"تصنيع" حزب العدالة والتنمية في تركيا

نمت شريحة من الوسطاء "الصناعيين" في الاقتصاد والمجتمع التركيين تدريجياً لتصبح من أهم أدوات منظومة السيطرة والتحكم الاجتماعي والسياسي للإسلاميين.

  • دراسة بلبان تفيض بمؤشرات ودلالات لا يمكن القفز من فوقها لكل من يريد أن يفهم
    دراسة بلبان تفيض بمؤشرات ودلالات لا يمكن القفز من فوقها لكل من يريد أن يفهم "لغز" قوة نظام إردوغان الداخلية.

نشرت مجلة MERIP الأميركية في 25/1/2022 دراسة مهمة بعنوان "تصنيع حزب العدالة والتنمية في تركيا"، تسلط الضوء بشكلٍ منهجيٍ مدعّم بالإحصاءات على إحدى أهم الروافع الاقتصادية-الاجتماعية للحزب الحاكم في البلاد، وهي شريحة الصناعيين الصغار، في الصناعات الخفيفة أساساً، ولا سيما النسيجية منها، وهي شريحة ازدهرت منذ التسعينيات على خلفية التحول الذي تبنّاه الجنرالات العلمانيون أولاً في الثمانينيات، وكرّسه الإسلاميون، من التصنيع القائم على استبدال الواردات بالبدائل المحلية وبناء الصناعة الثقيلة، قبل انقلاب عام 1980، إلى الانفتاح الاقتصادي مع السعي لتحويل تركيا إلى منصة إقليمية لتصدير منتجات الصناعة الخفيفة إلى محيطها وأبعد، وهو ما أفضى إلى "تمكين" شريحة من الوسطاء "الصناعيين" في الاقتصاد والمجتمع التركيين نمت تدريجياً لتصبح من أهم أدوات منظومة السيطرة والتحكم الاجتماعي والسياسي للإسلاميين.

واضع الدراسة "أوتكو بلبان" Utku Balaban، وهو أستاذ في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في جامعة "أمهرست" الأميركية، استخدم تعبير "تصنيع" في عنوانه Manufacturing the AKP in Turkey بمعنى مجازيٍ، سياسي تحديداً، أكثر ممّا عنى التعبير الحرفي لكلمة "تصنيع"، التي كان يلمّح إلى نقيضها الحرفي، التنموي، فعلياً. وقد شيّد دراسته على أسس البحث العلمي لينتج رؤية اقتصادية-سياسية في المحصلة تربط صعود حزب العدالة والتنمية بتحولات بنية الاقتصاد التركي، وتفسّر شبكة نفوذه الشعبي الواسع حتى اللحظة ببُعد "طبقي" قلّما يُرى، في القرن الحادي والعشرين، بمثل تماسكها المنهجي وعمقها في الأدبيات التي ما تزال تتبنّى "البعد الطبقي" منظوراً بالاعتماد على أدوات تحليل القرن التاسع عشر الأوروبية الغربية. 

إضافة إلى أهميتها المنهجية العامة إذاً، فإن دراسة بلبان تفيض بمؤشرات ودلالات لا يمكن القفز من فوقها لكل من يريد أن يفهم "لغز" قوة نظام إردوغان الداخلية، وأن يفهم، تالياً، ما يمكن أن تؤول إليه الانتخابات النيابية والرئاسية عام 2023. وعليه، نقدم ملخّصاً لبعض أبرز ما وصلت إليه تلك الدراسة، تتخلله مراجعة لها ترتبط بالضرورة بقراءة عامة لما رآه البعض على مدى سنوات "معجزة" اقتصادية تركية.

سبقت الإشارة إلى أن دراسة بلبان تلحظ أن انقلابيي عام 1980 تبنّوا توجهاً تصديرياً، لا تنموياً، بدلاً من حماية الصناعة المحلية، والتركيز على الصناعة الثقيلة، كطريق "غير اشتراكي" للتنمية كان معتمداً قبل الانقلاب. وقد أدّى ذلك إلى نشوء أكثر من 140 ألف منشأة صناعية صغيرة ومتوسطة، توظف الواحدة منها أقل من 50 عاملاً، بين عامي 1985 و2001، في قطاع الألبسة الجاهزة أساساً. ومع عام 2019، بلغ عدد تلك المنشآت والمشاغل المكتظة حوالى 400 ألف.  

