العنصرية الصهيونية والغربية... المقاومة هي الردّ

تختزل الصهيونية العالم بأسره و"تلغي الآخر وتراه غائباً، أو ترى حضوره من دون معنى، وينفصل اتباعها عن التاريخ الحقيقي ويتعلّقون بالتاريخ الوهمي.

  • العنصرية الإسرائيلية.
    العنصرية الإسرائيلية.

ليس مستغرباً أن يطلق الصهاينة، سواء كانوا في مواقع القرار والقيادة أو محلّلين أو مستوطنين العبارات والجمل العنصرية المقيتة. لغة الصهاينة كلغة "الرجل الأبيض" تشكّل أداة قهر كبرى يمتلكونها بين أيديهم ويستخدمونها ضد أعدائهم ويعبّرون من خلالها عن حقيقة أيديولوجيتهم. 

هذه الحقيقة عبّرت عنها الأمم المتحدة في قرارها التاريخي الصادر في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 1975 الذي اعتبر "الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري". 

ولعل المنهج الذي اختاره المفكّر المصري عبد الوهاب المسيري لفهم الحركة الصهيونية يوضح بشكل كبير حقيقتها المتوحّشة. تساوي الصهيونية الفلسطينيين بالحيوانات، وترفض بشكل مطلق المبادئ التي عرفها العالم والتي تؤكد حرية الشعوب في تقرير المصير، وعدم شرعية تحكّم شعب بمصائر شعب آخر، وتذهب إلى حد إلغاء وجود شعب وإلغاء تاريخه.

تختزل الصهيونية العالم بأسره و"تلغي الآخر وتراه غائباً، أو ترى حضوره من دون معنى، وينفصل اتباعها عن التاريخ الحقيقي ويتعلّقون بالتاريخ الوهمي الذي يخصهم وحدهم وليس فيه مكان للآخر". كما يجزم المسيري بأن الحركة الصهيونية كانت حركة رائدة "في تكريس ممارسات الإلغاء والإقصاء والتهميش". 

ولذلك لا يمكن فصل كلّ الممارسات والأداء والإجرام الصهويني اليوم في غزة عن هذا السياق الأيديولوجي واللغوي.

 كلام وزير الحرب يواف غالنت الذي وصف الفلسطينيين بالحيوانات ترجمة أمينة لهذه المنظومة الفكرية. قال الوزير الإسرائيلي بكل وقاحة "نحن نقاتل حيوانات ونتصرّف وفقاً لذلك".  هذا الوصف هو امتداد للأدبيات الإسرائيلية التي تتسم بالفوقية والعجرفة والتي حضرت على لسان قادة العدو ونخبه وجنوده وجمهوره طوال تاريخه.

في العام 1941 مثلاً، عبّر موشي شاريت مدير الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية عن إنكاره لحقّ الفلسطينيين لا بل لوجودهم بقوله، إنه "لا يحتاج للذهاب إلى العرب للحصول على اتفاقية بشأن فلسطين، وذلك لأن الكلمة النهائية حول الموضوع ليست لهم ولكن للبريطانيين والأميركيين". 

وفي عام 1968 قالت غولدا مائير رئيسة وزراء "إسرائيل"، "ليس هناك شعب فلسطين" وعادت لتكرّر أكاذيبها في مقابلة مع صحيفة صنداي تايمز بعد ذلك بعام قائلة "الفلسطينيون لم يكونوا موجودين أبداً".

وفي مطلع الثمانينيات من القرن الماضي بدأ قادة العدو يصفون القدس بأنها عاصمة "إسرائيل" منذ 3 آلاف سنة ضاربين بعرض الحائط كلّ الحقائق التاريخية.

أما في العام 2009 فنشرت صحيفة هآرتس خبراً عن قمصان انتشرت بين الجنود الإسرائيليين الذين شاركوا في اجتياح غزة الوحشي في ذلك العام، مطبوع عليها شعارات صادمة. من بينها رسم لأم فلسطينية حامل وتحت الرسم عبارة تقول "اقتل اثنين برصاصة واحدة: 1 shot 2 kills".

