عفرين والدروس المُستقاة

بهدوء وتروٍ وحكمة حقّقت الحكومة السورية إنجازاً آخر بدخولها عفرين وأعادت بسط سيطرتها على منطقة جديدة ضمن جغرافيتها المُعترف بها، وهي بذلك أيضاً عزّزت ثقة المواطن السوري الكردي بها، بعد ما حاول الحلف المُعادي لها وخلال سنوات الحرب السبع زعزعتها وتغذية النفس الانفصالي لاستخدامهم أداة لتقسيم سوريا وإضعاف الدولة السورية.

دخول القوات الشعبية السورية الموالية للجيش السوري إلى عفرين

قد لا يختلف إثنان على أن مشهد دخول القوات الشعبية السورية الموالية للجيش السوري إلى عفرين، ومشهد استقبالهم الحاشِد والحافِل من قِبَل المواطنين السوريين القاطنين فيها، هو نصر آخر يُضاف إلى الانتصارات التي تحقّقها الدولة السورية بدعم من حلفائها، وخسارة أخرى يُمنى بها النظام التركي ورئيسه أردوغان مع استمرار مواصلته الكذب والادّعاء بأن الدولة السورية لم تدخل إلى عفرين، الأمر الذي ربما يفسّره البعض بأنه محاولة لتضليل الرأي العام والتركي منه على وجه الخصوص، لحفظ ماء وجه الحكومة التركية التي كانت قد أعلنت مع بدء حملتها العسكرية ضد عفرين بأنها ستكون خاطفة وسريعة ولن تأخذ أكثر من أيام معدودات.

وبعد هذا المشهد فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو السؤال عن السيناريوهات المُحتمَلة في عفرين، فهل ستواصل تركيا عدوانها ضد أراضٍ سورية وتنتهك سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة على الرغم من سقوط ذرائعها لهذا العدوان؟

يقول صوت المنطق إنه ليس من المصلحة التركية الدخول في حرب مع الدولة السورية، خصوصاً مع ما يواجهه أرودغان وحزبه " العدالة والتنمية" في الداخل من انتقادات ومعارضة لحربه في عفرين، إضافة إلى توتّرات تركية على ساحات أخرى كمصر واليونان وغيرهما، ناهيك عن المشاكل الداخلية، وقد يُفَسر تصريح المتحدّث باسم الحكومة التركية بكير بوزداغ حول إمكانية التواصل بشكل مباشر أو غير مباشر من قِبَل استخبارات بلاده مع الدولة السورية بأنه بداية التراجع غير المباشر والمُتدرّج حيال حربهم ضد عفرين، وذلك مع العِلم التام لأنقرة بأن القوات الموالية للدولة السورية قد انتشرت في نقاط عديدة في المدينة وأن المزيد من هذه القوات سيدخل المدينة، وأن أي اعتداء عليها يعني اعتداءً على الدولة السورية والجيش السوري. 

على الجانب الآخر فإنه من المهم الإشارة إلى الدروس المُستقاة من حرب عفرين بالنسبة للجانب الكردي، الذي بدا في أولى أيام العدوان التركي معوّلاً على "الأميركي" و غير متّعظاً من تجربة استفتاء الانفصال في اقليم كردستان العراق، وتخلّي الحليف الأميركي عن عرّاب الاستفتاء مسعود بارزاني وتركه في الساحة وحيداً، وما تبعها من "عقوبات" للاقليم وخسائر كبيرة لكثير من الامتيازات التي كان يتمتّع بها الاقليم بسبب غضّ الطرف من الحكومة العراقية.

أعتقد أن من المنطق أن يُسلّم القادة الكرد بأن مصيرهم ليس منفصلاً عن مصير شعوب المنطقة، وأن حقوقهم التي يطالبون بها تؤخذ ضمن إطار الدولة الوطنية الواحدة، وبالحديث عن المسألة السورية تحديداً فإنه لا مناص من العودة لحضن الدولة، الحامي والمُدافِع الأوحد عنهم في حال تعرّضهم لأيّ اعتداء وإلا فإن التحالف مع الأميركي والتعويل عليه لأن تكون نتائجه سوى المزيد من الخراب والموت والدمار والسفك لدماء الأبرياء من المواطنين السوريين الكرد الذين لا ناقة لهم ولاجَمَل في المصالح التي تسعى الولايات المتحدة لتحقيقها وغاياتها الخبيثة. 

بهدوء وتروٍ وحكمة حقّقت الحكومة السورية إنجازاً آخر بدخولها عفرين وأعادت بسط سيطرتها على منطقة جديدة ضمن جغرافيتها المُعترف بها، وهي بذلك أيضاً عزّزت ثقة المواطن السوري الكردي بها، بعد ما حاول الحلف المُعادي لها وخلال سنوات الحرب السبع زعزعتها وتغذية النفس الانفصالي لاستخدامهم أداة لتقسيم سوريا وإضعاف الدولة السورية .

ربما ستغيّر عفرين الموازين وتقلب المعادلات، لكنه تغيّر وإن صار فبالتأكيد لمصلحة الدولة السورية ومحور المقاومة والأصدقاء.