الكتّاب العرب في مواجهة الاخطار

ما زال مستوى الوعي العربي الشعبي بأهمية الكاتب وما يقدمه من أفكار ضحلة جداً، وغالباً لا نجد حراكاً شعبياً واسعاً دفاعاً عن حرية الرأي والتعبير، في حين أن المبدعين من الكتاب هم دعاة تغيير وتجديد، وهم الذين يصيغون النظريات نحو مستقبل أفضل.

غالباً لا نجد حراكاً شعبياً واسعاً دفاعاً عن حرية الرأي والتعبير
أثار اغتيال الكاتب العربي ناهض حتّر شجون وآلام المخاطر التي يواجهها الكاتب العربي الذي يملك رؤية أو فلسفة أو نظرة واضحة لخروج العرب من تخلفهم إلى اللحاق بركب الحضارة العالمية. والمعلقون العرب يدلون بآرائهم وأفكارهم عبر مقالاتهم ومختلف وسائل الإعلام والتواصل حول موضوع الحماية التي يجب أن تتوفر للكتاب البارزين والذين يساهمون بقوة في تشكيل الرأي العام العربي، أو الرأي العام القطري. وواضح مما نسمع ونقرأ أن الكتاب العرب لا يملكون حلولاً سريعة وفعالة لمواجهة الأخطار التي يتعرضون لها. المخاطر كثيرة، وفي أغلب الأحيان "البكايات" قليلة، وربما يجدون دوراً لقوى خارجية لديها القدرة على الضغط والتأثير على حكومة البلد التي ينتمي إليها الكاتب. أما على المستوى الجماهيري فما زال مستوى الوعي العربي الشعبي بأهمية الكاتب وما يقدمه من أفكار ضحلة جداً، وغالباً لا نجد حراكاً شعبياً واسعاً دفاعاً عن حرية الرأي والتعبير. ولأنني من أكثر الكتاب العرب تعرضاً للملاحقة والتنكيل، إن لم أكن الأكثر على الإطلاق وما زلت حياً حتى الآن، أجمل المخاطر التي يتعرض لها الكاتب بالتالي:


-  يأتي الخطر الأكبر على الكاتب العربي المبدع الذي يأتي بالجديد من الأفكار من النظام السياسي الحاكم وأجهزته الأمنية. الأنظمة السياسية العربية استبدادية قمعية همجية لا تؤمن بحرية الإنسان ولا تقيم قدراً لإنسانية الإنسان. العربي بالنسبة للأنظمة دابة أو عبد يتم امتطاؤه واستعباده وسوقه على هوى الراكب. وأشد ما يلفت انتباه الأنظمة العربية تلك الأفكار التي تتحدث عن حقوق الإنسان وضرورة تحريره ليكون عنصراً فاعلاً في المجتمع وعن الفقر والجوع والجهل والمرض. لقد لاحقت الأنظمة العربية آلاف الكتاب على طول الوطن العربي وعرضه وزجتهم في السجون وحرموا من الوظائف ومن لقمة الخبز ومنهم من قتل أو مات في الزنازين العربية. لقد أجرمت الأنظمة العربية بحق المفكرين والكتاب وأصحاب الرأي، وما زال إجرامها مستمراً لغاية الآن وسيستمر للغد أيضاً. وإجمالاً، لا تنظر السلطات السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية بارتياح للكاتب العربي الذي يحمل هموم المواطن العربي وهموم الأمة العربية وعلى رأسها الهم الفلسطيني.

