مأزق "المؤتمر الشعبي اليمني" بين "أنصار الله" وحكومة هادي

يبدو أن "المؤتمر الشعبي العام" يلعب لعبة الوقت معتمداً على موقف القسم الأكبر من قادته الذين يواصلون مواجهة العدوان الخارجي وانتقاد أنصار الله على إدارتهم للدولة والشؤون العامة.

احتمال أن ينفجر الحزب ويتوزّع " كأيادي سبأ" فكلٌ يبحث عن مصالحه وميوله

ما انفكّ السؤال حول مصير "المؤتمر الشعبي العام" في اليمن يُطرح بإلحاح على أعضاء هذا الحزب الذي أسّسه الرئيس الراحل علي عبدالله صالح أوائل ثمانينات القرن الماضي. ومازالت الاحتمالات تتالى وتستأثر بنقاش مضطرم في الأوساط السياسية اليمنية لكنها تلتقي كلها عند مأزق يعيشه الحزب بعد غياب رئيسه.

يرى البعض أن "المؤتمر " حزب حكومي وبالتالي لا يمكن أن يعيش خارج الحكم شأنه شأن حزب الرئيس المصري السابق حسني مبارك أو العقيد الراحل معمّر القذافي والرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي وغيرهم، وبالتالي فإن مصيره لن يختلف عن مصير الأحزاب التي سقطت مع حكوماتها.

الاحتمال الثاني يكمن في اصطفاف الحزب إلى جانب الرئيس عبد ربه منصور هادي ونائبه على محسن الأحمر وفي هذه الحال يعود للحكم ويحافظ على مصالح قسم من أعضائه وأنصاره.

والاحتمال الثالث هو أن يعمل القسم الأكبر من أعضاء الحزب مع أنصار الله في حكومة مشتركة، الغلبة فيها للأنصار، لكن الشراكة حتى من موقع ضعيف، تحفظ قسماً مهماً من مصالح الحزب في الدولة والمجتمع.

والاحتمال الرابع يرى أصحابه أن الرئيس الراحل علي عبدالله صالح قاتلَ حتى النهاية كي يصمد حزبه من بعده، ويواصل دوره السياسي الذي يستجيب لمصالح كتلة عريضة من التيار الجمهوري الكلاسيكي وبعض زعماء القبائل وحشد من أهالي المناطق الوسطى، فضلاً عما تبقّى من الجنوبيين الذين قاتلوا إلى جانب الرئيس صالح في حرب الانفصال عام 1994.

والاحتمال الخامس هو أن ينفجر الحزب ويتوزّع "كأيادي سبأ" كل يبحث عن مصالحه وميوله ويلتحق بمراكز النفوذ في الداخل والخارج، وقد يزداد هذا الاحتمال قرباً من الواقع إذا ما تعذّر اختيار شخصية كارزمية تدير الحزب وتنطق باسمه. فالمؤتمر لا يحتفظ بأيديولوجيا تشحذ الروابط في حلقاته وتعمل على تمتينها، والانتماء إليه ميّسر للغاية، فالعضو لا يحتاج سوى الإيمان بقِيَم الجمهورية والوحدة والنهضة وكلها قِيَم منتشرة في أوساط الشعب اليمني وليس في صفوف المؤتمر حصراً.

من جهة ثانية يلاحظ أن مجموعات في الحزب تضغط عليه لكي يكون أقرب إلى "أنصار الله" بداعي مواجهة العدوان الخارجي في ما مجموعات أخرى ترى أن بقاء الحزب على قيد الحياة رهن بالسير على خطى مؤسّسه، وبالتالي المزاوجة بين معارضة حكم أنصار الله والاستمرار في مناهضة العدوان الخارجي.

