الاقتصاد الأخضر: مستقبل التنمية الواعِدة في دول المغرب العربي الكبير

ركَّزت بعض تلك الدول على مصادر هذه الثروة النظيفة في مجال الإقتصاد الأخضر الصديق للبيئة، لتخلق منها مداخيل مالية إضافية هامة لخزينتها العمومية. فمخطّطات إنجاز المشاريع الكبرى ودراسات الإستثمار في الطاقات المتجدّدة وخاصة منها في مجال توليد الطاقة الكهربائية الشمسية في صحراء دول المغرب العربي الكبير، تُعدّ بدورها مشاريع ربحية وذات إنتاجية عالية ومردودية فعّالة.

يُعدّ الإقتصاد الأخضر العمود الفقري للتنمية الإقتصادية الواعدة في دول المغرب العربي الكبير نذكر منها بالأساس ليبيا، تونس، الجزائر والمغرب. فعلى الرغم من توافر بعض الموارد الطبيعية بكميات كبرى كالغاز والنفط الخام في ليبيا والجزائر والفسفاط بتونس والمغرب، إلا أنه هناك ثروات طبيعية أخرى مازالت في أولى خطواتها وتشكّل محرّكاً حيوياً للإقتصاديات الوطنية لتلك الدول. فالإقتصاد الأخضر في مدلوله اللفظي يعني توفير البيئة النظيفة والمردودية الإنتاجية ذات الجودة العالية والفعّالة. كما يعتبر القلب النابِض والشريان الحيوي لجميع القطاعات الحيوية للدولة بحيث تتفرّع مشتقّات الإقتصاد إلى العديد من الفروع نذكر منها الإقتصاد المالي  والمصرفي، الإقتصاد الصناعي، الإقتصاد الجزئي والكلي، الإقتصاد العام والخاص، الإقتصاد الرقمي، ولكن يبقى أهمها حديثاً هو الإقتصاد الأخضر. إن الرهان المستقبلي على هذا النوع الأخير من الإقتصاد لتحفيز الإقتصاديات الوطنية لدول المغرب العربي الكبير يشكّل أهم محرّك رئيسي للتنمية المستقبلية الواعدة التي ترفع بدورها من نسبة النمو الإقتصادي، وتخلق بيئة نظيفة ومتجدّدة تعتمد بالأساس على الطبيعة خاصة، منها طاقة الشمس والرياح والزراعات للبذور المنتجة للزيوت الطبيعية والحيوية. فمما لا شك فيه يعد مناخ لتلك الدول محفزاً للإستثمار في الإقتصاد الأخضر، وذلك بإعتبار أن الطقس الصحراوي الجنوبي يشكّل مصدراً للثروة المالية، بحيث يمر بفترة طويلة من الحرارة القصوى وأيضاً سلسلة تلال جبال خمير والأطلس الشمالية تبلغ فيها سرعة الرياح أقصاها. أما الأراضي الصحراوية في جنوب تلك البلدان فتشكّل هي أيضاً نعمة وثروة زراعية حقيقية خاصة منها بما يُعرَف بزراعة البيوديزال الحيوي.

 

