عام جديد...جميل؟

مع العام الجديد يتكرس الرهاب الذاتي المسيطر على هذه المساحة من الجغرافيا، كلهم يشبهون بعضهم بعضاً، يقرأون الكتاب نفسه، يصلون الصلاة ذاتها، أحلامهم لا تختلف كثيراً عن بعضها بعضاً، ويعبرون عن أنفسهم حيثما كانوا بأنهم "الطيبون"، لكنهم في واقع الحال برغم كل المشتركات، وبرغم أنهم يشبهون بعضهم بعضاً إلى هذا الحد يكرهون بعضهم بعضاً إلى حد الشبه الذي بينهم، إنها معادلة صعبة الإعراب، عصية على الفهم، لكنها حالنا منذ سنين، ويبقى السؤال علام الاختلاف حقاً؟

صوت القذائف لن يسكت الموسيقى التي في القلوب
"كل عام وأنتم بخير"، "أعاده الله عليكم وعلينا بالخير"...لم تعد هذه عبارات مجاملة في بلادنا فحسب، بل أضحت أيضاً لسان حل كل محب يخشى حقاً على صديقه أو قريبه أو حبيبه من انفجار هنا أو خطف هناك أو صاروخ مجنح أو جسم منفجر غريب ساقط من السماء. أضحت السلامة رفاهية لا يقدر عليها الجميع، إنجازا أو سباقا مع عوامل الموت المتعددة المحيطة بخارطة هذه الأمة، التي تقزمت قبائل وطوائف وأحزاباً.

مع العام الجديد يتكرس الرهاب الذاتي المسيطر على هذه المساحة من الجغرافيا، كلهم يشبهون بعضهم بعضاً، يقرأون الكتاب نفسه، يصلون الصلاة ذاتها، أحلامهم لا تختلف كثيراً عن بعضها بعضاً، ويعبرون عن أنفسهم حيثما كانوا بأنهم "الطيبون"، لكنهم في واقع الحال برغم كل المشتركات، وبرغم أنهم يشبهون بعضهم بعضاً إلى هذا الحد يكرهون بعضهم بعضاً إلى حد الشبه الذي بينهم، إنها معادلة صعبة الإعراب، عصية على الفهم، لكنها حالنا منذ سنين، ويبقى السؤال علام الاختلاف حقاً؟

في سوريا، في العراق، في اليمن، في مصر، في ليبيا، في تونس، في البحرين، حيثما هناك دماء تراق باسم الله، يحاول كثر فهم الأسباب الحقيقية وراء الاختلاف المتلطي خلف شعارات دينية، يحاولون تشخيص جذر المشكلة للوصول إلى حل. كيف يكون المسلم مرتداً لمجرد اختلافه في فرع من فروع الدين مع الآخر، وكيف يصبح المسيحي كافراً  وهو يؤمن بالله، وكيف يُبرّر قتل اللاديني بحجة الإلحاد، بينما في كتاب الله آية بينة {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} البقرة 256، {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين{ الممتحنة 8.

هي ليست بحرب دينية في حقيقتها، إنما أُلبست لبوس الدين والطائفية لتكون أكثر نجاعة وإراقة للدماء، أكثر جذباً لآلاف الشباب المتمردين على واقعهم المرير، الذي أسست له عقود من الظلم والقمع، أكثر إقناعاً للجماهير العريضة المحرومة كل حق إلا حق أن تكون جبهة خلفية مساندة ومتعاطفة عند احتدام النزال، أكثر تربحاً للغربان الناعقة من محللين وصحافيين وناشطين اجتماعيين، ممن يحترفون صب الزيت على النار، والتحريض على القتل والتجييش برسم وقائع ما أنزل الله بها من سلطان. هؤلاء تحديداً باعة الوهم ومروجو الأمنيات على أنها حقائق، يضللون ويكذبون بحجة الحرب النفسية، بينما هم في الواقع يجهّلون المجتمعات، ويبنون على أكوام الجثث وأنهار الدماء شهرة وجاهاً بين ضعاف النفوس ممن يميلون مع كل ريح.

بعيداً عن هذه المساحة، في أوروبا، تقف سيدة مسلمة محجبة وسط حافلة ركاب في طريقها إلى منزلها، فجأة تنهال عليها سيدة أخرى بالشتائم "عودوا إلى بلادكم حيث القتل، لا تأتوا إلينا بداعش"، قالت لها "أنتم شعوب قذرة" إلى آخر الكلام البذيء الذي لا مجال لتكراره، لكن من المفيد الإشارة إليه لكونه يعكس حالة الكراهية التي تجددت لدى الآخرين تجاه المسلمين، المسلمين جميعاً، سنّة وشيعة وصوفيين وسلفيين وإباضيين، بل أكثر تجاه كل شخص تحمل ملامحه بصمة شرقية، فلا فرق بين مسيحي مشرقي ومسلم في شارع في فرانكفورت، أو تورونتو، ولا بين تركي وفارسي وكردي أو حتى هندي في محطة قطار في فيينا، جميعهم في نظر من يحملون بذور الكراهية سواسية، لذلك يتعرض "شاه نور" الهندي السيخي للمضايقة من الشرطة الأميركية في كاليفورنيا، لأنه في نظرهم مسلم، بغضّ النظر عن الاختلاف الكبير والجذري بين السيخية والإسلام، وحالات القتل المتبادلة بين الطرفين، يكفي أنه يأتي من بلاد الشرق ليكون هدفاً مشروعاً للمضايقة.

إنه عام جديد...جميل؟ حقاً لا أدري إن كان هناك مساحة فيه للجمال، لكنه دون أدنى شك يعرّي أكثر فأكثر من يقفون خلف أقنعة الزيف... صحيح أن الدماء وصلت إلى الركاب، وأن الجثث في شوارع عواصمنا لا تكاد تجد مقابر تجمعها، لكن صوت القذائف والرصاص مهما علا لن يسكت الموسيقى التي في القلوب، قلوب شباب يرفضون الاستسلام لعبثية الدماء التي لا تنتهي، وينشدون ما كتبه ابن نابلس الفلسطيني، الشاعر إبراهيم طوقان يوماً:

لا نريد لا نريد

ذلنا المؤبدا وعيشنا المنكدا

لا نريد بل نعيد

مجدنا التليد مجدنا التليد

موطني موطني.