إسرائيل على خط الأزمة في فنزويلا

أعلن وزير الخارجية البرازيلية أرنستو أروجا منذ أسابيع  بأن مادورو لم يعد رئيساً للبلاد وذهبت حكومة بولسونارو إلى الاعتراف بزعيم المعارضة خوان غوايدو مثلما فعلت الإدارة الأميركية.

استطاع الرئيس مادورو امتصاص الصدمة السياسية والدستورية ومن خلفه الجيش الذي أعلن دعمه المطلق له

وكان رئيس الدبلوماسية الجديد قد وصف الرئيس الفنزويلي بالديكتاتوري وغير الشرعي، وبأنه رئيس لمافيا لتهريب المخدرات وإرهابي، وقد رد بعض الدبلوماسيين المحليين على ذلك بأن بارون دي ريو برانكو أحد مؤسسي الدبلوماسية البرازيلية في التاريخ يرتجف الآن ألف مرة في قبره، وذلك في اعتراض على أداء الوزير المذكور، وظهر التقارب بين إسرائيل وحكومة برازيليا بحضور نتنياهو لحفل التنصيب الذي وصف الزيارة بالتاريخية.

لقد دعت دول ليما إلى عدم الاعتراف بالرئيس المنتخب نيكولاس مادورو وطالبته بعدم  توليّ الحُكم، وكانت قد أعلنت بأنها ستعترف بالبرلمان السلطة الشرعية الوحيدة في كراكاس وعلى رأسها خوان غواديو رئيساً للبلاد وقد انقسمت بين معارض وموالٍ ما أقلق الإدارة الأميركية. وكذلك فعلت دول منظمة أميركا.

كان متوقعاً بأن تذهب الولايات المتحدة إلى التصعيد السياسيي والإقتصادي، فقد رتّب بومبيو أوراق التحالفات والتنسيق السياسي والعسكري مع بعض الدول في المنطقة قبل أسابيع من تنصيب مادورو، وذهبت إحدى الصحف الأميركية إلى خبرٍ مفاده بأن مايك بنس هو الذي أشار على الزعيم الشاب بالإعلان اليتيم دستورياً.

أرسلت الإداررة الأميركية ما يقارب 90 مدرعة إلى الجيش البرازيل في محاولة تحضير وحثّ على المشاركة في هجوم مرتقب على كاراكاس، وقد طالب بولسونارو بإنشاء قاعدة عسكرية أميركية في البرازيل مما لاقى الاقتراح رفضاً من قبل الكثير من قيادات الجيش ومن بعض الدبلوماسيين، وبالطبع من الكثير من الشعب، وقد استقال على أثرها أحد مساعدي الرئيس.

كولومبيا شنّت هجوماً إعلامياً على فنزويلا اتهمت فيه جبهة التحرير الكولومبية المدعومة من نيكولاس مادورو بالتفجيرات الأخيرة لأكاديمية الشرطة في الأيام الأخيرة، مهّد مايك بنس لهذا السيناريو السياسي الخطير على الأزمة الفنزويلية، فماذا يعني الاعتراف برئيس آخر وبالوكالة لدولة فنزويلا؟

الجدل الدستوري الدائر في المادة 233 التي تسمح للبرلمان بتوليّ السلطة الانتقالية وإجراء انتخابات رئاسية خلال 30 يوماً، يعتمد عليها المعارضون في نقاشهم السياسي، والجدير ذكره أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العام 2016 أنتجت سيطرة المعارضة على أروقته 109 نواب من أصل 164 وعلى الفوز بعد الدخول إلى الجمعية الوطنية بدأت حملة  المطالبة بتنحي مادورو عن الحُكم.

كان الرد بتعطيل صلاحيات البرلمان واعتبار قرارته تساوي الصفر، كل ذلك ألقى بأزمة دستورية على البلاد، استطاع الرئيس نيكولا تخطيها منذ سنتين.

