سوء الفهم في قراءة النصوص

في أجواء صفقة القرن ، وما سبقها من تقارب خليجي إسرائيلي وما سيليها من تقاربات، وخروج العلاقات السعودية الإسرائيلية إلى العَلن ، مترافقة مع تصريحات والحديث عن نجاح السلام بين الدول العربية و"إسرائيل"، والسعي لإنجاحه على الصعيد الشعبي ، بدأ البحث عن سُبُل تعزيز التقارب بين الشعوب العربية و"إسرائيل" وكما نُقِل عن إحدى الاجتماعات التي حصلت داخل الأراضي المحتلة ، حول إدراج الفن والفنون للتلاقي بين الشعوب العربية و"إسرائيل" ، يرافقها ظهور خطابات لعلماء دين يحثّون الناس لتغيير مفهوم الجهاد في فلسطين وتحويل البندقية إلى مكان آخر.

منذ أيام ظهر الداعية الإسلامي عائض القرني على إحدى القنوات الخليجية وهو أحد أعضاء الصحوة الإسلامية في السعودية، قدّم القرني اعتذاراً على سلوك الصحوة وعمّا صدر منها من إساءات ، من خلافات مع علماء سعوديين والقيام بأشياء بعيدة عن السنّة والكتاب والسلوك السيّىء الذي اتبعه أعضاؤها مع الناس أيضاً ، وقال الداعية إنه مع الإسلام المعتدل السمح ومع خطة وليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان .
ردة الفعل أتت منقسمة البعض اعتبرها شجاعة وآخرون رأوا أنها متأخّرة جداً ، ولو عدنا إلى تاريخ الصحوة لوجدنا أنها أول مَن عارض تواجد القوات الأجنبية على الأراضي الخليجية ، كما أنها عارضت حرب العراق ، وعمل شيوخها على توعية المجتمع السعودي وحثّه على عدم التأثّر بالغرب ، الأمر لم يناسب البلاط المَلكي بعد أحداث 11 سبتمبر فاعتُقل عدد من أعضائه ، ومُنِعَ آخرون من أداء الخطابات والسفر.
وبعد الاعتقالات والمطاردة بدأ يتغيّر مسار الصحوة ، وتحوّلت من معارضة إلى ناصحة ، وراحت تعمل على تقارب بين الشباب السلفي والدولة السعودية إلى أن أتى الربيع العربي وتولّي الملك سلمان بن العزيز الحكم وتعيين محمّد بن سلمان وليّاً للعهد، الذي أعلن خطة السعودية 2030 واتباع سياسة الانفتاح ، الوقت الأفضل للتضحية بالصحوة وجعلها شمّاعة لأخطاء الحكم والتعصّب والتطرّف الذي حلّ بالمملكة وأنتج حركات متطرّفة شكّلت عبئاً على المملكة ، خصوصاً أن أعضاءها تربطهم علاقة جيدة بقطر وتركيا .
ظهر الداعية عائض القرني وهو يعتذر عن كل الأخطاء التي ارتكبتها الصحوة مهاجماً قطر وتركيا ، ومعلناً أنه تحت لواء محمّد بن سلمان ، وبذلك تصبح من الواضح سياسات المملكة القادمة التي تخلّت عن ثلاثين عاماً من زرع أفكار التطرّف في عقول الشبان والشابات والأطفال ، بكلمة واحدة وببساطة برّر القرني أن العلماء لم ينتبهوا إلى قراءة النصوص بشكلٍ سمح ، بذلك يكون الشرق الأوسط عانى من تفجيرات وقتل ودمار وتطرّف وآلاف من الشهداء والضحايا بسبب سوء فَهْم في قراءة النصوص ، وتهيئة الأجواء لصفقة القرن وخروج العلاقات السعودية الإسرائيلية إلى العلن ، ولكن ثمة أسئلة كثيرة يجب على القرني الإجابة عنها، في ظل أجواء التطبيع والحديث عن الإسلام المعتدل الوسطي ، أبسطها هل سيكون هناك مكان لحرية الرأي والتعبير وانتقاد الحاكِم الذي أخطأ ويخطئ ، أم أن سياسات القمع مستمرة والحرية تقتصر على الحفلات التي تخدم سياسات البلاط الآنية ؟، ما مصير آلاف الخطب والكتب المتطرّفة التي نشرت وزرعت في عقول الشبان والأجيال القادمة ، وهل الحلال والحرام والجنّة والنار مرتهنة بسياسات البلاط المَلكي ؟، آلامٌ عربية وتخلّف اختصرها القرني بأنها كانت ببساطة سوء فَهْم.