 

- غير المعجبين برأي المفكر أو الكاتب بخاصة من حملة الآيديولوجيا والنظرة الشمولية للكون والحياة يشكلون خطراً كبيراً على الكتاب سواء من الناحية الجسدية أو من ناحية التشهير والإساءة للسمعة وتحريض الناس ضده. ربما نذكر جميعا كيف تم تشويه صورة العديد من الكتاب الشيوعيين والبعثيين والقوميين المشهورين وقيل عنهم ما لا يقال حتى تم عزل أغلبهم اجتماعياً. ومن المفروض أن يعي الكاتب أنه عدو كل من لا يعجبه رأيه من منطلق آيديولوجي. عامة الناس يمرون على الفكرة مر الكرام، وربما لا يفقهون جيداً معنى الفكرة ومراميها وأهدافها، أما العقائديون والآيديولوجيون فيخزّنون ويتوعدون ويهددون. ولهذا نرى أن الانتقادات الشديدة لرأي مفكر أو كاتب تأتي من الأحزاب العقائدية والتنظيمات والفصائل التي يظن كل واحد منها أنه منظم هذا الكون، وهو الذي يملك الحقيقة المطلقة، وأن كل من يأتي بفكرة جديدة يعتدي على الملكيات الخاصة للتنظيم أو الحزب.


- الكيان الصهيوني ومن والاه يلاحق كل من تمس أفكاره بالكيان أو يؤيد المقاومة العربية ويشجعها ويحرض على تحرير فلسطين واستعادة الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني. وإذا نقم الكيان على كاتب أو مفكر نقمت عليه دول عربية عدة. طبعا نحن في فلسطين واعون جيداً لهذه المسألة لأننا نواجه المخاطر باستمرار من طرف أهل غرب النهر وشرق النهر. إذا اعتقل الصهاينة مفكراً أو كاتباً، فنصيبه التحقيق أو منع الدخول إذا أراد العبور نحو شرقي الأردن، وإذا غادر الأردن إلى بلد عربي آخر يجد ملفه لدى الصهاينة حاضراً ويحاسب عليه. حساب البلدان العربية أخف وطأة من حساب الصهاينة في بعض الأحيان، لكن مجرد انتقال الملفات من الكيان إلى المخابرات العربية وبالعكس أمر صاعق لكل من يملك إحساساً بالانتماء لأمة العرب. بالإضافة، لا ينجو الكاتب العربي الفلسطيني من أذى السلطة الفلسطينية وملاحقتها، وقد سبق أن اعتقلتني السلطة الفلسطينية لأنني طالبت بتطبيق القوانين، ولأنني انتقدت رئيس جامعة النجاح بسبب عدم إذعانه لقرار محكمة العدل الفلسطينية. حتى القانون لا يجوز أن تدافع عنه. الذي له الحق بتطبيقه وانتهاكه هو السلطة الفلسطينية، أما عامة الناس فما عليهم وبهم إلا السمع والطاعة.

 

- الكتاب المدافعون عن القضايا العربية مثل قضية فلسطين وقضية الوحدة العربية وصون الثروات العربية وحرية الإنسان العربي يضعون أنفسهم على رأس سلم المستهدفين بالملاحقة والتنكيل. وهؤلاء يعون أنهم غير مرغوب بوجودهم وبكتاباتهم لأنهم يبثون الوعي في نفوس الناس وعقولهم، وكلما ارتقى الوعي العربي بقضايا الأمة ارتفع منسوب الخطر الذي تواجهه السلطات على اختلاف أنواعها. الوعي عدو السلطة الحاكمة أو المتنفذة، والأفضل دائما أن يبقى عموم الناس جهالاً يرون في السلطات تفويضاً إلهياً وقدراً أراد الله بهم خير الناس أو معاقبتهم على ما اقترفوه من ذنوب.

 

