الإقتصاد الرقمي والعلاقات الدولية: الإيجابيات و السلبيات

إن ما شهده العالم مؤخراً من ثورةٍ حقيقيةٍ في مجال المعلومات والإتصالات الرقمية يُعدّ من أبرز ملامح وسِمات الحداثة العالمية والتطوّر في العلاقات الدولية في ظل عالمٍ رقمي متكاملِ الأبعاد والآفاق. إذ يشكّل الإقتصاد الرقمي اليوم أهم قطاع معلوماتي وخدَماتي في جميع أجهزة الدول المُتقدّمة.

كما أصبح يمثل هذا القطاع الحيوي مجالاً واسعاً بحيث يساهم إيجاباً في تقريب الشعوب وتقليص المسافات وتسهيل كافة العمليات المالية والتجارية ، وذلك في وقتٍ وجيزٍ جداً مُقارنة بالتقنيات التقليدية القديمة التي لم تعد في مجملها صالحة لعصرنا الحالي. بالتالي حقّقت العولمة الإقتصادية أهدافها العملية بحيث يمكن وضع الإطار الحقيقي حالياً لأهمية تكنولوجيات الإتصال الحديثة في تعزيز روابط العلاقات الدبلوماسية الدولية. ففي هذا السياق يمكن تحديد الإيجابيات والسلبيات للاستخدامات والممارسات لتلك التقنيات ومدى تأثيراتها على العلاقات الدولية بين البلدان. إذ على الرغم من مزاياها من أجل إيصال المعلومات بكل دقّة وسرعة ، والتواصل مع مختلف الشرائح والفئات من المواطنين وذلك عبر استخدام منصّات التواصل الإجتماعي والبريد الإلكتروني وإنشاء المواقع والمدوّنات الإلكترونية ، إلا أن السلبيات أصبحت في مُجملها تمثل تهديداً مباشراً للمُعطيات الشخصية وتكشف العديد من الأسرار التي تهمّ حرمة الفرد وعلاقاته داخل الأسرة أو مع المجتمع. فعلى الرغم من خطورة استعمال تلك الوسائل سلبياً ، إلا أن أغلب دول العالم مازالت تراهن على الإقتصاد الرقمي ومجتمع المعرفة والتكنولوجيا كهدفٍ إستراتيجي لسدّ الفجوة الرقمية وتطوير البنية التحتية المعلوماتية. إذ في هذا الإطار سارعت وزارتا الخارجية البريطانية والأميركية باعتماد وسائل التواصل الإجتماعي خاصة منها الفايسبوك والتويتر للتقرّب أكثر من صوت المواطن والتواصل معه والاستماع لآرائه ومقترحاته ومتابعة تعليقاته. كما تمّ أيضاً تفعيل دور تلك الوسائل في مختلف البعثات الدبلوماسية قَصْد التحكّم الجيّد في المنظومة الإتصالاتية والمعلوماتية عن بُعد ، وذلك لتبسيط الإجراءات الإدارية إلكترونياً وتعزيز مكانة العلاقات التجارية والمالية بين دول العالم. إذ تمثل تكنولوجيات المعلومات والإتصال الحديثة نعمة ونقمة في نفس الوقت ، نظراً لما تخلّفه من منافع ومكاسب أو أحياناً من مضار وإضرار تمسّ حياة الفرد أو مصالح الدول سياسياً وإقتصادياً. أولاً نذكر أبرز الإيجابيات الرئيسة لتلك التقنيات الحديثة التي تتلخّص في ما يلي:
- التواصل مع أكبر عدد ممكن من المواطنين ومناقشة مختلف القضايا الإقتصادية ، الإجتماعية و السياسية بكل شفافية وديمقراطية.
- استخدام وسائل التواصل الإجتماعي للتفاعُل مع مختلف الشرائح العُمرية والإستماع لمشاغِل الرأي العام واهتمامات المجتمع المدني.
- مشاركة العديد من المواطنين من أجل تقديم المُقترحات والتفاعُل مع التعليقات لإيجاد حلول تتماشي مع جميع الأطراف.
- تقريب الشعوب وتعزيز العلاقات الدولية وتبادل التكنولوجيات والتطبيقات الحديثة بين الدول خاصة من خلال عقد معارض محلية أو قمم دولية لمجتمع المعلومات التي ترعاها الأمم المتحدة ، إذ نذكر أهمها قمّة المعلومات في تونس سنة 2005 وقمم جنيف خلال هذه العشرية والتي جمعت العديد من الدول و المنظمات والجمعيات.
- تقديم المساعدات التقنية عن بُعد لتسهيل وتبسيط الإجراءات والعمليات الإدارية الإلكترونية.
- إنشاء المدوّنات والمواقع الإلكترونية وإدارة الحملات الترويجية التي أصبحت اليوم تستغلّ لتقديم برامج إقتصادية وسياسية وتوفّر منابر للحوار والنقاش عبر التعليقات وإضافة المقالات.
