في دار آيات الله - 1

الذهاب إلى ايران بالنسبة إلى صحفية خليجية وبحرينية تحديداً في هذا التوقيت أمر فيه الكثير من الأخذ والرد، هو أمر لا يخلو من الإشكال والمشكلة لما يمثّله هذا البلد من حساسية مُفرطة لدى الضفة الغربية من الخليج.

وصلنا إلى بلاد القاجاريين وقورش الكبير.. إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية
ولكن بين الموقف الشخصي والوطني من تعاطي الجمهورية الإسلامية مع ملف البحرين وهو موقفٌ رافضٌ عقلاً ووجداناً كل التدخلات الإيرانية السياسية في أزمة داخلية، وبين الرغبة في استكشاف بلد قدّم تجربة فريدة لا يشبهها شيء على مستوى التاريخ الإسلامي أمر يستحق التفكير.
إيران الثورة، الجمهورية الإسلامية، إيران آيات الله والأيدولوجيا وذلك العنفوان الفارسي أو ما نسمّيه نحن في الخليج  "بالغرور الفارسي" أمر يستحق.
في مكتبتي المتواضعة في بيروت عشرات الكتب المصفوفة ابتداء من " الحكومة الإسلامية .. الإسلام ومشروع الدولة ونظام الحكم" للإمام الخميني هذا الكتاب الصعب وصولاً إلى "التشييع الصفوي والتشييع العلوي" للدكتور علي شريعتي، وحدائق الأحزان للدكتور مصطفى اللبّاد، في حقوق الإنسان أيضاً هناك" إيران تستيقظ" للحقوقية شيرين عبادي وسيرة "كامليا" للصحافية والشاعرة كامليا انتخابي فرد، في السياسة تجد "إيران بين ثورتين"، وإيران من الداخل للكاتب فهمي هويدي،  ولن أنسى "حلف المصالح المشتركة" للكاتب تريتا بارزي وغيرها الكثير.
كل هذا الاهتمام على مدى أربع سنوات مضت بشريكة الخليج في الجغرافيا وشريكة العرب في الإسلام، يستحق أن يحمل في طياته تجربة وصورة وفهم عن كثب.

 ذلك التلاقي الجغرافي والديمغرافي والحضاري من الخطأ في مكان أن يبقى مبهماً، أن نمارس النقد من واقع التجربة لا يشبه ممارسة النقد من واقع الكتب وحدها.
عن تلك الأيدولوجيا الدينية وحقيقة الاستبداد عن إشكالية الدولة الدينية والدولة المدنية التي صنعت جدلاً واسعاً في عالمنا العربي بحكم التجربة الإيرانية، عن موقع المرأة والحريات العامة والخاصة، عن الثقافة والأدب والموسيقى في حكم آيات الله.. أمر مثير للاهتمام.

في السياسة والاقتصاد يكبر السؤال عن ماهية العقل الإيراني في تعاطيه مع العالم الخارجي وسر صموده أمام سنوات عِجاف من العقوبات، عّن كل ذلك أريد أن أعرف وإن كانت زيارة خاطفة لأيام تُحيل الممكن صعباً للحصول على إجابة عن تساؤلات كبيرة ولكن يكفي التعرّف عن قرب ومحادثة واقع الإيرانين وحياتهم اليومية، يكفي النزول إلى الشوارع يومياً هناك إجابات صغيرة على أسئلة كبيرة قد أجدها بين أرصفة الشوارع وفي الوجوه.

لذا وعلى عتبة مطار طهران قرّرت الدخول بعينين، عين الصحافية المُهتمة بتغطية أول انتخابات إيرانية بعد الحصار، وعين العلمانية المؤمنة بالفصل الكامل بين الدين والدولة للتعرف أكثر على دار آيات الله شكلاً ومضموناً.
أُنذرنا بالهبوط التدريجي للمطار وضعتُ حينها حجاباً أبيض شفافاً مطعّماً بزهورٍ رمادية انتقيته بدقة، هو إعلان صريح لستُ محجّبة، وضعته على رأسي استعداداً للنزول ونظيراتي الإيرانيات غير المحجّبات فعلن الفعل ذاته، وصلنا إلى بلاد القاجاريين وقورش الكبير.. إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية.