ما بين مادورو والأسد

أقسم الرئيس مادورو اليمين الدستوري أمام اللجنة الدستورية في العاشر من الشهر الجاري، متمسكاً بحقه كرئيس منتخب من الشعب بنسبة 67 %، وكان حفل التنصيب يحظى بحضور رؤساء من أميركا اللاتينية وغياب آخرين ومقاطعة من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي ودوّل ليما التي تجمع كندا، إلى دول أميركا اللاتينية. ولم يمنع كل ذلك خليفة تشافيز أن يتقلّد موقع الرئاسة لمدة ست سنوات قادمة بكل ثقة وتحدٍ واضحين.

إذا كانت روسيا والصين وإيران قد اتخذت قراراً بالدفاع عن نيكولاس مادورو كما دافعت عن الرئيس بشّار الأسد فهل أهمية كراكاس الاستراتيجية مثل أهمية دمشق؟

والجدير ذكره بأن بعض دول أميركا الوسطى وأميركا اللاتينية كانت قد أعلنت ليس فقط مقاطعة حضور حفل التنصيب، بل تعدّته إلى المطالبة بعدم توليّ الرئيس مادورو سدّة الحكم لولاية ثانية والتنحي الطوعي، وطالبته بتسليم السلطة للبرلمان الشرعي حسب زعمهم والذي تسيطر عليه المعارضة الفنزويلية بقيادة خوان غيادي المرشّح لرئاسة المجلس الوطني، وكان من المفروض أن يتولاها في الخامس من الشهر الجاري أي قبل خمسة أيام من استلام السلطة وقسم اليمين الرئاسي. ودعا أكثر من 13دولة لاتينية المجتمع الدولي لمقاطعة الرئيس مادورو ومحاصرته، وكما دعت كولومبيا إلى تشكيل تحالف دولي وعسكري لإجبار نظام شافيز التخلّي عن السلطة بالقوّة والغلبة.

فنزويلا وكولومبيا .تبادلت قيادة الدولتين الاتهامات بتصريحات نارية ومعادية منذ توليّ الرئيس مادور الحكم.

فقد أطلقت نائب الرئيس الكولومبي بعض التصريحات النابية لنظام الحكم في فنزويلا قائلة: بأن فنزويلا تهدّد الأمن القومي الكولومبي والسلام في المنطقة ويجب عليهم اقتلاع هذه الديكتاتورية الإجرامية. وقد أدلى الرئيس إيفان دوكي بتصريحات موجهاً كلامه مباشرة إلى الرئيس نيكولاس مادورو، واصفاً إياه بالديكتاتور. وردّ الأخير على أثرها متهماً حاكم بوغوتا (بأنه شيطان بوجه ملائكي).

تولّى أصغر رئيس في أميركا اللاتينية 42 عاماً الحكم في كولومبيا بدعم أميركي واضح، وكان ينتقد النظام الفنزويلي على الدوام، ومن قبل وأثناء حملته الانتخابية دعا إلى حصار دولي على جارته فنزويلا، بل سمح للإدارة الأميركية بأن تقيم سبع قواعد عسكرية يعتبرها الرئيس المناهض للامبرالية أعني نيكولاس مادورو بأنها قواعد تجسس ومراكز لتدريب المعارضين الفنزولييين ضد نظامه.

وأثار  تدفق أكثر من مليون مهاجر فنزويلي حفيظة السلطات الكولومبية، وألقى عبئاً عليه. وقد وصف الرئيس إيفان دوكي الأمر بأنه كارثي على المستوى الإنساني وهو الأخطر في أميركا الجنوبية منذ فترة طويلة. وكان الاتحاد الأوروبي قد أعلن دعمه بـ35 مليون يورو لقضية الهجرة المتدفّقة إلى كولومبيا بعد زيارة قام بها الرئيس دوكي إلى أورووبا.

فالرئيس المحافظ والرئيس الليبرالي إيفان دوكي يقود حملة دبلوماسية إلى عزل فنزويلا عالمياً واقليمياً، ويدعو إلى إنشاء تحالف عسكري لتحرير فنزويلا حسب زعمه ،ما يضع الأمور أكثر تعقيداً في المنطقة اللاتينية حيث أن الاشتباكات على الحدود بين عصابات تجار المخدرات مستمرة وهي تقلق كولومبيا. وما زالت تسبّب توتراً وذلك بسبب وجود حركة تحرير كولومبيا وبعض المعارضة المسلحة في المنطقة الحدودية بين البلدين الممتدة على مساحة 2200 كلم.

