ما بعد الانتخابات الإيرانية، في إعراب المشهد...

احتفل الإصلاحيون في إيران بالفوز بكامل لائحتهم في طهران، حتى رجل الأصوليين الأقوى غلام حداد عادل، لم يجد لنفسه مكاناً في مركب الرابحين، أسماء أخرى من الرموز الأصولية ستنتظر سنوات أربع مقبلة قبل أن تفكّر بالعودة مجدداً إلى مكاتبها في مجلس الشورى الإسلامي، لكن هذا ليس كل المشهد.

ما يبدو واضحاً للعيان أن الكتل الإنتخابية لن تبقى على حالها داخل المجلس.
حصد الأصوليون بدورهم محافظات أخرى جامعين ما يوازي نسبياً أكثر من نصف المجلس الجديد، جمعوا أعضاء لوائحهم وبعضاً ممن لم يلتحقوا بركب اللوائح في حصة واحدة لتأكيد أنهم سيكونون الصوت القوي في المجلس الذي من المتوقع أن يضع على أعلى سلّم أولوياته القضايا الإقتصادية والإجتماعية التي تنتظر قوانين وإجراءات تدعم مسار الحكومة التي تراهن على ما تبقّى من فترة الرئيس حسن روحاني لتنفيذ برنامجها الموضوع.
ما يبدو واضحاً للعيان أن الكتل الإنتخابية لن تبقى على حالها داخل المجلس وأن إطارات جديدة قد تتشكّل بناء على رؤى سابقة جرى تمهيد الأرضية الشعبية والسياسية لظهورها. فلم يكن عبثاً نزول رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني مستقلاً في معقل الأصوليين الأهم، مدينة قم، ولا كان حضور كاظم جلالي على لائحة الإصلاحيين ارتجاليا. ضمن الأطر الجديدة إطار جديد قادم يحظى برعاية نخبة ممن يوصفون بثقاة النظام، الى جانب علي لاريجاني يقف علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية وعلي شمخاني أمين مجلس الأمن القومي، أما علي أكبر هاشمي رفسنجاني فهو أحد عرّابي هذا الخط الأساسيين من موقعه المتباين والذي فيه كلام كثير واستفاضة تحتاج إلى مقالات، ومعه رئيس الجمهورية حسن روحاني الذي يمكن القول إنه أنهى بنجاح حالة عزلة اصلاحية عن نظام الجمهورية الإسلامية عمرها سبع سنوات، منذ أزمة ٢٠٠٩ التي تلت الإنتخاب الرئاسية. يكفي الإشارة هنا إلى أن المرشحين الرئاسيين مير حسين موسوي ومهدي كروبي إقترعا في هذه الدورة الإنتخابية بما يعنيه ذلك للحركة الإصلاحية والنظام.
بعد انتخابات ٢٠١٦ (٩٤ بالتقويم الفارسي) يمكن القول إن النظام نجح في إثبات مجدداً انه مظلة كل من يريد أن يعمل في السياسة في البلاد، حتى وإن من موقع المختلف، فإذا أراد الإصلاحيون الدخول إلى المجلس او إصلاح ما يرونه غير صالح فعليهم سلوك الطرق الرسمية التي وضعتها الجمهورية الإسلامية، ترشحاً وانتخاباً وما إليه، وفي ذلك إقرار واضح، حتى لدى من رفعوا شعارات إسقاط النظام الإسلامي سابقاً، بأنه النظام النهائي والحتمي للبلاد وأن مشروعيته ليست محل سؤال. هذا يعني أيضاً أن الجمهورية الإسلامية تقبل بهامش واسع من الاختلاف لكن قطعاً تحت مظلتها وهي بذلك تعطي مجدداً شريحة وازنة من الإيرانيين حق الشعور بأن لصوتهم قيمة وتأثيراً وأن هذا الصوت يمكن له أن يساهم في التجديد والإصلاح والتغيير طالما أن الهدف هو مصلحة إيران الأمة والثورة والدولة.
خلف المشهد يقف المرشد السيّد علي خامنئي وهو يرى نظريته في الموازنة بين الدولة والثورة وهي تستعيد زخمها. النظرية التي تشبه سيف ذو الفقار، الذي كان يحمله الخليفة الرابع الإمام علي بن أبي طالب والإمام الأول لدى الشيعة، تقوم على وحدة المقبض والمتن، وحديّن منفصلين كلاهما يقوم بدوره لصالح الأمة، لكنهما في المنوط إليهما من أعمال لا يتداخلان أو ربما لا يتزاحمان. بالنسبة إلى خامنئي الأهم اليوم هو تعزيز مأسسة الجمهورية، من مؤسسة المرشد إلى مؤسسة الدولة إلى مؤسسة الثورة، والمهم أيضاً بدء عملية التسليم والتسلّم بين جيل الثورة الأول وأجيال الثورة اللاحقة، وهذا أمر يتطلب عملية تجديد في الرؤى والأهداف من دون تبديل الأسس التي قامت عليها في العام ١٩٧٩. في هذا بث روح جديدة في الثورة وإطالة في عمرها وتكريسها ثابتاً وحيداً و إطاراً نهائيا لحكم البلاد.