منظومة العمل عن بُعد في فرنسا: نحو الإندماج الفعَّال بالفضاء الرقمي العالمي

يُعدّ تطوّر العمل عن بُعد في فرنسا وانتشاره الواسع والسريع من سِمات الحداثة الرقمية التي تُمهّد الطريق بأن تصبح تلك المِهَن عن بُعد هي مِهَن القرون المستقبلية التي تعتمد على التكنولوجيا الرقمية في الحياة اليومية.

توجَّهت مؤخّراً فرنسا نحو تعزيز مكانة التكنولوجيات الحديثة

تُعتَبر منظومة العمل عن بُعد في فرنسا من أحدث ما توصَّلت إليه التكنولوجيات المعلوماتية والإتصالاتية الرقمية حالياً. كما يتميَّز هذا النوع من العمل بخاصيّاتٍ وميزاتٍ تجعل المُندَمِج فيه يشعر بأكثر راحة نفسية لأنه لا يحتاج إلى التنقّل إلى مركز العمل، وأيضاً يوفِّر لنفسه قسطاً إضافياً من الوقت للراحة. بالتالي في هذا السياق تشير جميع التقارير والدراسات العلمية في هذا المجال إلى أن مُستخدمي العمل عن بُعد يحقّقون نجاحات باهِرة في أداء العمل بسرعةٍ فائقةٍ وجودةٍ عالية.

إذ يمكن أن نقول اليوم إن هذه النوعية من العمل أصبحت تُسهِّل من عملية إدماج العاطلين عن العمل أو ذوي الإعاقات الجسدية أو أصحاب المهارات والمواهب، وخاصة منهم النساء اللواتي هنَّ في حاجة للعناية بالأطفال والتي تحتاج للتوفيق بين شؤون المنزل والعمل معاً. عموماَ من أبرز مواقع العمل عن بُعد في فرنسا نذكر منها مواقع إدخال قاعدة البيانات في برمجيات الشركات المُتعاقِدة معها، مثل الفواتير والحسابات وغيرها من البيانات الرقمية والإحصائية، وهذا العمل يتطلَّب في حدِّ ذاته خبرة وكفاءة مهنية عالية أو حتى شهادة جامعية عالية أحياناً.

أيضاً برز مؤخّراً في فرنسا العديد من مواقع التدريس عن بُعد من خلال تقديم الدروس الخصوصية عَبْر قاعات إفتراضية وذلك بشكلٍ ملحوظٍ و بِنَسقٍ مُتزايدٍ ومُتصاعِدٍ، ويحظى بدوره بإقبال مُكثّف من قِبَل الطلاب أو الأساتذة. إذ يُعتَبر التدريس عن بُعد من أهم وأكثر المواقع إستعمالاً في فرنسا ، وأيضاً على مستوي العالم وخاصة منها في دول الخليج العربي والولايات المتحدة الأميركية والإتحاد الأوروبي. إذ للتعريف بهذه الظاهِرة الحديثة للتدريس عن بُعد هي تعني إعطاء دروس عَبْرَ قاعاتٍ إفتراضيةٍ عن بُعد وذلك عَبْرَ التواصل مع التلاميذ أو الطلاب بالصوت والصورة عَبْرَ شرح التمارين وتصحيحها على السبورة الرقمية أو تقديم المُحاضرات الجامعية بطريقةٍ رقميةٍ عَبْرَ "PowerPoint" أو غيرها من التطبيقات.

كما تحظى هذه النوعية من التدريس عن بُعد باهتمامٍ كبيرٍ لدى شريحة التلاميذ والطلاب الذين هم في حاجةٍ ماسّةٍ إلى دروسٍ خصوصيةٍ ليليةٍ مدعمة لهم. إذ في هذا الصَدَد أثبتت جميع التقارير الدولية في هذا المجال مدى تطوّر تلك المنظومة التعليمية عن بُعد على الصعيد العالمي ، وربما ستحوِّل العالم برمَّته من الواقعي إلى الإفتراضي، وذلك عَبْرَ تزايُد بروز العديد من المدارس الرقمية والمعاهد والكليات الإفتراضية الخاصة والتي تقدّم دروساً تعليمية وشهادات جامعية عن بُعد. أما بخصوص إنتدابات الأساتذة الجامعيين المُتحصّلين منهم على شهادة الماجستير أو الدكتوراه ، فموقع الجامعات الإفتراضية للتدريس عن بُعد والمعروف بمووكس "MOOCs"، يوفِّر اليوم العديد من الوظائف للتدريس في بعض الاختصاصات العلمية عن بُعد.