والجدير ذكره بن الرؤساء الكولومبيين السابقين دعوا إلى تدخل عسكري لإنهاء الأزمة الاقتصادية والسياسية في فنزويلا، مما استدعى رداً من مادورو بأنه دعا فيه القوات المسلحة الكولومبية والشرطة الفيدرالية لعدم الاستجابة لاستفزازات مقصودة ومدروسة لخلق فتنة عسكرية بين البلدين، وكانت في السنوات السابقة أحداث ونزاعات أخذت طريقها إلى الحل بسبب جهود لولا دا سلفا المسجون بتهم فساد. ولعلّ المثال المناسب لسياق الحديث حينما دعا الرئيس المنتهية صلاحياته خوان مانيول سانتوس بإجراء عسكري على فنزويلا، رد مادورو عليه بأنه ينفّذ أجندة أميركية لتدخل عسكري أميركي، وذلك في خطة مدروسة ومعدّة مسبقاً من قِبَل الولايات المتحدة.

 

استراتيجية القفازات البيضاء

تعتمد استراتيجية الإدارة الأميركية في المنطقة الاستوائية القريبة من حدودها الجغرافية على الانقلابات البيضاء والأيادي الناعمة بعربات مزينة بديمقراطيات لاتينية وبتسمية أخرى هي ربيع لاتيني على فوهات دبابات العسكر.

استفادت الإدارة الأميركية من ديمقراطية البرازيل والقوانين التشريعية التي تقيل الرئيس، ووضعت خطة محكمة لإخراج اليسار الأكبر في أميركا الجنوبية، فقد تم خلع روسيف ديلما عن كرسي الحكم  باستخدام صلاحيات الكونغرس وذلك بتوجيه تهم الفساد إليها، ما أدى في نهاية المطاف إلى تنحيها عن السلطة واستلام ميشال تامر سدّة الرئاسة لمدة زمنية، بعدها أجريت  الانتخابات الرئاسية وأدّت إلى فوز بولسونارو رئيساً من جناح اليمين المتطرف، وكانت مجموعة ألبا قد وصفت التنحي القصري لديلما بالانقلاب على الديمقراطية.

أرادت الولايات المتحدة أن تكرر نفس السيناريو في الانتخابات النيابية الفنزويلية، بحيث تسيطر المعارضة ديمقراطياً على البرلمان الفنزويلي وبعدها يتم تولّي نائب الرئيس الحكم بعد تنحٍ قصري لمادورو. إلا أن الرياح جرت بما لاتشتهي السفن.

واللافت للنظر أن هذا التغيير الجذري سبتقه أزمة اقتصادية خانقة أدت إلى تدهور العملة وإلى انهيار شبه كامل للاقتصاد البرازيلي. والفنزويلي على السواء.

فالصدمة الشعبية بمطرقات اقتصادية كانت ضرورية للتغيير الممنهج  الذي اعتمدته الإدرارة الأميركية في الخفاء.

فالمزاج الشعبي الذي تبدّل من مدافع عن لولا دا سيلفا بدأ يتغيّر في إتجاه الغضب العارم لمنظومات الفساد المتمكنة من الدوائر الحكومية، مما لايخفى على أحد بأن تشويه صورة اليسار في أميركا للاتينية كانت مدروسة بإتقان، مما أدى إلى المساهمة في استقبال السقوط بكل نعومة ولطافة مع بعض الاعتراض البسيط أو غير الفعال.

 لماذا نيكولاس مادورو هو بشّار الأسد اللاتيني

ترامب الأميركي عمل حال استنساخ لاتينية 

فأطلق على بولسونارو ترامب الاستوائي أو اللاتيني ولكن من هو بشّار الأسد اللاتيني؟

الرئيس نيكولاس مادورو يعرف خبايا الاستراتيجيات الأميركية، وعلى علم ودراية بخطط المؤامرات الجديدة والقديمة لواشنطن. وما إن استشرف المستقبل القاتم ودهاء القادة الشماليين محاولين صناعة سلطة جديدة بطرق الانقلابات أو الاغتيالات كما حصل لشافيز، حتى قام بتعليق عمل المجلس النيابي الجديد رغم سيطرة المعارضة عليه.

