الحلم الكردي أمام مُفترق الطُرق والخيارات

وجد كرد قسد أنفسهم في وضع لا يُحسدَون عليه، بانسحاب القوات الأميركية من تلك المناطق، وهي التي اعتبروها حليفة لهم، بعد أن أملوا تعاوناً وعملاً مشتركاً بينهما، يفضي إلى تحقيق شيء من الحلم الكردي، في قيام فيدرالية كردية مفتوحة في شرق الفرات.

وجد كرد قسد أنفسهم في وضع لا يُحسدَون عليه، بانسحاب القوات الأميركية

قرار الرئيس الأميركي ترامب الانسحاب من شرق الفرات (شمال شرق سوريا)، لم يكن ليحصل من دون تفاهمات مع الأتراك، وفي حساب كليهما مجموعة أهداف يريدان تحقيقها، فبالنسبة لترامب الذي أصبح يتصرّف مُستفزّاً طاقمه الحكومي وتداعياته على ذلك باستقالات صدرت عن وزير دفاعه ماتيس، ومستشاره بالتحالف الدولي، يبدو في وضع واثق من نفسه بقراره الذي اتّخذه مُنفرداً ومُصرّاً عليه، وهو قرار غير مُرتَجل منه، ناتج على الأرجح عن تقارير أو ملاحظات استخبارية، أفضت إلى تفاهمات خصوصاً من جانب حليفه التركي تستدعي خروج قوّاته من تلك المناطق.

ونتيجة لهذا القرار المُفاجئ، وجد كرد قسد أنفسهم في وضع لا يُحسدَون عليه، بانسحاب القوات الأميركية من تلك المناطق، وهي التي اعتبروها حليفة لهم، بعد أن أملوا تعاوناً وعملاً مشتركاً بينهما، يفضي إلى تحقيق شيء من الحلم الكردي، في قيام فيدرالية كردية مفتوحة في شرق الفرات، وهذا ما أعلنوه صراحة بعد استقواء (قسد)، ملوّحين بضمّ الرّقة ومناطق أخرى ليهم.

الكرد الذين علّقوا آمالهم العريضة على تفاهم واتفاق مع غُزاة سوريا، سقط من أيديهم اليوم رجاء بدأوا بالعمل من أجل تحقيقه، بعيداً عن النظام السوري، السلطة الشرعية التي لها صلاحيات إبرام أيّ اتفاق أو تفاهم، يحفظ مصلحة وحدة الأراضي السورية، ويضمن تماسك تنوّعها العِرقي والطائفي.

الدرس الثالث والتحذير الأخير تلقّاه الكرد من هكذا تصرّفات، وقد ضاقت بهم الأرض اليوم بما رحبت بالأمس، فلم يعد لهم من طريق مُختَصر ومفيد سوى بالرجوع إلى حضن الوطن، والانضمام إلى الجهود التي يبذلها النظام والقوات الحليفة والرديفة، من أجل إنقاذ الوطن السوري من خطرين كبيرين خطر الإرهاب وخطر التقسيم.

كما لا يمكننا اعتبار الجانب التركي مُستفيداً حقيقة من الانسحاب الأميركي، بفسح المجال أمام قوّاته للقيام بعمليات عسكرية واسعة أو محدودة في المناطق، التي كانت تحت مراقبة الأميركان والفرنسيين، وهذا التدخّل العسكري سوف لن يكون فسحة أبداً كما حصل من قبل في عفرين ومنبج، خصوصاً إذا نزل الكرد تماماً، عند شروط النظام في التخلّي عن أضغاث أحلامهم في الانفصال.

والكرد لمَن فاتته معرفتهم، هم عرق آري، يعيشون على الحدود المُتاخِمة لأربع دول إسلامية، هي تركيا وفيها حوالى عشرين مليون، والعراق ويعيش فيها حوالى خمسة ملايين، وإيران ويعيش فيها حوالى أربعة ملايين ونصف المليون، وسوريا ويعيش فيها حوالى مليوني كردي، بمجموع يتجاوز هذه الأعداد بقليل، باعتبار الشتات الذي يجمعهم في أرمينيا ولبنان وأذربيجان.

يمكن القول بأن تشجيع الانفصال الكردي عن أوطانهم بدأ بريطانياً، إمعاناً في تقسيم الدولة العثمانية، وأحيت دوافعه أميركياً بعد حرب الخليج الثانية، بعد أن فرضت الولايات المتحدة منطقة حظر الطيران على اقليم كردستان، لحمايتهم من قصف طائرات صدّام، وبسقوط الطاغية صدّام، توافرت فرصة سانِحة للكرد، ليعلنوا نشأة كيان إقليم كردستان في شمال العراق.

وباختتام دخول كرد سوريا إلى مجال حلم الانفصال، وتأسيس كيان لهم على الأراضي السورية، تكون الأقليات الكردية جميعها في البلدان الأربعة، قد وجّهت تنظيماتها السرّية المسلّحة طعنات خائنة وغادرة في ظهر الوطن الأمّ، وتبيّن أن الانفصال الكردي لم يكن ليعبّر عن عقيدة سليمة أو هدف سام أو حق مُكتَسب، كل ما في الأمر أن الحركة الكردية الانفصالية محكومة بأنفس وهوى زعامات تريد، أن تظهر بذلك المستوى من الإصلاح الملوّث بالتواطؤ والعمالة، تارة لبريطانيا، وطوراً لأميركا، ولكي لا يمرّ التغلغل الصهيوني في كردستان العراق في الخفاء أثناء حرب الخليج الثانية، يجدر بنا أن نشير إلى مدى خطورته، وتأثيره السلبي على أمن المنطقة، عندما فتح له قسم من الكرد أبواب كردستان العراق.

الفيدرالية خط أحمر بالنسبة للدول الأربع، لن تتحقق مهما كلّف الأمر، وقد استوعبت أميركا اليوم الدرس، في أن بذرتها الانفصالية التي أرادت غرسها هي بزرة عقيمة مسبقاً، قبل الخوض في أيّ تفصيل آخر، لذلك آثرت سحب قواتها من سوريا، بعد أن مزّقت مخطّطها التقسيمي لعدم صلاحيته وجدواه.

نجاح سوري إيراني آخر، يُضاف إلى سلسلة النجاحات التي حقّقها تحالف القوى المقاوِمة للمشروع الأميركي الصهيو غربي، يعطي الملاحظ انطباعاً جيّداً، بسلامة مسار الاستحقاق الذي يسعى إليه هؤلاء الشرفاء، من أجل دفع التهديدات المُحيطة ببلدانهم، وعلى رأسها الإرهاب والتقسيم.