الأطفال ضحايا البحر الميت

مَن هو المسؤول الحقيقي عن فجيعة الأردن؟ هل هي الكارثة الطبيعية وليس للأردن حكومة ومؤسّسة شأن بها؟ - وهذا الذي يتمنّاه رجالات الدولة – أمْ أن المدرسة وإدارتها هي مَن أقدم على قرار الرحلة الأرعن من دون أيّ نوع من الإحساس بالمسؤولية؟ وهذا فيه وفيه. وهل الشركة المُنظّمة للرحلة قدّمت مصلحتها المادية على أرواح أطفال وأرباب الأُسَر؟ وهي جريمة لا أظنّ أن هناك مَن يُقبِل عليها بثمن حياة أبرياء.

منفس الشمال ومدن الوسط حتى أقاصي الجنوب حيناً هو البحر الميت، فيه آيات الجمال بإطلالته البهيّة الأخّاذة واللامعقولة بالإستلقاء على سطحه وكأنه مرآة لا مياه وغور ولُجٌ عُباب.

غار حسنه ولهوه والسّمر والعبث وحضر الموت الأسود وجلجل ضجيجه ودويّ الصياح والصُداح وأُسدلت الحقيقة.

يعيش الشارع الأردني ومعه العربي فجيعة الخميس يوم 25.10.18 حين رحلَ عنا 21 ضحية وآخرون حتى اللحظة مفقودون، جلّهم من الأطفال، غرَّهم بهاء الطبيعة وألوان الخريف وغضاضة أشكاله من شجرٍ وحجرٍ و"بحر" وتحديداً البحر الميت، زاروا الميت فاستقبلهم بالموت.

مَن هو المسؤول الحقيقي عن فجيعة الأردن؟ هل هي الكارثة الطبيعية وليس للأردن حكومة ومؤسّسة شأن بها؟ - وهذا الذي يتمنّاه رجالات الدولة – أمْ أن المدرسة وإدارتها هي مَن أقدم على قرار الرحلة الأرعن من دون أيّ نوع من الإحساس بالمسؤولية؟ وهذا فيه وفيه. وهل الشركة المُنظّمة للرحلة قدّمت مصلحتها المادية على أرواح أطفال وأرباب الأُسَر؟ وهي جريمة لا أظنّ أن هناك مَن يُقبِل عليها بثمن حياة أبرياء.

ماذا عن سدّ زرقاء ماعين الذي أُنهيَ العمل فيه العام الماضي؟ لقد وردت أخبار كثيره حوله ومُتضارِبة في آن، بين تقرير أمين عام سلطة وادي الأردن بالوكالة المهندس علي الكوز حسب ما نشرته سلطة وادي الأردن في موقعها الرسمي بتاريخ في 02/08/2018، أن هناك هبوطاً ببلاطة خرسانية في جسم سدّ زرقاء ماعين في محافظة مادبا أدّت إلى غور كمية مليون و300 ألف متر مكعب من مياه السدّ. ولقد تعهّد الكوز بمحاسبة متعهّد المشروع من قِبَل سلطة وادي الأردن وتشكيل لجان تحقيق بهذا الخصوص من قِبَل السلطة.

المُلفت للنظر أن ذات المهندس قدّم تصريحاً في الساعات القليلة الماضية يُفيد بعدم مسؤولية السدّ بفاجعة البحر الميت وهذا يُنقاض ما نشرته سلطة وادي الأردن على لسانه.

بَيْدَ أن الحقيقة هي انخفاض منسوب المياه في السدّ بقيمة تترواح بين 75 أو علّها 85 % فأين ذهبت تلك المياه؟

ما يُثير الاستهجان هو مطالبة الحكومة الأردنية جعل ملف التحقيق داخل غُرَف مُغلَقة من دون نَشْرها للرأي العام، لا بل مُلاحقة دائرة الأمن العام لكل مَن يتعرّض بتفاصيل هذه القضية، رغم أننا هنا نتحدّث عن كارثةٍ طبيعيةٍ قد تكون الحكومة هي المسؤول الأول عنها لعدم أهليّة بعض المُنشآت التي من شأنها منع نكبة كهذه.

الجزئية الأولى في هذه الفاجعة والأهم هي المُناقضات بين أقوال الناجين والوقائع والأحداث التي تقدّمها الحكومة على أنها الحقيقة. فمثلاً إحدى معلّمات مدرسة فيكتوريا التي حالفها الحظ بالنجاة، أدلت بأقوالها في مقابلة مع تلفزيون "المملكة" حيث قالت: إنها أثناء مسيرها على أطراف السيل مع الدليل السياحي وهو ذاته المدرّب، في طريق العودة ومعهم 12 طفلاً وابنتها صاحبة الثمانية أعوام، تقول "بدأ الطقس بشويّة مطر، بس كان الوضع طبيعي" - على حد تعبيرها -وخلال دقيقتين تحوّل منسوب السيل إلى نهرٍ يتزايد كل "30 ثانية" حسب المعلّمة، إلى نصف متر، فكيف "بشويّة مطر" يحوّل السيل إلى موج عارم في دقيقة؟ هذا مع العِلم أن الوادي يترواح عرضه حسب المكان من 10 أمتار إلى 40 متراً، قد يقلّ أو يزيد!

آراء آخرين من الناجين التي قالت بأنهم سمعوا صوت إنفجار، ما يدلّ على أن السدّ هو المُتسبّب الوحيد في حدوث الكارثة.

التحقيق في هذا الموضوع هو أسهل بكثير مما تزعم الحكومة وتقاعصها في مجريات العمل عليه. السدّ صرحٌ ماثلٌ في معان، إذن على الحكومة تشكيل لجنة مُختّصة مُحايدة من شأنها فحص منشآت السدّ التي قد تنتقص من مصداقية تهالكه أو تؤكّده، وبالتالي إدانة الحكومة المُتمثّلة أيضاً بالوزارة أو المؤسّسة المعنية بالسدّ أو تبرئتها.

وإننا نطالب الحكومة مُطالبة صريحة وبصوتٍ عالٍ بالعمل الجدّي ومُعاقبة كل مَن له يد في هذا البلاء من غير هوادة.

رحِمَ الله كل القائمين على الحق والشهداء من أبنائنا.