وتبعاً لذلك أصدرت المحكمة العليا قراراً بإبطال قرارت الجمعية الوطنية، وباشرت القيادة المقاومة للسياسة الأميركية إلى إنشاء لجنة دستورية جديدة، ليكون أهم أهدافها هو إعادة كتابة دستور جديد يلائم الوضع الخطر. فقد وجّه الرئيس المنتخب شعبياً صفعة قوية إلى سياسات ترامب المتهورة، الطامح إلى احتواء على الحديقة الخلفية للدولة العظمى في العالم.

فواشنطن تسعى إلى إعادة إحياء قانون مورنو بأسلوب سلس وخطير.

التقدّم العسكري الفنزويلي 

تتقدّم القوات المسلحة الفنزويلية على دول المحيط بامتلاكها صواريخ قصيرة ومتوسّطة المدى. فمنظومة أس300 الروسية تحمي الأجواء الفنزويلية من الطائرات المهاجمة. 

وعلاوة على ذلك يملك الطيران الحربي تكنولوجيا لأجهزته، ما يجعل السيطرة الفنزولية في المقدمة بل الأولى في أميركا اللاتينية.

هذا التطور النوعي للقوات الفنزولية يجعل الخيار الأميركي الوحيد هو التغلل العسكري، ومن عدّة جهات وأهمها كولومبيا والبرازيل، فقد اتهم نيكولاس مادورو الرئيس البرازيلي بالتخطيط لشن هجوم من جهة الجنوب لبلاده وواصفاً إياه بأنه هتلر الأزمنة الحديثة. التوتر الحاصل جلب الضجيج العالمي بطائراته وسفنه.

فروسيا تتمتع باتفاقات عسكرية وأمنية وتعاون عسكري حيث أرسلت موسكو طائرتين تحملان رؤوساً نووية وأجرت مناورات عسكرية مشتركة.

إنها رسالة واضحة من الرئيس بوتين مفادها لن نسمح بسقوط مادورو أليس كذلك؟ والجدير ذكره أن الإدارة الأميركية تقترب من حدود موسكو في أوكرانيا وجورجيا ودول الاتحاد سابقاً.

وكأن الرد الروسي هو الاقتراب من واشنطن بحديقتها الخلفية كوبا فنزويلا.

 

فهل  حادثة خليج الخنازير سوف تتكرّر ولكن بنسخة فنزويلية ؟

وقد كانت زيارة وزير الدفاع الإيراني إلى كاراكاس رسالة أكثر وضوحاً، بأن إيران ستقف إلى جانب حليفها الاستراتيجي مثلما وقفت إلى جانب بشّار الأسد. فإذا فكّر ترامب بتحريك بارجاته المحاصرة في مضيق هرمز وباب المندب لشن هجوم متهور على الأراضي الإيرانية فسيكون الرد بعيداً وغير متوقع. وهناك أنباء بأن إيران سترسل سفناً حربية إلى كاراكاس في الأسبوع القادم. ما يعني تعزيزاً عسكرياً وأمنياً لحاكم فنزويل. فأما الصين فليست ببعيدة عن هذا الاتجاه بسبب خسارتها الفادحة، إقتصادياً وسياسياً، من تغييير الأنظمة اليسارية في دول أميركا اللاتينية. حيث كان الرئيس البرازيلي واضحاً في التعبير بأن الصين (لايمكن شراء البرازيل بل يمكن شراء في البرازيل؟).

وقد حدّد نيكولاس مادورو استراتيجيته الدفاعية، وفي وخلال عرض عسكري قال في العام الماضي: "يجب علينا بذل الجهد حتى نفعّل التعاون العسكري مع القوى العسكرية العالمية روسيا والصين، مع الدول الصديقة، التي لديها إمكانات كبيرة في المجال العسكري تركيا وإيران". وذلك من وجهة نظره ليعدّ العدّة والعتاد لصدّ الهجوم الأميركي والاعتداءات من الخارج.

كل ذلك يفرض استراتيجية جديدة لدول محور الممانعة لأحادية القطب الأميركي ما يطرح عشرات الأسئلة إذا كانت روسيا والصين وإيران قد اتخذت قراراً بالدفاع عن نيكولاس مادورو كما دافعت عن الرئيس بشّار الأسد فهل أهمية كراكاس الاستراتيجية مثل أهمية دمشق؟ إن غداً لناظره قريب.