الطاقات المُتجدّدة

إن أراضي الصحراء الجنوبية التي تمتد من ليبيا وصولاً إلى المغرب تشكّل في مجملها مساحات شاسعة غير مستغلّة بحيث يمكن تحويلها إلى منصات لإنتاج الكهرباء الطبيعي بكميات كبيرة قادرة على توفير الإكتفاء الذاتي، وأيضاً لتصديره نحو دول الإتحاد الأوروبي. إذ تبلغ درجات الحرارة في تلك الربوع بين 50 و 60 درجة فوق الصفر، وذلك على إمتداد فترة طويلة من الزمن تنطلق بداية من شهر ماي إلى موفي نهاية شهر أكتوبر من كل سنة. بالتالي يُشكّل مُجمَل الستة أشهر من كل سنة فترة إنتاج كافية قادرة لشحن الخزانات الكهربائية وتحويلها إلى طاقة للإستهلاك أو للتصدير. ففي هذا الصَدَد ركَّزت بعض تلك الدول على مصادر هذه الثروة النظيفة في مجال الإقتصاد الأخضر الصديق للبيئة، لتخلق منها مداخيل مالية إضافية هامة لخزينتها العمومية. فمخطّطات إنجاز المشاريع الكبرى ودراسات الإستثمار في الطاقات المتجدّدة وخاصة منها في مجال توليد الطاقة الكهربائية الشمسية في صحراء دول المغرب العربي الكبير، تُعدّ بدورها مشاريع ربحية وذات إنتاجية عالية ومردودية فعّالة. إذ أن بعض الجهات الأوروبية المستثمرة في ذلك القطاع الصاعِد و الواعِد بدأت بالفعل في إنجاز بعض المشاريع «Eco-Energy» في قطاع الكهرباء ولو بصفة مُحتشِمة عبر نشر بعض اللوحات الشمسية في بعض المناطق الصحراوية الجنوبية في تلك البلدان، وإنشاء بعض الشركات المشتركة الأوروبية – المغاربية لإنتاج الطاقة الشمسية والتي هي بدورها موازية لتلك الشركات المحلية. فإنتاج طاقة الكهرباء من شمس الصحراء يتطلب معدّات ضخمة ومناطق شاسعة من الأراضي ، وأيضاً أسلاكاً كهربائية ضخمة تربط بين جميع المناطق الجنوبية ومركزية الإنتاج، ثم تحويلها عبر البحر الأبيض المتوسّط نحو الأسواق الأوروبية. أما في المقابل فيمكن التقليص من إنتاج الطاقة الكهربائية عبر تحويل النفط إلى كهرباء بحيث تستهلك تلك المحطّات للتوليد كميات كبيرة من المحروقات وهي ذات تأثير سلبي مباشر على البيئة نظراً للملوّثات السامة المُنبعثة منها. بالنتيجة تُعتَبر الطاقة الشمسية من أفضل الطاقات المُتجدّدة في مجال إنتاج الكهرباء الطبيعي الذي هو قادر علي تحقيق الإكتفاء الذاتي بأقل التكاليف مقارنة مع إنتاجه من المحروقات، أو من الطاقة النووية المكلفة جداً والملوّثة للبيئة. فالإقتصاد الأخضر يُعتَبر مُحفّزاً رئيسياً للتنمية الإقتصادية والإستثمار فيه على تلك المساحات الصحراوية الشاسعة يُعدّ مُربحاً جداً نظراً للمناخ الملائم للإنتاج  ولتحقيقه للأهداف الإستراتيجية. كذلك من الطاقات المُتجدّدة في دول المغرب العربي الكبير التي وقع الإستثمار فيها لإنتاج طاقة الكهرباء، نذكر الرياح عبر التيربونات الهوائية وهي أيضاً مازالت في طور الدراسة لتعميمها خاصة وأن مرتفعات سلسلة جبال خمير الممتدة من تونس إلى الجزائر وجبال الأطلس في المغرب تشكّل أفضل المناطق الإنتاجية لتلك الطاقة. فالمناخ الشمالي في تلك البلدان يشكّل بدوره نعمة إضافية لتوليد الطاقة الكهربائية الطبيعية من الرياح السريعة  والمستمرة لفترة زمن طويلة. أيضاً من المعروف أن مناخ تلك الدول يشهد طقساً من الرياح تصل مدته قرابة ستة أشهر من كل سنة إنطلاقاً من شهر نوفمبر إلى موفي نهاية شهر أفريل، بحيث تقوم تلك التربونات بتحقيق الشحن الكافي القادر على إنتاج طاقة كهربائية من الرياح تحقّق الإكتفاء الذاتي بأقل التكاليف، وأيضاً لتصديرها إلى دول الإتحاد الأوروبي. عموماً يُعتَبر المناخ الطبيعي لدول المغرب الطبيعي حافزاً جدياً للإستثمار في الطاقات المُتجدّدة خاصة في مجال إنتاج طاقة الكهرباء من أشعة الشمس ومن سرعة الرياح.

