إهدار المال العام بلغةٍ اقتصادية

ما بخصوص تلبية الرغبات الفردية من رحلات وفتح حسابات بنكيّة في البنوك الأجنبية ومحسوبية في التعيينات العليا في الوظيفة العمومية وفي أعلى المناصب الحكومية، تعد في مجلمها نهباً وسرقة منظمّة لمال الشعب.

إن الفساد المالي والأخلاقي في مؤسّسات الدول العربية يمثّل سرطاناً جاثماً على صدور الشعوب الفقيرة

إن الفساد المالي والأخلاقي في أغلب الدول العربية يُعدّ كارثة حقيقية علي مستوى الاقتصاد العالمي. إذ يعتبر استنزاف الموارد المالية من خزينة الدولة على مصاريف لا تدخل في شأن القطاع العام أو على الإصلاحات الهيكلية بمثابة فساد مالي كبير، وذلك في ظلّ غيابٍ كلّي للحوكمة الرشيدة.

أما بخصوص تلبية الرغبات الفردية من رحلات وفتح حسابات بنكيّة في البنوك الأجنبية ومحسوبية في التعيينات العليا في الوظيفة العمومية وفي أعلى المناصب الحكومية، تعد في مجلمها نهباً وسرقة منظمّة لمال الشعب.

إن الشعوب العربية منذ قرونٍ طويلة وهي تعاني من هذه المشكلة التي تصنّف ضمن المرض العضال المعروف بالفساد المالي والاقتصادي الذي لا يوجد له دواء إلي حد الآن.

إن الفساد المالي والأخلاقي في مؤسّسات الدول العربية يمثّل سرطاناً جاثماً على صدور الشعوب الفقيرة أو بالأحرى الشعوب المفقرة. كما تساهم عمليات إهدار المال العام في تضرّر الاقتصاد الوطني لتلك الدول التي أصبحت تصنّف في المراتب الأولى عالمياً من حيث نسبة الفساد المالي وغياب الشفافية والمصداقية.

كل هذه العوامل السلبية تعيق عجلة التنمية الاقتصادية وتكبح نسبة النمو الاقتصادي ما ينعكس سلباً على خلق فرص عمل جديدة ويزيد من نسبة البطالة. إن إهدار المال العام في معظم الدول العربية على بعض الطبقات والأفراد وخاصة منهم المسؤولين السياسيين والإطارات بالوظيفة العمومية، يعتبر مصدراً رئيسياً لتراكم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية.

أما سلسلة الثورات التي تسمّى بالربيع العربي في القاموس الغربي هي بالأساس كانت الفقاعة المنتظرة أو ثورة ذلك البركان الهائج. إذ انطلقت شرارة السخط الاجتماعي والغضب الشعبي بحرق الشهيد البار البوعزيزي نفسة نقمة على الوضع الاجتماعي ومنعه من كسب لقمة عيشه بطريقةٍ وذلك بطريقةٍ مهينة تسبّبت في تلك الثورة.

بالتالي كُسِرَ القيد وانفجر البركان الذي يحتوي على كبت سنوات طويلة من التهميش والتمييز العرقي والجهوي والطبقي، وعلت بذلك إرادة الشعب على إرادة الحاكم الظالم. ولم تقتصر الثورة فقط على شمال أفريقيا تونس ومصر وليبيا، بل انتشرت عن طريق العدوى الشعبية إلى دول الخليج مثل اليمن والبحرين، لكن قمعت بالقوّة الأمنية والعسكرية الضاربة في تلك الدول.

كل تلك الأحداث تثبت للعالم المتقدّم وللشعوب الراقية مدى سوء العيش في أغلب الدول العربية التي يعاني أغلب شعوبها من الفقر المقدع والمحسوبية والبطالة وضعف المقدرة الشرائية، وأهمها الإحتقار والتهميش والدكتاتورية وقمع الحريات الفردية.

كل هذه العوامل كوّنت بيئة الفساد والرشوة التي تعتبر من إحدي جذور إهدار المال العام، واعتبار الخزينة العامة ملكاً لمجموعة من الأفراد تتلاعب بها كما تريد وتنهبها من دون حسيب أو رقيب. إذ أصبحت المالية العمومية مثل البقرة الحلوب لتلك المجموعات الحاكِمة وأبرز دليل على ذلك موقع "The Richest " الذي يفضحهم ويصنّفهم كأكبر عصابات النهب العالمية في دائرة عائلية ضيّقة.

إن أساس الديمقراطية والرقيّ إلى صفوف الدول المتقدّمة ينطلق عبر طريق مكافحة الفساد بشتّى أنواعه والتركيز علي تكوين خليّة لتقصّي الحقائق حول الإستثراء السريع أو غير الشرعي لبعض الأشخاص. إذ على الرغم من تلك الثورات التي أسقطت الأنظمة السابقة ورموزها، إلا أن الثورات المضادّة انتصرت وقتلت حلم تلك الشعوب التي مازالت تنتظر التحرّر والتغيير، لكن "إن لله وإن إليه راجعون" مات الربيع العربي من دون زقزقزة عصافير وتحوّلت المنطقة العربية إلى أعاصير وشتاء قارِس يحمل في جعبته لتلك الشعوب الحروب والخراب والدمار.

بالتالي تبيّن بعد مرور ثماني سنوات أن الفساد المالي والأخلاقي هو الأساس الذي بُنِيت عليه تلك الدول، وأية محاولة للتغيير فإن الإنهيار الكلّي سيطال الجميع حتى مصالح بعض الدول الأجنبية خاصة منها الاقتصادية والتجارية.

إن إهدار المال العام في الدول العربية خاصة على العائلات الحاكمة والمقرّبين منها والمستفيدين بطريقة مباشرة عبر الإثراء غير الشرعي والرشوة والتهرّب الضريبي وعدم استرجاع القروض البنكيّة السابقة وفتح حسابات بنكيّة في بعض الدول الأجنبية، تمثل العائق الرئيسي للتقدّم الاقتصادي مما تساهم في تراكم الأزمات.

إن نتائج إهدار المال العام كارثية على الاقتصاد الوطني في جميع الدول العربية التي تشوبها تهم فساد مالي بحيث تزداد نسبة العجز المالي والتجاري وتتفاقم المديونية بقروضٍ إضافية مستمرة. أما مقارنة تلك الحالات مع أكبر الدول الديمقراطية مثل الولايات المتحدة الأميركية أو الاتحاد الأوروبي يظهر هنا فرق شاسع  وفجوة كبيرة على مستوي رقابة الحوكمة ومكافحة الفساد.

أيضاً على سبيل المثال في دولة إسرائيل التي تصنّف ضمن الدول الأولى في الديمقراطية، قامت سارة نتنياهو بشراء بما يُقارب بـ 200 ألف دولار مأكولات فقامت المحكمة باستدعاء رئيس الحكومة العديد من المرات للتحقيق معه حول مصدر تلك الأموال. أما في الدول العربية فحدّث ولا حَرَج عن إهدار المال العام على الأكل والموضة والسفر والرحلات والحفلات ولا أحد يحاسب أو يقول للحكومة من أين لك ذلك؟