يعرض بلبان هنا رسماً بيانياً، اعتماداً على الإحصائيات الرسمية، ينبّه عبره إلى الترابط الطردي القوي بين زيادة قيمة الإنتاج الصناعي في تركيا بين عام 1980 (تاريخ الانقلاب) وعام 2019، وبين حصة الحزب الإسلامي الرئيسي (الرفاه، الفضيلة، ثم العدالة والتنمية) من التصويت العام، وهو ما يدلّل على أن الصعود الانتخابي للإسلاميين في تركيا ارتبط بشكل وثيق إحصائياً (بشكلٍ أسي يمكن تقديره رياضياً بمعادلة غير خطية تتضمن بُعداً عشوائياً stochastic، كما يمكن أن يرى الاقتصاديون القياسيون) بصعود طبقة وسطى جديدة في المجتمع التركي، شبه صناعية، وغير مستقلة تنموياً، تتكامل مصالحها مع منظومة الهيمنة الغربية.

  • يعرض بلبان هنا رسماً بيانياً ينبّه عبره إلى الترابط الطردي بين زيادة قيمة الإنتاج الصناعي في تركيا بين عام 1980 (تاريخ الانقلاب) وعام 2019، وبين حصة الحزب الإسلامي الرئيسي من التصويت العام.
    يعرض بلبان هنا رسماً بيانياً ينبّه عبره إلى الترابط الطردي بين زيادة قيمة الإنتاج الصناعي في تركيا بين عام 1980 (تاريخ الانقلاب) وعام 2019، وبين حصة الحزب الإسلامي الرئيسي من التصويت العام.

هكذا تحول أولئك الصناعيون الصاعدون على كتف التوجه التصديري الجديد للجنرالات الانقلابيين، ثم للإسلاميين، إضافة إلى المقاولين الصغار والمتوسطين، ومالكي العقارات في المناطق الشعبية، وتجار التجزئة، إلى قاعدة اقتصادية-اجتماعية ترتبط عضوياً بالإسلاميين، تقدم الدعم السياسي لهم، ويعبّرون عن مصالحها من تحت القناع "التقي" الذي يجلّل العلاقة بينهما.  

يأسف بلبان في دراسته لعدم إعطاء الباحثين ظاهرة الصناعي الصغير النامية تلك ما تستحقه من الاهتمام، ولم يربطوا بين توجهاتها السياسية والعقائدية وبين صفتها الطبقية كشريحة وسطى صاعدة ذات مصالح جديدة تمثل في المحصلة امتدادات صغيرة لـ"سلاسل معولمة لتوريد السلع"، ولهذا فإن التناقضات بين تلك الشريحة الصاعدة ومجتمع الأعمال التقليدي التركي، العلماني التوجه، لم تتعلق قط بالشأن الاقتصادي، بل بقضايا ثقافية، بحسب بلبان، على الرغم من محاولة البعض تصوير الأمر كصراع مع البورجوازية الكبيرة (الذي إن وُجد، فإنما دار على حساب التصنيع الثقيل).

ومع أن بلبان لم يذكر ذلك صراحةً أو مباشرةً في دراسته، فإن بعض البحث يكشف أن أولئك الصناعيين والتجار الجدد اتحدوا نقابياً في إطار "مستقل" هو "جمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين في تركيا" Musiad، التي وضعت عنها "نيويورك تايمز" الأميركية تقريراً في 11/12/2004 بعنوان "صوت إسلامي لمجتمع الأعمال التركي"، وهي جمعية تعلن على موقعها أنها تضم 11 ألف عضو يمثلون عشرات الآلاف من المنشآت الاقتصادية، وأن لها فروعاً في المحافظات التركية كافة وفي 73 دولة حول العالم حتى عام 2021، ولكنها في الواقع ليست جمعية مستقلة على الإطلاق، بل ترتبط عضوياً بالحزب الحاكم في تركيا، وربما، عبر فروعها الخارجية، بالتنظيم الدولي نفسه.  