الاعتراف بخوان غوايدو سيحرّك الشارع الموالي له لدعمه، وفي المقابل ستحرّك الحكومة مناصريها لنفس الشيء، وهكذا ينتقل الخلاف الدستوري إلى الشارع فيحصل الصِدام بين أفراد المجتمع بتوتير الداخل الفنزويلي وإرهاق الدماء وهذا أهم هدف للإدارة الأميركية حسب زعم مادورو.

الولايات المتحدة اعترفت بخوان غوايدو رئيساً بالوكالة بعدما أعلن نفسه بديلاً من مادورو وأقسم اليمين أمام مناصريه  في كراكاس وطالب بالدعم الأميركي وشجّع الجيش والشعب على الالتفاف حوله.

لكن لا يمكن لزعيم المعارضة الذي يقود الانقلاب أن يحكم إلا إذا استلم بعض الدوائر الحكومية أو مساحة من الأراضي الفنزويلية. وطلبه قد رفض رفضاً واضحاً من الجيش والقوات المسلحة حيث القيادة اصطفت إلى جانب الرئيس اليساري.

أمر نيكولاس مادورو الدبلوماسيين الأميركين بالمغادرة خلال 72 ساعة رد مايك بنس بأن أوامر نيكولاس مادورو غير شرعية، وهم يستمعون إلى الرئيس الجديد المنصّب نفسه، وفي النهاية خرج أغلب الموظفين لتنتقل العلاقات إلى مستوى مكاتب المصالح على غرار كوبا.

كان لتصريح السفير الفنزويلي من موسكو صدى قوياً في واشنطن حيث أكد على 72 الساعة لإخراج الدبلوماسيين من السفارة. أمرت الإدارة الأميركية موظفيها غير الأساسيين العودة إلى بلادهم، وردّت فنزويلا بالمثل حيث أمر مادورو بإقفال القنصليات والسفارة في الولايات المتحدة، ولكن حصل انشقاق الملحق العسكري في فنزويلا في حادثة خطيرة لا تبشّر بالخير بالنسبة لحاكم كراكاس. وفي حال إصرار صنّاع القرار في واشنطن على عدم الاستجابة لطلب حكومة كاراكاس فهناك كان احتمالان للرد:

١- إما محاصرة الدبلوماسيين في السفارة بكل الأشكال المتاحة لإجبارهم على الخروج وقد قطعت الكهرباء عن المباني في إشارة واضحة. 

٢- أو تكرير حادثة اقتحام السفارة وحجز الموظفين على غرار ما حصل في الجمهورية الإسلامية في إيران بعد انتصار الثورة  حيث توالت أنباء عن احتمال أن تقوم منظمة شعبية باقتحام السفارة، مما استدعى حماية السلطات لبعض السفارات التي اعترفت بالتائب الشاب رئيساً بالوكالة.

استقدم الجيش الفنزويلي قوات إضافية إلى كراكاس ليبدأ عملية سيطرة على الشارع المتوتّر والمنقسم على ذاته، ومن الممكن سيضطر إلى استخدام القوة إلا أن المؤتمر الصحفي الأخير ظهرت عليه نيّة الحوار الجدّي والفوري مع غواديو ومع الرئيس الأميركي، إلا أن الصّدام الدموي والكارثي قد سعى إليه مخططو الانقلاب حسب تصريحات قيادة الجيش الفنزويلي. وقد تتمنّاه بعض المعارضة لتجييش المجتمع المدني المحلي والعالمي في مواجهة مادورو.

الغزو العسكري من قبل دول الجوار وارد بفاعلية كبيرة وخاصة من قبل كولومبيا والبرازيل، إلا أن تصريحات القيادات الأخيرة في البلدين تراجعت لصالح عدم هذا التدخل مما رجّح ملف الحوار والسلام.

قد وضعت سيناريوهات عديدة إلا أن نائب الرئيس البرازيلي أكد بأن بلاده لن تشارك في أي عمل عسكري ضد كاراكاس وعلاوة على ذلك أشار إليه الرئيس بولسونارو بمقابلة صحفية أميركية.