زراعة البترول الأخضر

يُعتبَر الذهب الأخضر الحدث البارز على صعيد الإقتصاد العالمي والذي هو بدوره يُعتَبر موازياً للذهب الأسود. فالإستثمار في زراعة البترول الأخضر يشكّل مجالاً فلاحياً مربحاً للشركات الأوروبية التي أصبحت أسواقها تستهلك بشكل مُتزايد للبترول الأخضر الطبيعي والمعروف بالبيوديزال. فنبتة الجاتروفا الإفريقية تُعدّ ثمرتها مُنتجة للزيت الطبيعي بكميات كبيرة ، بحيث 100 لتر من الزيوت يمكن تحويلها إلى 100 لتر من البيوديزال. ففي هذا المجال تُعدّ تجربة السودان ومصر الرائِدة في زراعة تلك النبتة البترولية ، والتي وصلت إلى زراعة ما يقارب مليار شجرة بحيث يمكن بالنتيجة تعميمها على المساحات الصحراوية الجافة في دول المغرب العربي الكبير، لتشكل بدورها دعماً إضافياً للتنمية. بالتالي الإستغلال الجيّد للإقتصاد الأخضر يُعدّ كمحرك فعّال للإقتصاديات الوطنية لتلك الدول التي مازالت تعاني من تراكم المديونية و العجز في الميزانية. فمناخ تلك الدول يتلاءم كلياً مع نمو نبتة الجاتروفا وذلك في ظروف جيّدة بحيث يمكن للشركات البريطانية المتخصّصة في مجال إنتاج تلك الطاقة من تلك النبتة والتي هي متركّزة حالياً في دولة السودان والموزمبيق تخصيص دراسة حول المناخ الصحراوي المغاربي  وتعميم إستثماراتها الكبرى ومشاريعها في مجال زراعة البترول الأخضر في تلك المناطق. إذ أن الأراضي الصحراوية الشاسِعة غير المستغلّة في تلك الدول يمكن تحويلها إلى مزارع وحقول لإنتاج البترول الطبيعي الذي يُعتَبر الإستثمار فيه غير مكلف مقارنة مع تكاليف التنقيب والتكرير ، وفي المقابل إنتاجيته تحقّق مداخيل مالية هامة. فالشركات الأوروبية أصبحت مؤخراً تعتمد بشكل كبير على المشاريع الصديقة للبيئة مثل إنتاج الزيوت الحيوية القابلة للتحويل إلى طاقات متجدّدة مثل البيوديزال ، بحيث تشكّل لها أراضي دول المغرب العربي الكبير مصدر ثروة للإنتاج المربح ، خاصة على مستوى زراعة نبتة الجاتروفا. كذلك في نفس السياق هناك بعض الشركات الأوروبية في بعض دول المغرب العربي الكبير مختصّة في إنتاج الزيوت الحيوية من نبتة "عباد الشمس" و التي هي أيضا تنمو بشكل سريع  وبصفة شاسعة في تلك الدول ، لكن تبقى تلك الإستثمارات الأجنبية في مشاريعها المنتجة للبترول الأخضر محتشمة وقابلة للتطوير والتعميم. عموماً يعتبر الإقتصاد الأخضر الصديق الرئيسي للبيئة والمجال الحيوي الأرحب للإستثمارات الأوروبية لإنتاج الطاقات المتجدّدة، منها طاقة الكهرباء من أشعة الشمس الصحراوية وطاقة الكهرباء من سرعة الرياح الجبلية. بالإضافة إلى ذلك تشكل الأراضي الصحراوية القاحلة في دول المغرب العربي الكبير مساحات شاسعة قابلة لتحويلها إلى مزارع وحقول للبترول الأخضر عبر زراعة نبتة الجاتروفا نظراً لمُلاءمة مناخها المسهّل لنموّها، أو أيضاً لتعميم زراعة عباد الشمس وإنشاء مصانع ضخمة لإنتاج البيوديزال القابل للتصدير للأسواق الأوروبية التي أصبحت في مجملها تستهلك في تلك الطاقات بكميات كبيرة مقارنة مع السابق،  ذلك نظراً لعدم تلويثها للبيئة ، وتقلّص بدورها من إنبعاثات الغازات السامة. بالنتيجة تساهم تلك الإستثمارات في الإقتصاد الأخضر بتحفيز التنمية الإقتصادية الواعدة في دول المغرب العربي الكبير عبر المراهنة على التخصّص في مجال البحث  والتطوير في مجال الطاقات المُتجدّدة.