نعرّج بسرعة هنا على الصلات التي ترشح فساداً بين المقاولين الكبار في قطاع الإنشاءات، من جهة، والعدالة والتنمية، من جهة أخرى. وقد ذكرت صحيفة "حريات" التركية في 5/1/2022، نقلاً عن وزير التجارة محمد موش، أن المقاولين الأتراك استجرّوا مشاريع بقيمة تزيد على 30 مليار دولار خارج تركيا في العام 2021، صعوداً من 15 ملياراً عام 2020 (منها أكثر من 11 مليار دولار في روسيا وحدها بالمناسبة، وهو أحد أبعاد العلاقة الروسية-التركية ولا بد من الالتفات إليه)، في الوقت الذي يعاني فيه قطاع الإنشاءات التركي الأمرّين محلياً بسبب الأزمة الاقتصادية في البلاد، ويطالب بإلحاح بتسهيلات وعقود حكومية، وبإبقاء معدلات الفائدة منخفضة، وبالتالي بإبقاء القروض أقل تكلفةً، ولا شك في أن إرضاء تلك القاعدة الأخرى، العقارية، للنظام الإردوغاني، يبقى أحد الدوافع الرئيسية لفرض توجه تخفيض معدلات الفائدة، بعيداً عن أي مزاعم دينية أو أي ادعاءات عن تفكير "من خارج الصندوق" لإنقاذ الاقتصاد.  

بالعودة إلى دراسة "تصنيع العدالة والتنمية في تركيا"، يشير بلبان إلى أن التصنيع الثقيل في تركيا قبل الانقلاب عام 1980، وإن كان تابعاً للغرب أيضاً، ومعتمداً عليه في استيراد الآلات والمواد الخام، ومعمقاً لأزمة النظام بالتالي، فإنه أنتج شرائح عاملة كبيرة نسبياً سرعان ما توالدت فيها نقابات اشتراكية ويسارية واسعة الانتشار قام الانقلابيون بالقضاء عليها، واضعين مئات الآلاف في السجون، فيما جرى التنكيل بالكثيرين تعذيباً وقتلاً، وهو ما مهّد الساحة للإسلاميين فعلياً. في الآن عينه، أسفر توجه رفع الدعم التدريجي عن الإنتاج الزراعي، وتحرير استيراد المنتجات الغذائية، عن موجة هجرة كبيرة وطويلة المدى من الريف إلى المدينة، أدّت إلى تحول سكان المدن، خلال عقد الثمانينيات وحده، من 43% إلى 60% من السكان في البلاد، فيما حافظت تركيا على ثالث أعلى معدل نمو مديني في العالم.  

مع تدفق ملايين الباحثين عن عمل من الريف إلى المدينة، ومع تكريس التوجه التصديري المعتمد على الصناعة الخفيفة، انتعشت شريحة الصناعيين الصغار وأصحاب المشاغل المكتظة في الأحياء الشعبية، لا من منظور "البزنس" فحسب، بل من المنظور الاجتماعي والسياسي أيضاً. وكان ارتباط هؤلاء بشبكة نقابية ومظلة سياسية، أي تؤطرهم كتيار لذاته، يضم في صفوفه أيضاً أصحاب العقارات في الأحياء الشعبية وأصحاب الدكاكين، فضلاً عن الصورة المتدينة التي يقدمون أنفسهم فيها اجتماعياً، والأهم، فضلاً عن تحكّمهم في أرزاق من يشغّلونهم يومياً ساعاتٍ طوال (تراوح ما بين 11 و13 ساعة بحسب بلبان)، وملكيتهم في كثير من الحالات للمباني التي يسكنها العمال، نقول إن كل ذلك بات مصدر "تميّزهم" الاجتماعي والسياسي، وتربعهم على عروش الأحياء الشعبية وتحولهم إلى "أيقونات" المساجد والمقاهي الشعبية، وهكذا تحول "الصناعي الصغير" إلى "بلدوزر" انتخابي حزب اللعدالة والتنمية في الأحياء الشعبية، وإلى أداة سيطرة اجتماعية وثقافية في الأحياء الشعبية، توجّه الناس كيف يعيشون حياتهم الفردية في زمن وسائل التواصل الاجتماعي، لا كيف يصوّتون فحسب.