تبقى مشكلة الشخصية الكاريزمية الجديدة للحزب التي تحل محل الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، والقادرة على إعادة تجميع مراكز القوى والسير به على خطى مؤسّسه، وهو أمر صعب المنال في ضوء الظروف الراهنة، فعائلة الرئيس الراحل يعيش أفرادها في الخارج في ثلاثة بلدان أساسية هي لبنان والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان، ولكل من هذه البلدان حسابات إزاء اليمن مختلفة عن الأخرى، وبالتالي سيكون من الصعب أن يحظى أحد أفراد الأسرة بدعم من دولة الإقامة لقيادة حزب مستقل في اليمن، هذا إذا افتضرنا أن دولة عُمان غير المنحازة لأيٍ من الطرفين ستسمح بقيادة يمنية لحزب قوي من داخل أراضيها، ناهيك عن أن أسرة صالح لم تخرج بعد من صدمة غياب الرئيس، فضلاً عن التباين الذي ظهر في بعض المواقف هنا وهناك وسط أفرادها، بين أفرادها حول الموقف الواجب اتخاذه وكيفية الرد على ما جرى.

ولن يكون من الصعب توقّع موقف الإمارات العربية المتحدة من نجل الرئيس الراحل أحمد علي عبدالله صالح إذا ما أراد قياد حزب والده بمعزل عن الإماراتيين الذين يريدونه قوّة يمنية رديفة لهم على الأرض في حين يتعذّر تشكيل قوّة مناهِضة لأنصار الله في لبنان.

وسط الضغوط التي يتعرّض لها "المؤتمر الشعبي العام" حتى يكون امتداداً لأنصار الله أو لتحالف العدوان السعودي قد يجد "المؤتمريون"  أنفسهم أمام طريق مسدود. فلا هم بقادرين على مواصلة الدفاع عن إرث رئيسهم الذي اختار الموت دفاعاً عن مواقفه، ولا هم بمهّيئين لكي يتحوّلوا إلى تيار مستنسخ عن أنصار الله الذين وصفوا مواقف صالح بالخيانة، وبالتالي كل دفاع عنها هو في عرفهم دفاع عن استمرار الخيانة.

في مواجهة هذا الأفق المسدود أقلّه في المدى القصير، يبدو أن "المؤتمر الشعبي العام" يلعب لعبة الوقت معتمداً على موقف القسم الأكبر من قادته الذين يواصلون مواجهة العدوان الخارجي وانتقاد أنصار الله على إدارتهم للدولة والشؤون العامة.

والراجح أنه لن يكون لدى "المؤتمر الشعبي العام" الكثير من الوقت. فقد حدّد قائد صنعاء العسكري أبو علي الحاكم سقف الحركة المتاحة أمام القوى القبلية والسياسية في صنعاء بـ"مقاومة العدوان" حصراً، وعرض الشراكة على "المؤتمر الشعبي" في هذا الإطار الذي يعني حرفياً القبول بنتائج ما وقع في مطالع كانون الأول/ ديسمبر الماضي، والسير على رسم السيّد عبده الجندي أحد الناصريين الذين صعدوا إلى الصف الأول بفضل الرئيس اليمني الراحل أو الجلوس في البيت كما نصح أبو علي الحاكم الرئيس صالح قبل اقتحام منزله، إذ قال في تسجيل مع ممثلين عن قبائل الطوق "..ما هي صفة علي عبدالله؟ إن كان قبلياً فعليه أن يجلس في بيته كما هي حال شيخ مشايخ اليمن ناجي عبد العزيز الشايف. وإن كان عسكرياً فهو جندي وليس قائداً للقوات المسلحة ولا وزيراً للدفاع. إن جلس في بيته فبنادقنا ستكون معه لحمايته من كل اعتداء وما عدا ذلك لن نقبل به".

بعبارة أخرى بمعنى آخر ينطوي سقف أبو علي الحاكم على تقدير مفاده أن في صنعاء سلطة جديدة ترسم السياسات اليمنية وعلى الجميع احترامها ابتداء من "المؤتمر الشعبي العام" وصولاً إلى أصغر الأحزاب.

يفيد ما سبق بأن خيارات "المؤتمر" للمستقبل أحلاها مر. فإما الالتحاق بقوى العدوان وخسارة المعركة الوطنية ضد الاحتلال والغزو الخارجي، أو الالتحاق ب"أنصار الله" وخسارة أكثر من ربع قرن من العمل السياسي المستقل...