وكشف كتاب "انهض واقتل أولاً" لرونين برغمان أن "إسرائيل" اغتالت منذ الحرب العالمية الثانية أكثر من أي دولة في العالم الغربي.

هذا الواقع الخطير والشاذ دفع عدداً من المؤرخين والسياسيين والمفكرين الصهاينة للتغريد خارج السرب الإسرائيلي، وجّه هؤلاء انتقادات حادة للثقافة السائدة والأيديولوجيا المتحكّمة. أفراهام بورج أحد هؤلاء، الرجل الذي تولى رئاسة الكنيست بين العامين 1999 و2003 شن هجوماً على الصهيونية وشبّه الهياكل الحالية للكيان الإسرائيلي بتلك التي سادت في ألمانيا قبل النازية. 

تحدّث بورج عن التوغّل الاستيطاني والتغوّل العسكري والتوجّه العنصري، وأشار إلى ما أسماه حالة بارانويا مجتمعية صارخة في "إسرائيل" أدت إلى استشراء العنف قائلاً "إنّ أكوام جثث القتلى الفلسطينيين صارت أعلى من الجدار العازل الذي ابتنيناه ليحجبهم عنا". ذهب الرجل إلى حدّ توجيه دعوة في مقال نشره في الجارديان البريطانية في العام 2004 إلى الجلاء عن الأراضي الفلسطينية المحتلة، محذراً من استمرار اللغة الإسرائيلية التي تضمر "موقفاً متعجرفاً وعنيفاً بل عنصرياً إزاء العرب".

هذا الموقف تبنّته مجموعة المؤرخين الجدد في "إسرائيل" الذين اعتبروا الصهيونية جزءاً من الحركة الاستعمارية الحديثة، وأن ما جرى في العام 1948 هو عملية تطهير عرقي للسكان الأصليّين   الفلسطينيين. أما منظومة الهيمنة الغربية فلم تبدّل تبديلا، ولا تزال تدعم بكل الوسائل الكيان الصهيوني المدجج بالسلاح بما فيه النووي. 

لا مفاجأة في الموقف الغربي، الحضارة الغربية هي "الملهم" لهذا الكيان العنصري المحتل للأرض، والذي يرفض كل الأعراف الدولية والإنسانية والأخلاقية ولا يلتزم بها على الإطلاق. هذا ما أكده المسيري الذي اعتبر أن الأساس الفلسفي الموجود في نسيج الحضارة الغربية المعاصرة هو الذي يقود إلى حروب الإبادة والاضطهاد والتمييز والتعسّف. 

تكفي الإشارة إلى الشهادة التي أدلى بها تشرشل في العام 1937 أمام لجنة بيل المنوط بها التحقيق في الصراع الدائر على أرض فلسطين، وذلك في سياق تبريره للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين: " أنا لا أرى للكلب الحق في الزريبة التي يعيش فيها ولو عاش فيها مدة طويلة جداً، أنا لا أسلّم له بهذا الحق، وعلى سبيل المثال فأنا لا أسلّم بأن ظلماً قد حصل للهنود الحمر في أميركا، أو السود في أستراليا. أنا لا أؤمن بأن ظلماً قد لحق بهؤلاء الناس من جراء حقيقة أن جنساً من صنف أرقى قد جاء وحلّ محلّهم".

لا فرق إذاً بين كلام تشرشل وكلام غالنت، كلاهما يشرب من المستنقع نفسه ومن الأيديولوجيا التي تولّد العنف والإجرام باستمرار. وما تشهده غزة هذه الأيام هو أحد أكثر الفصول وحشية خلال مئة عام. 

أما ما تفعله المقاومة في غزة فهو اللغة الوحيدة التي يفهمها هذا العدو العنصري بوجهيه الإسرائيلي والغربي. وحده العزم على المقاومة حتى النهاية هو الكفيل بوضع حد لهذه العنصرية التي تستولد القتل والإجرام والإبادة والهيمنة. 

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.