ثمة ملاحظتان مهمتان يوردهما بلبان في دراسته هنا، أولاهما أن أحد مواضيع الخلاف في حزب الرفاه الذي كان يقوده أربكان، والذي أدّى إلى الانشقاق وتأسيس حزب العدالة والتنمية عام 2001، كان توجّه حزب الرفاه الذي يشدّد على التصنيع الثقيل ودعم الصناعة المحلية وإعادة توزيع الثروة، فيما تبنّى إردوغان وتياره خط الانفتاح الاقتصادي والتوجه التصديري الخفيف، وبالتالي فإن حزب العدالة والتنمية الذي تأسّس عام 2001، على خلفية خلاف مع الحزب الإسلامي الأم (الرفاه)، لم يصل إلى السلطة عام 2002 بالصدفة أو بـ"معجزة"، بل على جناح توجّه اقتصادي يمثل "الصناعي الصغير" رافعته، وينسجم تماماً مع الرأسمالية المعولمة. 

الملاحظة الأخرى هي أن عام 2001 الذي تشكل فيه حزب العدالة والتنمية، هو العام ذاته الذي انضمت فيه الصين إلى منظمة التجارة العالمية، وبالتالي فإن النموذج التصديري التركي الذي اعتمد على الأجور المنخفضة في الصناعات الخفيفة، وعقود العمل غير الرسمية، وتقديم القليل من الخدمات الاجتماعية للعمال، لم يعد يعطي تركيا أفضلية تنافسية دولية من حيث التكلفة مقارنةً بالصين، ومع أن بلبان لم يذكر الاستنتاج الذي ينبني على ذلك، فإن ما لا شك فيه هو أن المنتج الصيني تحول إلى كابوس بالنسبة إلى الصناعي الصغير التركي، ولا سيما أنه أكثر تنوعاً ولا يقتصر على قطاعات صناعة خفيفة بعينها، وهذا مهم جداً لفهم خلفية التحريض التركي على الصين، والسعي إلى تقويض نظامها، بذريعة الإيغور أو "الدفاع عن الدين" أو أي ذريعة أخرى.

لو كان بلبان اقتصادياً، لانتبه أيضاً على الأرجح إلى أن ضرب العملة التركية بشكل متعمّد يخدم الصناعي الصغير أساساً، ويعزّز قدرته على التصدير، وليذهب الاقتصاد التركي ومستوى معيشة المستهلك التركي إلى الهاوية، لا بأس، المهم الحفاظ على السلطة، وعلى ولاء القاعدة الاجتماعية للحزب. وهو ما يحدث فعلاً، فالمنتجات التركية، بفعل تدهور سعر صرف الليرة التركية، باتت أرخص في الأسواق العالمية، وقد تبجّح إردوغان في بداية هذا العام، بحسب صحيفة "حريات" التركية في 3/1/2022، بأن الصادرات التركية فاقت الـ200 مليار دولار للمرة الأولى في تاريخها، وهذا موجّه للمصدّرين أساساً، لأن المواطن التركي يئن تحت وطأة غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار.

من السهل دوماً تسليط الضوء على جانب واحد في ظاهرة معقدة؛ فصحيحٌ أن انخفاض قيمة العملة المحلية يزيد من جاذبية الصادرات، وصحيحٌ أن هذا قد يعزز اقتصاديات الدول المعتمدة على التصدير، لكن تركيا ليست منها...  فتركيا تعاني من عجز مزمن وتاريخي في ميزانها التجاري، أي إن وارداتها تاريخياً أكثر من صادراتها، ولا تزال، حتى هذه اللحظة. وبالتالي، فإن الدول المعتمدة أساساً على الاستيراد، مثل تركيا، ستجد أن مستورداتها باتت أغلى كلما ضعفت عملتها المحلية، وأن معدل التضخم لديها يرتفع كلما انهارت العملة المحلية، لأن المستوردات تمثل مكوّناً كبيراً من السلع المستهلكة محلياً أو من مكوناتها، ولا يملك نظامها إلا أن يتبجّح بأن الفارق بين الورادات والصادرات بات أقل، وبأن الصادرات باتت تغطي 83% من الواردات (بحسب تقرير "حريات" ذاته)، من دون أن يقول إن سبب ذلك هو عجز المواطنين عن شرائها، ولا سيما أن معدل نمو الاقتصاد التركي في عام 2021، بحسب إردوغان نفسه، كان 1.8%، أي أقل من 2%، وهو معدل يعبّر عن حالة ركود اقتصادي لا يتيح تعويض ارتفاع الأسعار بزيادة متوسط الدخل الفردي بالنظر إلى التزايد السكاني واللجوء.

