يستطيع أحد رفضها، وإلا سيكون في مواجهة مع الموقف اللبناني الرسمي بالدرجة الأولى، لا مع حزب الله.

الولايات المتحدة تدخل الآن الساحة اللبنانية لمواجهة حزب الله، أي أنها تحاول نقل المواجهة الى مركز انطلاقته، بعدما فشلت  في الجبهات التي يتواجد فيها الحزب، على عكس المتعارف عليه، حيث أن مواجهة أية جهة يتحتّم ضربها في مرقدها قبل أن تنتشر، إلا أن الباب تلو الآخر يُغلَق بوجه الأميركي، بدءاً من رئاسة الجمهورية، وصولاً إلى رئاسة مجلس النواب كما هو معهودٌ منها تاريخياً، ومروراً بقيادة الجيش اللبناني، بحسم الجيش معركة الجرود في العام الماضي متجاوزاً الإملاءات الأميركية والضغوط التي مارستها واشنطن في تلك الفترة، لمنع العملية، والتي وصلت إلى حد التهديد بوقف المساعدات.

الأشهر المقبلة ستكون حاسمة نوعاً ما، في الاستراتيجية الأميركية المُتّبعة اتجاه لبنان، لكن ما يجب الالتفات إليه أن التصعيد السياسي بلغ ذروته باحتجاز السعودية للحريري منذ أشهر والذي ولم يسفر عن أية نتيجة، فمهما حاولت الولايات المتحدة التملّص من فعل وليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان حينها فإن الغطاء الأميركي يبدو واضحاً في التفاصيل، من جهة التوقيت أو من جهة ما كشفته الصحف الأميركية بأن حملة الاعتقالات التي نفّذها إبن سلمان، كانت مدعومة من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.

إذاً، ومع خروج لبنان متماسكاً من أزمة احتجاز الحريري، وما كان سيترتّب عليها من أزمات داخلية يصاحبها عدوان إسرائيلي كما أعلن السيّد حسن نصرالله في تلك الفترة، فإن واشنطن تكون قد مارست أقصى الضغوط السياسية عن طريق "رجلها" إبن سلمان، وما دون ذلك يبقى محاولاتٍ يائسة لفرض أقل الشروط المُمكنة، والتي ستتصاعد وتيرتها مع اقتراب الانتخابات النيابية، التي توليها الإدارة الأميركية أهمية قصوى لاعتبارات مرتبطة بحزب الله وحلفائه.

في الداخل اللبناني يُنظر للانتخابات على أنها منافسة بين عدّة أطراف ممكن أن يجمعهم تحالف وممكن أن يفرّقهم، كما هي حال حزب الله والتيار الوطني الحر في بعض الدوائر، فيما ينظر إليها خارجياً وعلى وجه الخصوص أميركياً، بأن حزب الله وحلفاءه ممكن أن يستحوزوا على أغلبية في المجلس، بغضّ النظر إذا فاز التيار الوطني في تلك الدائرة أم فاز حزب الله أم تيار المردة أم حركة أمل أم بعض المستقلّين المُقرّبين من الحزب.

الولايات المتحدة تنظر إلى تلك الأطراف كحليفة لحزب الله، فمهما تفرّقت في الدوائر الانتخابية، فهي تتّفق على أن "حزب الله مستعد لضرب منصّات الغاز الإسرائيلية بقرارٍ رسمي من المجلس الأعلى للدفاع اللبناني"، وهو ما يوضح كلام السيّد حسن نصرالله الذي شدّد على أن المعركة الانتخابية ليست عامودية، ويؤكّد في الوقت ذاته المخاوِف الأميركية التي أيقنت أن الساحة اللبنانية غير قابلة للاهتزاز سياسياً، فيما يبدو القفز إلى خيارٍ عسكري، كانتحار استراتيجي من قِبَل واشنطن.

الخيار العسكري، تم إسقاطه من الأولويات الأميركية أقلّه في تلك المرحلة، مع إسقاط الطائرة الإسرائيلية من قِبَل الدفاعات الجوّية السورية فوق الجليل الأسبوع الماضي. محور المقاومة وفي بعض جوانب وخلفيات قرار إسقاط الطائرة، سلب من تليرسون أية محاولة للتهديد عسكرياً، كمقدّمة لرفض الإملاءات التي جاء يفرضها على لبنان والمنطقة بشكل عام، والتي تشمل محور المقاومة، بما أنها ترتبط بالمواجهة مع إسرائيل. هذا جزء بسيط من نتائج عملية إسقاط الطائرة، التي بلا شك وباعترافٍ إسرائيلي، غيّرت وبدّلت في قواعد الاشتباك، وفي موازين القوى.

بناءً على ما تقدّم، فإن السيّد حسن نصرالله، دعا الدولة اللبنانية، إلى توجيه تهديد لتيلرسون بضرورة تنفيذ ما تطلبه بيروت "كي تردَّ الأخيرة حزب الله عن "تل أبيب" لا العكس". كلام سماحة السيّد، بالتزامن مع ما رافق زيارة الوزير الأميركي من أحداث، يستند إلى دراية تامة، من قِبَل حزب الله بأن التهويل بالحرب، لم يعد في جعبة تليرسون، الذي غادر بيروت، يجرّ أذيال طائرة "الـ f16"  المُحطّمة في الجليل خلفه.