عودة الظواهري "الرومانسي" إلى سوريا.. لماذا الآن؟

أمام الواقع المتشظّي (كما تَصَاعُد مستوى الخسائر البشرية والمادية)، ارتفعت في الآونة الأخيرة الأصوات بين المسلحين والإعلاميين الداعمين لتعديل العقيدة القتالية بما يتناسب والمأزق الذي يعانونه، في ظلّ صمود الجيش السوري وحلفائه بعد كل هذه السنوات من القتال.

يدعو الظواهري بوضوح إلى التحوّل لحرب العصابات
مع نهاية معركة حلب، خلّف مقاتلو "جيش الفتح" والفصائل المسلحة خلفهم عشرات رسومات الغرافيتي "الحالمة"، والتي تناقلتها وسائل الإعلام العالمية مضفيةً طابعاً "رومانسياً" على "ثوّار" جبهة النصرة و أخواتها.

مُذاك، لم تستطع هذه الفصائل تحقيق اختراق حقيقي واحد على مستوى السيطرة على مساحات جغرافية تُذكر، و إن كانت الأعمال الحربية مستمرّة على امتداد مساحات الجغرافيا السورية.

خلال الأشهرة القليلة الماضية، لم تُسفر عملية الدمج تحت راية المُكّونين الرئيسين (أحرار الشام و جبهة النصرة) في تعديل الموازين العسكرية ميدانياً، بل تحوّل هذا الفرز إلى مساحة لتبادل الاتهامات بالخذلان؛ كما يحصل في معارك ريف حماة الأخيرة.

وأمام هذا الواقع المتشظّي (كما تَصَاعُد مستوى الخسائر البشرية والمادية)، ارتفعت في الآونة الأخيرة الأصوات بين المسلحين والإعلاميين الداعمين لتعديل العقيدة القتالية بما يتناسب والمأزق الذي يعانونه، في ظلّ صمود الجيش السوري وحلفائه بعد كل هذه السنوات من القتال.

في هذه المرحلة بالذات، قرر أيمن الظواهري أن يدلوَ بدلوه، موجّهاً رسائل متعدّدة الاتجاهات في كلمته الأخيرة، حيث يمكن تعداد الإشارات التالية في الفيديو الذي بثته أولاً مؤسسة "السحاب"؛ إحدى الأذرع الإعلامية لتنظيم "القاعدة":

- تضمنّ الفيديو صورة لأبي محمّد الجولاني، زعيم جبهة النصرة، وصوراً من غزوة "أبي عمر سراقب". تفادت القاعدة منذ إعلان الجولاني الإنفصال "شكلياً" عنها إصدار أيّ إشارة تخدش سعي النصرة، بأسمائها اللاحقة، إلى "الاعتدال".

الإشارة المشهدية حازت على الكثير من التعليقات في أوساط المسلحين، إلى حد اعتبارها أمراً مباشراً لمن وصفهم الظواهري بـ"إخواننا في الشام".

- يشير الطابع العام لكلمة الظواهري إلى قرار مستمر المفاعيل بقتال طويل المدى في سوريا. الدعوة لاعتبارها "معركة الأمّة" وحثّ "المهاجرين" و"الأنصار" على المشاركة فيها يصبّ في هذا السياق.

- تؤشّر كلمة الظواهري إلى رغبةٍ بملء الفراغ الذي قد ينجم قريباً عن تراجع داعش في سوريا وإعطاء زخمٍ جديد لعملية استقطاب المسلحين من كل أنحاء العالم باتجاه سوريا. في الواقع، لطالما دمغ السباق بين الجهاديتين مسار القرارات والتوجّهات الصادرة عن القاعدة في السنوات الماضية.

- يدعو الظواهري بوضوح إلى التحوّل لحرب العصابات. يكاد هذا يكون الحديث الأبرز بين المستويين الأول والثاني في قيادات المسلّحين منذ ما قبل إطلالة زعيم القاعدة الأخيرة. ولا يقتصر هذا التوجّه على الفصائل المحسوبة على القاعدة بل يتخطّاها إلى "داعش" والجيش الحر.

لا يغيب على بال رجل كالظواهري أنّ التحوّل إلى حرب العصابات يتطلّب الكثير من العمل والإعداد، فضلًا عن كون معرفة طبيعة الأرض شرطاً أولياً في نجاحها، إلى جانب تأمين بيئة شعبية حاضنة والحسم لاحقاً بعد استنزاف الخصم.

بعض هذه الشروط يتناقض جذرياً مع فكرة جلب المزيد من المقاتلين من كل أنحاء العالم. وبالتالي لا يمكن تفسير دعوة الظواهري إلى انتهاج حرب العصابات في هذا التوقيت بالذات إلا أنه يأتي في سياق قراءة تنظيم القاعدة للتنافس مع داعش على أنه أولوية تتقدّم واقع المشهد السوري.

ناهيك عن أن مضمون هذا الخطاب يدغدغ مشاعر شرائح واسعة من المسلحين، من مختلف الأطياف، من الذين سئموا الفشل المتواصل منذ معركة حلب. لهذا كلّه، عاد الظواهري إلى المشهد السوري حاملاً راية "الثائرين الرومانسيين" العابرين للحدود أنفسهم الذين هُزموا في حلب.