الفضيحة الكبرى بالنسبة إلى من يتشدقون بأن الصادرات التركية في عام 2021 في أعلى مستوياتها (225 مليار دولار)، هي أن الواردات في أعلى مستوياتها التاريخية أيضاً (حوالى 272 مليار دولار)، وقد تقلصت الواردات الاستهلاكية أكثر من عشرين في المئة، نعم، بسبب عدم قدرة المواطن على شرائها، كما سبق الذكر، ولكن واردات المدخلات الصناعية (السلع الوسيطة) والسلع الرأسمالية (مثل الآلات والمعدات) ازدادت، لأننا لا يجوز أن ننسى أن الاقتصاد التركي هو مجرد منصة تصديرية تعتمد على الخارج، وليس اقتصاداً متمحوراً حول ذاته ذا امتدادات خارجية كالاقتصاد الصيني مثلاً. ففي حالة الاقتصاد التركي بالذات، تؤدي زيادة صادرات الصناعة الصغيرة إلى زيادة واردات الصناعة الكبيرة. فالصناعي الصغير يعتمد على الآلات والمدخلات من الخارج، حتى بالنسبة إلى قطاعات تصديرٍ صافٍ مثل الألبسة والأغذية والنسيج والجلود (تستورَد 50% من مدخلاتها من خارج تركيا). 

لكن لا بأس، إذ إن المهم هو بقاء النظام سياسياً، وإعادة إنتاجه على المستوى الاقتصادي-الاجتماعي، بتفريخ المزيد من الصناعيين الصغار اجتماعياً، وهذا هو معنى المعلومة التي أوردها بلبان في دراسته عن أن نظام إردوغان، عبر صندوق ضمان القروض، قدّم أكثر من 82 مليار دولار من القروض بين عامي 2015 و2020 للمشاريع الصناعية الصغيرة المتوسطة (رغم عجز الموازنة السنوي المتزايد في الفترة ذاتها كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي).

في عز الحرب على سوريا، يقول بلبان، ظل "مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية" التركي يعلن عن فرص استثمارية في سوريا في مجال إعادة الإعمار وغيرها. إلى هذا الحد كان نظام إردوغان واثقاً من أنه سوف يسيطر على سوريا لمصلحة قطاع المقاولات والإنشاءات التركي... أما الآن فتقتصر الإعلانات على فرصٍ في المناطق التي تسيطر عليها تركيا ومرتزقتها في الشمال السوري، ولا سيما في مجال البنية التحتية. 

لكن الطامة الكبرى سياسياً بالنسبة إلى نظام إردوغان تتمثل في ملايين اللاجئين السوريين الذين يتقاضون أجوراً أقل بكثير من العمال الأتراك في الورش والمشاغل المكتظة. وتفيد العمالة السورية الرخيصة شريحة الصناعيين الصغار كثيراً بالطبع، ولكنها تزعزع الولاء السياسي للقاعدة العمالية الصماء التي يتحكم فيها هؤلاء في الأحياء الشعبية، أضف إلى ذلك طبعاً معدل التضخم المتزايد باطراد، والذي يضعه البعض عند أعلى بكثير من الـ 36 % المعلنة رسمياً، وانهيار الليرة التركية أكثر من 44% خلال عام 2021، لنصل إلى مزيج غير مستقر سياسياً، ويصعب التنبّؤ به. 

هل يلجأ إردوغان إلى خيارات أكثر عدوانيةً (استعمارية) في سوريا وغيرها لإنقاذ نظامه؟  الشيء المؤكد هو أن محاربة المنتجات التركية في سوريا (وغيرها) باتت أفضل شيء يمكن أن يقوم به من يريد حقاً أن يضغط على إردوغان أو يطيحه.