بالإضافة إلى ذلك برزت مواقع للعمل عن بُعد خاصة بخدمات الترجمة والتحرير ، حيث أن العديد منها تجمع بين العرض والطلب وذلك لتوفير تلك الخدمات من نصوصٍ أو مقالاتٍ أو حتى كتب التي تقع ترجمتها إلى لغاتٍ عالميةٍ متنوّعةٍ أو كتابتها على تطبيقة "Word". كذلك من أبرز شركات العمل عن بُعد نذكر مراكز النداء والتي هي أيضاً تستقطب العديد من المُحترفين وأصحاب الكفاءات العُليا وتساهم في إدماجهم المباشر في منظومة العمل عن بُعد بمقابل مبلغٍ مالي مُحتَرم شهرياً. إذ تُعدّ هذه المواقع للشركات من مراكز النداء وخدمات الترجمة والتحرير والتسويق والبيع بالتجزئة، أو أيضاً المدارس والمعاهد والكليات الخاصة في مُجملها من أهم إنجازات المستقبل التي أضحت تُراهِن علي الإقتصاد الرقمي وعلى تكنولوجيات الإتصال والمعلومات، وذلك من خلال وضع الخطوة الأولى نحو عالم مُعولَم تسيطر عليه التقنيات الحديثة وصناعة الذكاء الإلكتروني.

ففي هذا الصَدَد توجَّهت مؤخّراً فرنسا نحو تعزيز مكانة تلك التكنولوجيات الحديثة عبر إستخدام التقنيات المُتطوّرة وخاصة منها الهواتف الذكية والتلفاز الرقمي الذكي والألواح الرقمية والقاعات الإفتراضية ، وذلك من أجل تسهيل عملية الإندماج في منظومة العولَمة الرقمية. كما تعزَّزت علاقات الشراكة الرقمية بين دول شمال وجنوب المتوسّط عَبْرَ نقل تلك التكنولوجيات للبلدان النامية أو السائِرة في طريق النمو ، وذلك من أجل تقليص الفجوة الرقمية معها. إذ من جهة على رغم من النجاحات الباهِرة التي حقَّقتها تلك التكنولوجيات الحديثة في العالم المُتقدّم عبر خلق العديد من الشركات الإلكترونية التي تعمل في الفضاء الرقمي عبر تكنولوجيات الإتصال، مثل شركات التجارة الإلكترونية والخدمات عن بُعد ومراكز النداء وخاصة التدريس عن بُعد. إلا أنه من جهةٍ أخرى هناك العديد من عمليات النصب والاحتيال من جانب بعض الشركات أو المواقع المعروفة بالسكام "Scam" والتي لا تقوم باستخلاص الخدمات التي يقدِّمها الشخص الذي يعمل في تلك المنظومة عن بُعد. كذلك كَثُرَ الحديث اليوم عن تلك المواقع المُحتالة والتي من واجب بعض الجهات الحكومية التصدّي لها قَصْد تعزيز مكانة العمل عن بُعد خاصة في الدول المُتقدّمة وبالتحديد في فرنسا بحيث تساهم في حماية المُستخدم وتضفي عليها طابعاً من المصداقية والشفافية.

عموماً يُعدّ تطوّر العمل عن بُعد في فرنسا وانتشاره الواسع والسريع من سِمات الحداثة الرقمية التي تُمهّد الطريق بأن تصبح تلك المِهَن عن بُعد هي مِهَن القرون المستقبلية التي تعتمد على التكنولوجيا الرقمية في الحياة اليومية، وتسعى إلى الخروج من المنظومة التقليدية الروتينية وتؤسّس لنمطٍ جديدٍ من العمل مواكباً للمُتغيّرات العالمية وللتطوّرات التكنولوجية الحديثة.