أتركوا الثعالبي وشأنه

عاد رمز كبير من رموز الحركة الوطنية في تونس إلى دائرة الصراع السياسي من جديد، فبعد مسلسل الصراع اليوسفي البورقيبي ها نحن أمام مسلسلٍ جديدٍ يتمحور حول هوية عبد العزيز الثعالبي.

سعت حركة النهضة إلى الاستحواذ على الثعالبي على اعتبار أن الرجل من شيوخ الزيتونة

يحاول شكري المبخوت من خلال كتابه الأخير أن ينسب عبد العزيز الثعالبي إلى الفكر البورقيبي، وهي مُغالطة كبرى يقوم بها الرجل لأن الحزب الدستوري القديم الذي أسّسه الثعالبي هو حزب ذو توجّه عروبي بالأساس، ويختلف اختلافاً جذرياً عن فكر الحزب الدستوري الجديد الذي أسّسه بورقيبة بمعيّة محمود الماطري، والذي يعتبر حزباً حداثياً يميل أكثر إلى التعامُل مع الغرب. كما أن نظرة الثعالبي إلى فرنسا تختلف اختلافاً كليّاً عن بورقيبة، فإذا كان الثعالبي يرى في فرنسا مستعمراً وجب التخلّص منه، فإن بورقيبة كان يعتبر فرنسا صديقاً يمكن استمالته وتحقيق الاستقلال مع الاحتفاظ بعلاقة وطيدة معه، وهو ما تأكّد من خلال وثيقة الاستقلال الذي تحصّل عليه بورقيبة، والذي لم يمنح تونس سوى بعض من الحُكم الذاتي ولم يكن سوى توقيع وثيقة حماية جديدة أهدت السلطة إلى آخر بايات تونس وهو بورقيبة.

بينما سعت حركة النهضة إلى الاستحواذ على الثعالبي على اعتبار أن الرجل من شيوخ الزيتونة وهي مغالطة كبرى، لأن إخوان تونس يمقتون الفكر الزيتوني وكانت لهم مآخذ على فكر الطاهر والفاضل بن عاشور والحداد والثعالبي نفسه ، بالإضافة إلى أن الزواتنة مالكيون في ما يعتبر الإخوان من أنصار الوهّابية من أيام مؤسّسهم حسن البنا، بل إن إسم الإخوان المسلمين مشتقٌ أساساً من إخوان السعودية الذين حاربوا إلى جانب عبد العزيز آل سعود في حربه ضد الشريف حسين وآل رشيد ، والتي انتصر فيها عبد العزيز بفضل إخوانه الذين كانوا من المُتشدّدين الوهّابيين في السعودية. وقد لقّب حسن البنا تنظيمه بالإخوان المسلمين سيراً على منهاج إخوان السعودية الوهّابيين.
بالتالي لا يمكن أن يكون الثعالبي الزيتوني العروبي المالكي من الوهّابيين أو يُنسَب إليهم،هذا من دون إغفال النزعة العروبية لدى الزواتنة والتي تجلّت من خلال تحالفهم مع صالح بن يوسف ، وتناغمهم مع النزعة القومية العربية التي تجلّت في خطاب بن يوسف الرافض للاستقلال الداخلي في خطبة جامع الزيتونة الشهيرة سنة 1955.
عُرِفَ عبد العزيز الثعالبي بميولاته القومية العربية بل إن بعض المفكّرين يعتبرونه من روّاد الفكر القومي العربي ، وهو الرجل الذي ساند ثورة سعد زغلول سنة1919 كما وقف إلى جانب أمين الحسيني خلال الثورة الفلسطينية في الثلاثينات وكان الثعالبي من الأوائل الذين تصدّوا لهجرة اليهود إلى فلسطين.
فرجاء كفّوا عن التلاعُب بتاريخ هذا البلد واتركوا رموز الوطن وشأنهم ، ولا تحشروهم في صراعاتكم السياسية التي قادت البلاد إلى نفقٍ مظلمٍ لا أعرف ما هو السبيل للخروج منه.