يبقى الجيش الفنزويلي القوة الوازنة التي ستحسم الحرب السياسية الطاحنة بين الإدارة الأميركية وفنزويلا. لقد استطاع الرئيس مادورو امتصاص الصدمة السياسية والدستورية ومن خلفه الجيش الذي أعلن دعمه المطلق له. لقد وجه خليفة شافيز صفعة كبيرة جداً لترامب المتهوّر في سياسياته الخارجية وأبقى أبواب الحوار مفتوحة حتى أنه لم يستبعد أن يلتقي ترامب خلال 30 يوماً.

هل ستكون التداعيات الإقليمية على الفريق الترامبي أولها الإطاحة بوزير خارجية الإدارة الأميركية بعد فشل المرحلة الأولى من الانقلاب؟ أربك الاصطفاف الروسي الجدّي جداً خلف شرعية مادورو ومن خلفه الصيني والإيراني والتركي.

أخفقت خطة ترامب في إسقاط فنزويلا سياسياً في المجتمع الدولي وحصارها وعزلها عن الساحة العالمية والإقليمية  وخاصة بعد جلسة الأمم المتحدة الصاخبة.

يضاف إلى ذلك مواقف المكسيك والأوروغواي وبوليفيا وكوبا ونيكاراغوا الداعمة لحكومة مادورو الشرعية. علت الأصوات المطالبة بالحوار الفوري لحل الأزمة الفنزويلية فكانت أوروبا قد أعلنت ذلك إلا أنها عادت إلى التصعيد غير المبرر، مما لاقى رداً صاعقاً من روسيا لمندوبة فرنسا في الأمم المتحدة. بدأ القلق الإقليمي يظهر إلى العلن بعدما بدأت ملامح فتنة دموية لاتينية بين شعوب الإقليم وخاصة بعد التوتر الفنزويلي الإكوادوري على خلفية مقتل إمرأة حامل إكوادورية. صعدت حكومة الإكوادور تصريحاتها على اثر اتهامات وزير الخارجية الفنزولية لها بالكذب. واللافت في الأزمة الفنزويلية هو الطلب الأميركي من إسرائيل بالاعتراف بخوان غوايدو رئيساً وقد استجاب نتنياهو بأنه سيدرس الطلب.

فماذا بعد اعتراف الدولة العبرية بالمعارضة؟ واعتبارها الممثل الشرعي لفنزويل؟

تبعد فلسطين عن فنزويلا عشرة آلاف متر وتبلغ الجالية اليهودية 25000 مواطناً فنزولياً.

هوغو شافيز قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل لسنوات وكان مناصراً للقضايا العربية والفلسطينية.

هوغو شافيز ووزير خارجيته آنذاك نيكولاس مادورو هما عدوان لدودان لإسرائيل فهل بدأت عملية الانتقام منهما لمساندتهما للقضايا العادلة كما يصفها شافيز؟

المبعوث الخاص إلى فنزويلا أبرامز يفضل المصالح الإسرائيلية على الفلسطينية ويدعو لاسقاط أي نظام يساند القضية المركزية، وفي سجله الكثير من هندسة للعلاقات الإسرائيلية العربية وهو يعتبر من مناصري ثورة الديمقراطية العالمية.

فالدخول الإسرائيلي على خط الأزمة الفنزولية يعقد الأمور بالنسبة للشعب الفنزويلي بل يمكن أن يكون عاملاً للحوار 

وسيثير الكثير من التساؤرلات في الأوساط السياسية.

شكلت التحالفات الجديدة مع هندوراس وبغض الدول اللاتينية حافزاً لدولة الكيان بالتدخلات في أميركا الجنوبية فهذا الاعتراف سيكون أول أسفين للعلاقات العربية في هذا الفارة. نتنياهو الباحث عن انجازات سياسية لحملته الانتخابية قد يكون الاعتراف مساعداً لإبرازه مدافعاً عن اليهود الفنزوليين وإظهاره بطلاً قومياً؟

اذا اعترفت إسرائيل بخوان غوايدو ماذا سيكون الرد الفنزويلي؟

لعل الأيام القادمة حبلي بالكثير من المفاجاءت. وستبدي لنا الأيام ما كنّا نجهل.