- استغلال منصّات التواصل الإجتماعي وذلك عبر الترويج والإشهار الإلكتروني أو التجارة الإلكترونية واستخدام برمجيات وتطبيقات رقمية في العمل عن بُعد ومن أهمها التدريس عن بُعد ومراكز النداء وخدمات الترجمة والتحرير.
- الإستفادة من نقل التكنولوجيات الحديثة من الدول المُتقدّمة إلى الدول النامية أو السائِرة في طريق النمو ، بحيث تساهم تلك التقنيات في تقليص الفجوة الرقمية وتحفيز النمو الإقتصادي وبالتالي تحقيق التنمية المُستدامة.
أما ثانياً ، فسلبيات تلك التكنولوجيات الحديثة أصبحت تشكّل في مجملها خطراً وتهديداً حقيقياً لحياتنا اليومية ، وأحياناً للعلاقات الدبلوماسية الدولية وللأمن القومي, إذ نذكر أهمها:
- مساهمة تلك التكنولوجيات الحديثة خاصة عبر وسائل التواصل الإجتماعي والمدوّنات في إسقاط بعض الأنظمة السياسية خلال فترة ما يُسمّى بالربيع العربي. كما ساهمت تلك الوسائل في تأجيج الإضطرابات والإعتصامات والفوضى ، بحيث تحوّلت أغلبها إلى منصّات تواصل إجتماعي لتنظيم عمليات التخريب أو التظاهر السلمي ضد الأنظمة السابقة خاصة في تونس، مصر، سوريا، اليمن، السودان، الجزائر وليبيا. إذ خلال فترات ما تعرف بالاحتجاجات الممتدة من سنة 2011 إلى الآن كانت مجمل تلك الوسائل الأكثر نشاطاً لإدارة حملات الإعتصام والتمرّد الشعبي والعصيان المدني في جميع تلك الدول.
- كشف أسرار أمن الدول وخاصة منها إختراق البريد الإلكتروني لرؤساء بعض دول العالم ، ونذكر في هذا الصَدَد العمل السلبي الذي قام به "جوليان أسانج" من خلال ما يُسمّى بالويكي ليكس وذلك بتقديم معلومات في غاية من السرّية لوسائل الإعلام الدولية ، ما أحدث بالنتيجة أزمات دبلوماسية واضطرابات في العلاقات الدولية. أيضاً مؤخراً عمليات القرصَنة الروسية سنة 2016 والتي أحدثت بلبلة كبرى داخل كواليس الجهات الحكومية وصلت إلى أعلى هرم السلطة التنفيذية. كذلك بعض الشركات الإلكترونية في مجال الإتصالات على غرار شركة هواوي الصينية التي تسبّبت في توتير العلاقات التجارية والسياسية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية نتيجة لبرمجيات التجسّس المزروعة داخل هواتفها الجوّالة الذكية. فعلى الرغم مما يحتويه الهاتف الذكي من خاصيات ومزايا متطورّة ، إلا أنه يحمل العديد من السلبيات خاصة أنه لا يحمي بالقدر الكافي مُستخدميه مما يُعرِّض صاحبه لإنتهاك مُعطياته الشخصية. إذ يمكن إختراق تلك الهواتف بكل سهولة والتنصّت على جميع الإتصالات للمُستخدمين.
- خطورة تواجد التلفاز الذكي في المنزل لأنه يمكن أن يتحوّل إلى جهاز تنصّت وتصوير أو تجسّس خاصة عبر نوعية من الكام فيروس و بعض البرمجيات المتوافرة فيه.
- سرعة تداول المعلومات عبر وسائل التواصل الإجتماعي وخاصة منها نشر الشائعات المُغرِضة التي يمكن أن تُحدِث أحياناً فوضى عارِمة داخل المجتمعات.
إن عالمنا اليوم أصبح يعتمد بالأساس على التكنولوجيات الحديثة من أجل تبسيط الإجراءات الإدارية والإتصالات بين الأفراد والدول. كما أصبحت جميع القطاعات الحيوية للإقتصاد الدولي تعتمد على منافع الإقتصاد الرقمي وتكنولوجيات الإتصالات الحديثة كمُحرّك رئيسي وعمود فقري للتنمية تسهل في مختلف الخدمات الإدارية الرقمية. بالتالي أصبح الإقتصاد الرقمي عنصراً فعّالاً في إدارة العلاقات الدولية ومؤسّساً للعولمة الرقمية العالمية في شتّى القطاعات والمجالات. إلا أنه مازال يحمل في جعبته بعض السلبيات في استخدامه والتي تهدّد مباشرة المُعطيات الشخصية والسرّية في المعاملات التجارية والمالية ، وبالنتيجة تؤثّر على العلاقات الدولية بين مختلف دول العالم خاصة منها المُتضرِّرة من تلك الممارسات التي تُعتَبر في مجملها حرب قرصنة.