العديد من الإعلاميين والكتاب المنافقين يحرضون ضد الكتاب المتنورين أصحاب الرأي والفكرة الجديدة. ليس كل كاتب مبدع، ولا كل إعلامي يبحث عن الحقيقة. هناك إعلاميون مأجورون وكاذبون ويكتبون وفق رغبات أسيادهم الذين يمدونهم بالمال والجاه والنفوذ في أوساطهم. وهناك كتاب منافقون ودجالون يمالئون الحكام وأصحاب الثروة والنفوذ، ولا يهمهم مستقبل المواطن أو مستقبل الأمة، ولديهم الاستعداد دائما لخدمة الاستبداد والاستعباد، وخدمة الاستعمار الغربي وعلى رأسه الاستعمار الأمريكي، ومنهم من يخدم العدو الصهيوني مباشرة ويتآمر على المقاومة العربية، ويناهض من يقاوم التطبيع مع الصهاينة، ويرفض التعاون معهم أو شراء منتجاتهم. هؤلاء هم الأكثرية الإعلامية والأدبية في الساحة العربية، وهم الذين يتحكمون بالعديد من القنوات الفضائية والإذاعات والصحف، وهم الذين يبثون السموم في نفوس العرب ليبقوا عبيدا مستعمرين لا يلوون على شيء، وهؤلاء هم الذين يحرضون ضد الكتاب أصحاب الشأن الذين سيخلدهم التاريخ ويخلد إبداعاتهم، وينبهون أجهزة الأمن العربية على نشاطاتهم ومدى تأثيرهم في الشارع وعامة الناس. وقد سبق أن كتبت كتابا بعنوان "قبور المثقفين العرب"، صنفت فيه أنواع المثقفين والكتاب، ولم أخرج إلا بنتيجة أن الكتاب أصحاب الانتماء والإبداع يمثلون أقلية على الساحة العربية. الكتاب المتمردون على الواقع من أجل المستضعفين والمظلومين هم الذين يصنعون التاريخ في النهاية، أما أولئك المنافقون فينتهون إلى مزبلة التاريخ دون أن يذكرهم آحد بخير.

  

أغطية الكتاب المبدعين

الكاتب المبدع لا يبحث عن غطاء لأنه صاحب قضية ويكتب دفاعا عن قضية، وينذر حياته للآخرين، وندر عبر التاريخ أنه تم تقديره خلال حياته. الكتاب العرب المبدعون لا غطاء لهم من النواحي السياسية والأمنية والمالية. هم يهيمون على وجوههم ينتظرون ردود الأفعال ضدهم. النظام السياسي لا يوفر لهم غطاء سياسياً ليصد الأذى عنهم، بل هو مهتم، كما أسلفت، بالتخلص منهم، ولا يوجد لهم أي غطاء أمني لأن أجهزة الأمن والمخابرات العربية تتربص بهم، ولا غطاء مالي لهم. الكاتب العرب أو المفكر يطرد من وظيفته ولا يجد من يعينه على نفقات الحياة، ويبقى أبناؤه وزوجه يعانون الفاقة والفقر إلا إذا كان قد أتى أصلا من عائلة ثرية ولديها من الميراث ما يمكنها من شق طريقها دون حاجة لأحد. ولهذا  نجد الكاتب الملتزم يصطدم دائما بالأبواب المغلقة والطرقات المليئة بالحواجز والعراقيل، أما المنافق فحياته سهلة ومروه سهل ويجد دائما من يأخذ بيده ويمده بما يلزم من أجل الاستمرار في نفاقه.

 

مشكلة التجمع

المبدعون عبر التاريخ لا يستسلمون للأمر الواقع ويكتبون عادة من أجل التغيير رحمة بالمظلومين والفقراء والمساكين والمسحوقين. المبدعون دعاة تغيير وتجديد، وهم الذين يصيغون النظريات نحو مستقبل أفضل. أما المتساوقون مع الأمر الواقع فلا يذكرهم التاريخ وربما يصنفهم ضمن أصحاب الفكر الرجعي المتخلف الذين يبيعون أنفسهم لسادة الوضع القائم المفروض بالقوة. لا يختلف الأمر هذا في الساحة العربية، وفي أغلب الأحيان لا ينال الكتاب المبدعون حقهم إلا بعد مماتهم على الرغم من الظلم الهائل الذي يلحق بهم في العلن أمام الناس. وبالرغم من الحياة الصعبة التي يعيشونها إلا أنهم ما زالوا غير قادرين على التجمع ليشكلوا قوة مؤثرة على الساحة العربية. المبدعون أدبا وعلما وفكرا مبعثرون، وطاقاتهم الجماعية تكاد تكون غائبة. لكن هذا يتطلب جرأة وشجاعة من قبل المبدعين ليصنعوا كتلة عابرة للحدود رغم أنف الأنظمة السياسية العربية.