دونالد ترامب ليس وحيداً

لم تصدمني حقاً تعليقات الغرب، بقدر ما فعلت تلك الصادرة من العالم العربي، ومن شخصيات يكفي أن نراجع أربع أو خمس مقالات أو تعليقات، لنكتشف أنها تختزن في داخلها نسخاً أكثر عنصرية من دونالد ترامب، بل إن الملياردير الأميركي تحسب له صراحته المطلقة في التعبير عما يجول في خاطره من أفكار.

لم تصدمني حقاً تعليقات الغرب، بقدر ما فعلت تلك الصادرة من العالم العربي
صعق العالم بتصريحات المرشح الرئاسي الأميركي دونالد ترامب، أو هكذا بدا لنا. لم يبق رئيس أو وزير أو صحافي أو أمير، أو أي كان، إلا وخرج محاضراً في التسامح والتعاطف وقبول الآخر. لبرهة، ظننا أننا نعيش في عالم غير هذا العالم الذي نحن فيه، وأن ترامب ومن مثله من مجانين السياسة، غرباء عن ثقافة هذا العالم التعددية غير العنصرية. فهذا عالم لا يرضى بجدار فصل عنصري يُبنى ليمنع شعباً عن أرضه، وهو يأبى السماح باستعباد شعوب في جنوب الأرض ليجني أرباحاً طائلة، ويحارب بازارات السلاح التي تزدهر على جثث الملايين من المعذبين، بين سندان ظالم ومطرقة مطالبين بسلطة، حقاً هو عالم لا يشبه ترامب ولا أمثاله ولذلك خرج من خرج ليعبّر عن الصدمة التي اعترته.

لم تصدمني حقاً تعليقات الغرب، بقدر ما فعلت تلك الصادرة من العالم العربي، ومن شخصيات يكفي أن نراجع أربع أو خمس مقالات أو تعليقات، لنكتشف أنها تختزن في داخلها نسخاً أكثر عنصرية من دونالد ترامب، بل إن الملياردير الأميركي تحسب له صراحته المطلقة في التعبير عما يجول في خاطره من أفكار، نرى بأم العين جذورها في سياسات تتبعها دول عربية عدة بحق فلسطينيين ولبنانيين وسوريين وعراقيين وكل طالب رزق يفكر في البحث عن لقمة عيش. يكفي أن تكون من جنسية محددة أو من طائفة معينة حتى يأتيك رفض الدخول حتى قبل أن تصل إلى مقصدك، ومع الرفض رسالة اعتذار خجولة من الجهة التي تفكر في العمل لديها بأن المشكلة ليست فيك شخصياً، إنما في بلدك أو خلفيتك الدينية، فما الذي يمنع الولايات المتحدة أو غيرها من دول الغرب من اتخاذ دول العرب مثالاً أعلى في التعاطي مع الوافدين من المسلمين؟

ليس هذا تبريراً لترامب بأي شكل من الأشكال، ففعله يعكس في الشكل والمضمون عنصرية فجة لا يمكن قبولها، لكنها تعكس أيضاً جنوناً يبدو متناسباً مع مستشفى الأمراض العقلية العالمي، الذي يبدو أننا نعيش في قلبه وندفع ثمن أفعال ساكنيه. هو مستشفى نزلاؤه زعماء تنظيمات تكفيرية إلغائية يحاورون العالم بالعبوات والأحزمة الناسفة، وقادة دول وممالك يرعبهم الصوت والكلمة، ولا يعرفون من الدبلوماسية سوى القصف الجوي والبري، وفي أحسن الأحوال دبلوماسية ما وراء الشمس، وشركات سلاح ونفط على استعداد لحرق العالم لإبقاء شعلهم مشتعلة، وصحافيون وإعلاميون يتفنون في صناعة الموت وتجهيل العقول وتضليل الرأي العام لكسب حفنة من المشاهدين والدولارات معاً، ومواطنون يملكون حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي يخترعون قصصاً وأكاذيب وسيناريوهات ما أنزل الله بها من سلطان، لاجتذاب إعجاب أو شعبية زائفة. هؤلاء يشبهون دونالد ترامب، بل عماد عالمه الخاص الجديد، يحتلون زواياه كقطع ديكور تضيف من روحها إلى المكان، هم قطع صامتة تخفي خلف جمادها صراحة لا يجرؤ على البوح بها سوى المرشح الرئاسي صاحب الشعبية في الولايات المتحدة الأميركية، ومن يدري ربما الرئيس المقبل لأقوى دولة في العالم، دونالد ترامب.