الميادين في عيدها السابع.. شرف إحياء الذاكرة

أكثر من 7 سنوات عجاف لم يبقَ من هول مرارة مذاقها غير الذيول التي تبّشّر بماهية حياة أقوى من الدمار والموت والخراب. لكن "الميادين" الوليدة في بداية رشّ الملح، وبسببها، على تاريخ بلادنا وثقافة شعوبها ودولها، تصدّت في الميدان الإعلامي لمقاومة المراهنة على الموت إلى جانب المقاومين في ميدان القتال وميادين ثقافة المواجهة والثبات.

تترسّخ "الميادين" مدرسة إعلامية إحياء لذاكرة الزمن الإعلامي الجميل

لعلّ أقسى رشّ ملح نفَثَته وسائل إعلام الردّة التي تنتشي بالرقص على رائحة الدم، وهي تتجاوز الوسائل الناطقة بالعربية إلى الناطقة بلغات عالمية، لكنها تتكامل فيما بينها تحت إشراف وتوجيه أجهزة تجمح إلى شهوة الحريق للحصول على إفادة من بيع الرماد. (راجع تحقيق نوفل برهيني في أداء بعض الفضائيات العربية والعالمية المرموقة تحت عنوان: الربيع العربي ــ التلاعب بالعقول، منشورات ميلو، باريس، 2012)

إعلام القحط الذي تخفّف من الضمير الإنساني وأخلاقيات المهنة، تخلّى عن معايير التحقق من الخبر للتحلّي بالصدقية وجدارة الثقة بنقل المعلومة، فبرَع في تقانة التلاعب بالصورة وفي تلقين شهادة شاهد من أهله على لسان "ناشط" أو محلل وخبير في التحريض على إشباع شهوات ما قبل الإنسان في الغابة. ولم يسرِ هذا التوحّش العاري من دون ابتداع مُثُل فبركتها "بيوت الخبرة" في فن ترويج المنتجات الملوّثَة. فكانت الأهوال على قول المخترعين والمقلّدين مسوّغات الضريبة الاضطرارية "من أجل مكافحة الاستبداد" أو العبور "في مرحلة انتقالية للديمقراطية".

"الميادين" أعادت منذ انطلاقتها إحياء الذاكرة في الكشف عن مكنون الإعلام المستقل الحرّ الذي ينتزع صدقيته بالكد والجهد للتحقق من صدق المعلومة وحيادية الخبر. أعادت إحياء الذاكرة في الحرص على أخلاقيات المهنة وآداب نيلها وسام السلطة الرابعة كنبراس للحقيقة الموضوعية وكجرس إنذار من مغبّة تسويغ تجاوز عتبة الكلمة والرأي إلى النحر والانتحار.

لم يكلُّ رئيس مجلس الإدارة في الأيام الأولى حتى اللحظة، من نقل خبرته الإعلامية العريقة من ذاك الزمن الجميل التي يلخصها بعبارة "المسؤولية". وعلى هدي هذه العبارة يتفانى الزملاء في غرفة الأخبار وفي مكاتب المراسلين والمنتجين والتقنيين وأمام شاشة المقدّمين والمذيعين، أشبه بساحة معركة لإثبات احترام العقول دليلاً على احترام مسؤولية الإعلام أمام الناس الذين يراهم إعلام القحط زبائن استهلاك.

إعادة إحياء الذاكرة في "الميادين" لعلّه يسترشد بالسويّة الفطرية بأن الطموح للتغيير والتطوير والتصحيح هو من سنن حياة الشعوب الحيّة. وقاعدتها البديهية هي التطلّع إلى الأمام أملاً بالأفضل. لكن التهديد بطوفان الهمجية التكفيرية والغرق في الظلامية البربرية، فرض على "الميادين" مسؤولية إعلامية في الانحياز إلى السويّة ضد "داعش" ومثيلاتها من جماعات "القاعدة" ومسمياتها. وفرضت السويّة الإعلامية على "الميادين" الانحياز للمقاومة ضد هذه الجماعات وضد إسرائيل والسياسات الأميركية والغربية، لنصرة فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية. وفي هذا المسار الإعلامي الذي اختارته "الميادين" بقناعة مسؤوليتها قبل 7 سنوات، تستمر أشدّ تمسّكاً بخيارات الثوابت التي يغذّيها عرق الزملاء في "الميادين" وتضحياتهم.

السنوات العجاف التي واكبتها "الميادين" في ميدانها الإعلامي، تستدعي استخلاص الدروس والعبَر في إحياء الذاكرة أمام الأجيال الباقية وأمام الأجيال المقبلة على خيط الزمن لمعرفة ماذا حدث وكيف حدث ولماذا؟.

فهذه الورشة المعرفية الصعبة التي تتطلب تكاثف الجهود البحثية والتفرّغ والاختصاص في مجالات عديدة، تدشّنها "الميادين" في برامج توثيق الأحداث وفي وجهات نظر المعنيين بهذه الأحداث وفي حلقات خاصة تضيء إحياء الذاكرة.

في عيدها السابع، تترسّخ "الميادين" مدرسة إعلامية إحياء لذاكرة الزمن الإعلامي الجميل بجهود ذاتية مضنية عمادها مسؤولية الانتماء، مقابل إعلام الزمن الرديء بهوية الولاء.