الإمارات.. استثمارات وأسئلة

تثير المواقع الجغرافية التي اختارتها الإمارات لاستثماراتها علامات استفهام، لكونها تقع في مناطق ذات أهمية استراتيجية كبيرة.

  • كيف لدولة بحجم الإمارات أن تبسط سلطانها على كل هذه الموانئ المهمة؟ وهل ثمة شريك إقليمي أو دولي خفي يقف خلف هذا العمل؟
    كيف لدولة بحجم الإمارات أن تبسط سلطانها على كل هذه الموانئ المهمة؟ وهل ثمة شريك إقليمي أو دولي خفي يقف خلف هذا العمل؟

تبذل دولة الإمارات العربية المتحدة جهوداً كبيرة منذ بداية هذه الألفية من أجل الاستثمار في مجال إدارة وتشغيل الموانئ في بلدان كثيرة. وقد تركزت جهودها بشكل كبير على وضع يدها على الموانئ الواقعة في الإقليمين العربي والأفريقي، وبدأت جهودها هذه في اليمن حين تمكنت عام 2008 من إبرام اتفاق مع السلطات اليمينة مكَّنها من ميناء عدن الَّذي يُعد أبرز الموانئ التي تنافس مثيلاتها في الإمارات، ثم تيسر لها بعد إطاحة نظام الرئيس علي عبد الله صالح الإمساك بعدد آخر من الموانئ اليمنية، مثل ميناء المكلا، وميناء المخا، وميناء الحُديدة، وغيرها من الموانئ اليمنية.

وكما سيطرت دولة الإمارات على الموانئ اليمنية، فإنها سعت كذلك إلى السيطرة على موانئ القرن الأفريقي، وتمكنت من إبرام اتفاقيات مع أريتريا التي منحتها ميناءين، بحري وجوي، في عصب، والحال كذلك في جمهورية أرض الصومال التي منحت الإمارات ميناء بربرة لإدارته، ووقعت كذلك اتفاقاً مع جمهورية جيبوتي لإدارة الميناء، قبل أن تلغي الأخيرة الاتفاق وتسترد الميناء وإدارته، كما حدث في ميناء العين السخنة المصرية في العام 2011. تجدر الإشارة إلى أن الإمارات تدير كذلك ميناء الجزائر.

وإلى جانب هذه الموانئ، سعت الإمارات للحصول على امتياز إدارة وتشغيل ميناء بورسودان في عهد الرئيس عمر البشير، لكن ذلك توقّف بسبب حالة من الرفض الشعبي. وبعد إطاحة نظام البشير، تجددت مساعي الإمارات، ونجحت في الحصول على موافقة الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك المسنودة بموافقة الأحزاب الحاكمة آنذاك، وقائد قوات الدعم السريع، وكادت تحقق رغبتها في السيطرة على كل الموانئ السودانية القائمة في البحر الأحمر، وتلك المقترح قيامها، بما يعني السيطرة على كل الساحل السوداني على البحر الأحمر، غير أن الرفض الشعبي والرأي العام في المؤسسة العسكرية حال دون تنفيذ الرغبة والمخطط الإماراتيين.

جددت الإمارات مساعيها مرة ثالثة لتضمن وجودها على الساحل السوداني في البحر الأحمر. ومطلع هذا الأسبوع، أعلن أحد أهم رجال الأعمال السودانيين الحصول على موافقة الحكومة السودانية على إقامة مشروع إماراتي كبير في السودان. 

يتألف المشروع من ميناء ومطار دولي على البحر الأحمر على بعد 200 كلم من ميناء مدينة بورسودان ومطارها، ومزرعة ضخمة بمساحة 400 ألف فدان لإنتاج القمح والأعلاف والسمسم والقطن ومحاصيل أخرى. تقع ولاية نهر النيل غرب الموقع المقترح لمشروعي الميناء والمطار، وستُربط المزرعة بالميناء والمطار عبر طريق بري بطول 500 كلم، تزمع الإمارات وشريكها السوداني بناءه. وأُعلن أن الكلفة الكلية لهذا الاستثمار تبلغ 6 مليارات دولار أميركي.

تثير استثمارات دولة الإمارات في مجال إدارة وتشغيل الموانئ في المواقع المذكورة سؤالات كثيرة عن طبيعة هذا النمط من الاستثمار وكنهه، وما إذا كان ذا طابع اقتصادي أو سياسي، إذ تثير الجغرافيا التي انتقتها الإمارات لاستثماراتها هذه علامات استفهام، لكونها تقع في مناطق ذات أهمية استراتيجية كبيرة، تفوق قدرة دول كبرى على مثل هذا الاستثمار من منظور الصراع الدولي والإقليمي على مراكز النقل والتجارة والملاحة الدولية.

كيف لدولة بحجم الإمارات وإمكاناتها وقدراتها أن تبسط سلطانها على كل هذه الموانئ المهمة؟ كيف استطاعت أن تفعل ذلك؟ وهل يسرت الظروف الهشة والمضطربة التي تعيشها هذه الدول تمكين الإمارات من تحقيق هذا القدر من السيطرة على هذه الموانئ؟ وهل ثمة شريك إقليمي أو دولي خفي يقف خلف هذا العمل؟ وإلى أي مدى تؤثر مثل هذه الاستثمارات في سيادة الدول؟ وإلى أي مدى تصمد الحكومات التي منحت الإمارات مثل هذه الفرص أمام الرفض الشعبي؟ وكيف تصمد هذه الحكومات أمام الصراع الدولي والإقليمي على مثل هذه المواقع؟ وكيف تنجو الاتفاقيات التي تمت حول هذه الاستثمارات من تكرار تجربة الإمارات في جيبوتي والعين السخنة في مصر؟ 

ومع كل هذه الأسئلة، إن استثمار الأموال العربية في الأقطار العربية أمر يلزم تشجيعه إذا توفرت معه ضمانات صون السيادة والقرار الوطني، وإذا ما حافظ الاستثمار على حقوق الأجيال القادمة في الموارد، وقامت معادلة الاستثمار على قاعدة الشراكة العادلة والمنصفة.